خلال الندوة التثقفية ال23 التي نظمتها الشؤون المعنوية للقوات المسلحة أمس الخميس، بمسرح الجلاء، تحت عنوان "أكتوبر الإرادة والتحدي"، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن السياسة المصرية مستقلة بشأن سوريا، وطالب باحترام إرادة الشعب السوري ونزع الأسلحة من الجماعات المتطرفة وإعادة إعمار الدولة السورية، ورأى الرئيس أنه لا بد من حل سياسي للأزمة السورية؛ للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، كما علق خلال حديثه على تصويت مصر في مجلس الأمن الدولي لصالح القرارين الفرنسي والروسي بأن سياسة مصر هي الحفاظ على الأمن القومي العربي برؤية مصرية، مضيفًا أن التصويت المصري على القرارين الروسي والفرنسي أغضب البعض، في إشارة للسعودية، وتابع: لكننا نظرنا إلى أن القرارين يدعوان إلى وقف إطلاق النار وإعطاء الهدنة للسماح بإدخال المساعدات للمواطنين الذين يعانون. كما علق السيسي على وقف شحنات النفط من شركة أرامكوا السعودية قائلًا: بعض المتابعين تصور أن وقف شاحنات البترول من السعودية كان للرد على ذلك، أؤكد أن هذا ليس صحيحًا؛ فشحنات البترول تأتي وفقًا لاتفاق تجاري تم توقيعه في إبريل الماضي، ولا نعرف ظروف الشركات، وسنتخذ المواقف المناسبة". ونفى السيسي مواجهة بلاده أي مشكلة في البترول، ووجه حديثه إلى الشعب قائلًا: يا مصريين لو عازين استقلال بجد ما تاكلوش ولا تناموش. كما تناول الرئيس خلال حديثه العلاقات المصرية الخليجية، حيث قال إن مصر حريصة جدًّا على العلاقات التاريخية بأشقائنا في الخليج، ونحن ملتزمون بالأمن القومي العربي الذي نعتبر أنفسنا جزءًا لا يتجزأ منه، لكن في اطار نحترم فيه استقلال القرار. وندد السيسي دون تفاصيل بمحاولة الإساءة لعلاقات مصر، وقال: ما يتم هو محاولة لتخريب علاقات مصر وعزلها، وأضاف: مصر ستركع لله، لكن غير ذلك لن ينفع معنا، وليست لدينا أي مشكلة ألبتة في أي تحدي، ما دام المصريين على قلب رجل واحد. وشدد السيسي على أن استقلال القرار يعكس الشرف والنبل والخلق قبل كل شيء، ومن يريد أن تكون له إرادة حرة لابد أن يتحمل أي ضغوط، مضيفًا: الدولة المستقلة فى قرارها تعانى كثيرًا، وسيقول البعض ما اتفقناش على كده. على الرغم من أن هذا الخطاب الذي ألقاه الرئيس السيسي مفعم بالوطنية، ويحث على وحدة الدول وعدم التدخل في شؤونها واستقلال قرارها، إلا أنه بعيد كل البُعد عن سياسة الرئيس الخارجية، فمنذ تم تنصيبه كرئيس في يونيو 2014، وهو يسير في ركاب الدول الخليجية بشكل قوي، وخاصة السعودية، التي أخذ السيسي يدعم كافة مواقفها السياسية في القضايا الإقليمية، بداية من الأزمة السورية وحتى الأزمة اليمنية وموقفها من إيران. وفيما يخص الأزمة السورية تحدث السيسي عن استقلال الدولة وعدم التدخل في شؤونها، وهو الموقف المتناقض مع ما تم على أرض الواقع، حيث لم تعرب القاهرة عن دعمها للجيش أو الحكومة السورية، ولم تستطع اتخاذ قرار إعادة كامل العلاقات الدبلوماسية مع دمشق؛ خوفًا من غضب دول الخليج. أما في الشأن اليمني فقد اتخذت القاهرة موقفًا داعمًا لعملية "عاصفة الحزم" التي أطلقتها السعودية في اليمن خلال مارس 2015، حيث أعلنت وزارة الخارجية حينها دعمها السياسي والعسكري للعملية، وأضافت أن العملية هي خطوة اتخذها ائتلاف الدول الداعمة للحكومة الشرعية في اليمن استجابةً لطلبها، وذلك انطلاقًا من مسؤولياتها التاريخية تجاه الأمن القومي العربي وأمن منطقة الخليج العربي، وأشارت إلى أن التنسيق جارٍ بين مصر والسعودية ودول الخليج بشأن ترتيبات المشاركة بقوة جوية وبحرية مصرية، وقوة برية إذا ما لزم الأمر، في إطار عمل الائتلاف. وعلى الرغم من أن المشاركة المصرية في العدوان السعودي على اليمن لم تكن بالقدر الذي توقعته المملكة من حليفتها الأولى مصر، حيث اقتصر على الدعم السياسي وتجنب الدخول الفعلي بقوات مسلحة في الحرب هناك، إلا أن الموقف المصري، وإن اقتصر على تصريحات كلامية فقط، إلا أنه يعبر عن ازدواجية المعايير لدى وزارة الخارجية والقادة في القاهرة، فكيف يتحدث السيسي عن دعم استقلال قرار هذه الدول وفي الوقت نفسه يتخذ موقفًا داعمًا لدخول قوات أجنبية متمثلة في التحالف السعودي في اليمن؟ إذا كانت سياسة مصر تقوم على استقلال الدول وعدم التدخل في شؤونها، كما قال السيسي، فلماذا دعمت مصر في البداية المعارضة السورية، واستضافت اجتماعاتها، ثم دعمت التدخل الروسي في سوريا، في الوقت الذي لم تدعم فيه الحكومة الرسمية وقياداتها، وعلى الجانب الآخر دعمت التدخل السعودي في اليمن والحكومة الرسمية هناك، ولم تدعم المعارضة اليمنية. بالنظر إلى المواقف المصرية في الأزمتين تجد أنها تتناسق مع المواقف السعودية في كلتا الأزمتين أيضًا، وهو ما يؤكد أن السياسة المصرية كانت تسير تحت عباءة السعودية طوال الفترة الماضية. يبدو أن السياسة الخارجية لا تزال متخبطة، وتحتاج إلى ترتيب وتنسيق لأوراقها ومواقفها السياسية أكثر من ذلك، حتى لا تُعرف بازدواجية المعايير أو المضي على أهواء دول أخرى حليفة واتخاذ مواقفها السياسية لمجرد دعمها المالي والاقتصادي لمصر، فإن انتهى هذا الدعم تغيرت السياسة المصرية، فالدولة المصرية عُرفت على مر العصور بثبات مواقفها السياسية بعيدًا عن الدعم المالي ومحاولات الاستقطاب والابتزاز التي تلجأ إليها بعض الدول لتحييد مصر عن سياساتها أو جذبها إلى صفوفها.