أثارت تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي التي أدلاها أمس، أثناء تسليمه عقود شقق تمليك أهالي غيط العنب بالإسكندرية وطالب فيها المصريين بالتنازل عن "الفكة" من مرتباتهم ليتم وضعها في حساب بنكي تكون مهمته الأساسية تقديم التمويل اللازم للمشروعات الخدمية، سخرية كبيرة لدى مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، من تدني الحالة الاقتصادية للدرجة التي أجبرت الدولة على اللجوء ل"الفكة" لحل أزمتها الاقتصادية. قارىء التاريخ سيكتشف أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الدولة إلى الفكة "القرش" لحل أزمتها التي تمر بها، ففي عهد الملك فؤاد وتحديدًا عام 1931، ظهر إلى العلن "مشروع القرش" الذي تبناه الزعيم السياسي والمؤرخ أحمد حسين، أحد مؤسسي حزب "مصر الفتاة" مع الصحفي فتحي رضوان؛ حيث هدف الثنائي من خلف المشروع حث المواطنين على المشاركة وتخفيف العبء الاقتصادي عن الدولة، في ظل الأزمة المالية التي ألمت بالعالم أجمع وقتها وأطلق عليها مصطلح "الكساد الكبير". المشروع الذي حمل شعار "تعاون وتضامن في سبيل الاستقلال الاقتصادي" يعتبر نقطة الانطلاق الرئيسية في مصر للفكر الاشتراكي الذي ينشأ على مشروعات اقتصادية بمساهمة من الشعب، الذي يكون لديه القدرة بعد ذلك على تشجيعها وتنميتها، وقتها حظي المشروع بدعم كبير جدًا من حكومة صدقي باشا، الذي حرص على تقديم جميع التسهيلات لإنجاحه لعدة أسباب أهمها تحريك الاقتصاد الراكد جراء الأزمة الاقتصادية. أما السبب الثاني، فكان سياسي بحت؛ حيث أرادت الحكومة تحقيق شعبية وأرضية لها في الشارع المصري أمام حزب الوفد بقيادة مصطفى النحاس باشا، الذي رفض المشروع برمته واعتبره ضد الوطنية المصرية. حقق المشروع وقتها نجاحًا كبير؛ حيث شاركت فيه جميع طوائف الشعب، فطلبة الجامعات حملوا تذاكر المشروع وذهبوا بها إلى مدنهم وقراهم، ونجحوا في جمع تبرعات كثيرة جدًا، إضافة إلى جنود الجيش الذين شاركوا في بعض حملات المشروع، والفنانون الذين خصصوا جزءا من ربح حفلاتهم لصالح المشروع، حتى إن أمير الشعراء أحمد شوقي كتب عدت أبيات عن المشروع جاء فيها: علم الآباء واهتف قائلا.. أيها الشعب تعاون واقتصد اجمع القرش إلى القرش.. يكن لك من جمعهما مال لبد اطلب القطن وزاول غيره.. واتخذ سوقا إذا السوق كسد وبالتزامن مع المشروع، اشتعلت معركة أخرى "الطرابيش"، حيث كانت مصر تستورد وقتها الطرابيش من الخارج، بعد توقف مصانع عدة أنشأها محمد علي باشا لتنشيط الصناعة المصرية، على رأسها الذي أنشأه في مدينة فوة بكفر الشيخ، حيث اقترح البعض إنشاء مصنع محلي لتصنيع الطرابيش. تمكنت الحملة في العام الأول من جمع مبلغ 17 ألف جنيه وهو مبلغ خرافي آنذاك، وفي العام التالي جمعت 13 ألفا، فكان من نتائجها إنشاء مصنع للطرابيش في منطقة العباسية، حيث تم افتتاحه في 15 فبراير 1933م، من وقتها توقفت مصر عن استيراد الطرابيش من الخارج، وظهرت بعض التقاليع وقتها، منها استبدال اللون الأحمر للطربوش باللون الأخضر لون علم مصر. وكان من أبرز نتائج المشروع أيضًا تمكن مصر من إنشاء قناطر فؤاد الأول بنجع حمادى، إضافة إلى تعلية خزان أسوان عام 1932، وإصلاح قناطر أسيوط، وأخيرًا تأسيس بنك التسليف الزراعى العقاري.