تجلى التأثير الثقافي المصري في الحجاز خلال العصرين الفاطمي والأيوبي في وفود طلاب العلم الحجازيين مصر جماعة وفرادا لطلب العلم والاستفادة من علمائها، وسفر العلماء المصريين إلى الحجاز لتعليم أهله، بالإضافة إلى المدارس التي أقامها المصريون في الحجاز. في العصر الفاطمي، جاء مصر الكثير من طلاب العلم، منهم هياج بن عبيد بن الحسن الحطيني، أبو محمد الزاهد، فقيه الحرم ومفتي أهل مكة، الذي قتل على يد أمير مكة سنة 472ه لشكوى الشيعة منه، وشميلة بن محمد بن جعفر الملقب بالزين، الذي جاء لمصر طالبا العلم حين أرسله أبوه أبو هاشم محمد بن جعفر الحسني أمير مكة، فنزل مصر في رمضان عام 447ه/ 1055م، وعبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن علي الملقب بأبي معشر الطبري، شيخ القراء بمكة، الذي قرأ بمصر على يد أبي العباس بن نفيس وإسماعيل بن راشد الحداد. في العصر الأيوبي، جاء إلى مصر الشيخ قطب الدين القسطلاني المكي الشافعي، الذي نشأ بمكة وأجاز له الشيخ أبو الفتوح الحصري، ثم عاد فتولى قضاء مكة، كما قدم أيضا أبو الفتح محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طلحة من كبار الحنابلة بمكة، وسمع من أبي الطاهر الزيات، وبالأسكندرية من الحافظ السلفي، ثم عاد لمكة إماما للحنابلة، وتقي الدين أبو حفص المعروف بالميانشي، شيخ مكة وخضيبها، ولقي أبا عبد الله محمد بن أحمد الرازي، وأخذ عنه سداسياته، وسمع من أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر المازري. لم يتوقف الأمر على مجيء طلاب العلم الحجازيين إلى مصر، بل ذهب الكثير من العلماء للحجاز لتعليم أهلها، ففي العصر الفاطمي، سافر مسعود بن علي بن أحمد بن عبد المعطي، وقرأ على أبي الخير الفاسي ولازمه حتى تخرج على يديه، وسمع منه ومن عثمان بن الصفي وغيرهم، وكان فاضلا في القراءات والفقه والحديث والعربية، ذهب إلى مكة يلقي العلم على أهلها وأقام حتى توفي فيها عام 551ه/ 1156م. سافر أيضا عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن صدقة المصري، أبو محمد المعروف بابن الغزال، إلى مكة فسمع منه الحافظ أبو القاسم بن عساكر، بالإضافة إلى القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة المصري الفقيه الشافعي الذي سافر مكة فسمع منه الكثير ثم عاد لمصر حيث توفي بها. كما ذهب الكثير من العلماء للحجاز في العصر الأيوبي، ومنهم عبد المعطي بن محمود بن عبد المعطي الإسكندري، الذي اشتهر بالذهد والصلاح، وكان من كبار الأئمة الصالحين، انتقل لمكة وعلم أهلها وتوفي هناك، وسافر أيضا إلى مكة شعيب بن يحيى بن أحمد بن محفوظ بن عطية التميمي الإسكندري، وكان عالما فقيها، وذهب لمكة لتعليم أهلها وتوفي بها.