لايكاد يمضي شهر دون تدخل سفير السعودية في الشؤون العراقية بشكل فج ليشعل العلاقات بين الطرفين، الأمر الذي دفع القوى السياسية والأحزاب البرلمانية إلى الدعوة لطرد السفير وغلق السفارة، إلا أن الحكومة العراقية كانت دائمًا تحاول منع تدهور العلاقات السعودية العراقية أكثر، لكن يبدو أن كيل هذه الحكومة قد طفح، وقدرتها على التغاضي نفذت، لتخرج رسميًا وتطالب باستبدال السفير. طلب رسمي أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد جمال، أنه تم تسليم طلب لوزارة الخارجية السعودية صباح أمس الأحد، باستبدال السفير السعودي في العراق بسفير آخر، وقال: ننتظر ردهم ونتمنى أن يتعاملوا مع الطلب بإيجابية إن كانوا حريصين على إدامة العلاقات مع العراق، ونأمل أن لا تدعو هذه الخطوة إلى ردود أفعال سلبية من الجانب السعودي، ونتمنى أن يكون رد الفعل إيجابيا، وأضاف أن طلب الاستبدال جاء بسبب التجاوزات المتكررة التي تضمنتها تصريحات الأخير عن الشأن الداخلي العراقي، مؤكدًا أن الخارجية العراقية اعتبرت مزاعم السبهان، بوجود مخطط لاغتياله من قبل فصائل الحشد الشعبي "فبركة إعلامية"، وتجاوزًا على هيبة الدولة العراقية وقدرتها على حفظ أمن البعثات الدبلوماسية. وأوضح المتحدث باسم الخارجية العراقية، أن وزارته رصدت سلسلة من تجاوزات السفير السعودي، كان مجملها يتعلق بتصريحاته الصحفية المتكررة، والتي كانت غالبًا ما تمثل تدخلًا سافرًا في الشأن الداخلي العراقي، وتجاوزًا لطبيعة مهام عمله الدبلوماسي كممثل لدولة داخل العراق، وتابع جمال: اللافت في الموضوع هو ما أطلقه السيد السفير قبل أيام حول وجود مخطط لاغتياله في بغداد تقوم به بعض من فصائل الحشد الشعبي العراقي، وأضاف أن هذا الموضوع فبركة إعلامية لا وجود لها، مبديا دهشته من أن السفير لم يبلغ الخارجية العراقية ولا الحكومة بوجود مخطط، وقال: طالبناه أن يقدم أي أدلة أو إثباتات أو براهين حول وجود هكذا موضوع. السفير السعودي، من جانبه، رد سريعًا على الطلب العراقي، حيث أصر على أن السياسات التي تتبعها الرياض حيال العراق لن تتغير بتغييره بسفير آخر، مشيرًا إلى أن الطلب العراقي بتغييره جاء نتيجة ضغوط تمارسها مختلف الجهات والقوى على الحكومة العراقية. إقدام وزارة الخارجية العراقية على مثل هذه الخطوة يوحي بأن الكأس قد فاض لدى الحكومة العراقية من تدخلات وتصريحات وتغريدات السفير السعودي المتلاحقة، فالعراق يسعى للاستقرار والوحدة الشعبية، إلا أن السبهان، بتصريحاته، يخرج بين الحين والآخر ليشعل التوتر والأزمات الطائفية والحروب الأهلية بين مختلف طوائف الشعب العراقي، وهو ما حذرته منه الحكومة من قبل لكنه لم يلق صدى لدى وزارة الخارجية السعودية أو سفيرها في العراق. بداية متوترة منذ تعيينه سفيرًا للسعودية في العراق، في ديسمبر الماضي، أطلق ثامر السبهان، سلسلة من التصريحات والتغريدات الاستفزازية اعتبرتها بغداد تدخلًا سافرًا في الشأن العراقي، وتأجيجًا للصراعات الطائفية والمذهبية، كما أثارت جدلًا وغضبًا واسعًا لدى العراقيين، حيث سبق وهاجم السفير السعودي في أكثر من موضع شخصيات عراقية بارزة، وصدرت عنه تعلقيات طائفية ضد القوات الأمنية العراقية في حربها ضد الإرهاب، كما تدخل في الشأن العسكري العراقي، وطالب بإبعاد بعض مكونات الجيش عن ميدان المعارك وعلى رأسها فصائل الحشد الشعبي، وهو ما اعتبرته المؤسسات العراقية وعلى رأسها الحكومة والبرلمان والجيش، مخالفًا للأعراف والقوانين الدبلوماسية، وطالبته مرارًا بالالتزام بحدود الدبلوماسية والأعراف الدولية. لم يقتصر الغضب على المؤسسات العراقية الكبري، بل امتد إلى الشارع العراقي والسياسيين والأحزاب، واعتبرت عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان حنان الفتلاوي، أن مطالبة العراق باستبدال السبهان جاءت لتكرار تجاوزاته وتصريحاته المسيئة وتدخله بالشأن الداخلي لبلادها، وأنه أصبح مصدرا للإساءة بين البلدين، فيما اعتبر الأمين العام لحركة النجباء أحد فصائل الحشد الشعبي أكرم الكعبي، أن السبهان، شخصية مخابراتية وليس دبلوماسية وكان حضوره إلى العراق منذ البداية غير مرحب به. كانت آخر تصريحات السبهان، المثيرة للجدل والدهشة، هي اتهامه لإيران وبعض فصائل الحشد الشعبي بتدبير محاولة لاغتياله، وهي التصريحات التي مثّلت القشة التي قسمت العلاقات بين بغداد والسبهان، حيث اعتبرت الخارجية العراقية أن مثل هذه التصريحات ما هي إلا "فبركة إعلامية" ومحاولة للإساءه لسمعة العراق. تصعيد دبلوماسي بعيدًا عن تصريحات السفير السعودي، فإن الأزمة مشتعلة بين بغدادوالرياض منذ أن خرجت الأولى عن طوع الأخيرة وبدأت في اتخاذ مواقف منفردة بعيدة عن التحكمات السعودية والأوامر والإملاءات الملكية، إذ بدأت الأزمة عندما بدأ رئيس الوزراء حيدر العبادي، خطته للقضاء على الإرهاب في العراق، ووضع مقاتلي الحشد الشعبي سندًا رئيسيًّا للجيش، الأمر الذي أغضب المملكة كثيرًا، وسعت مرارًا إلى إفشاله، لكنها لم تنجح. تصاعدت التوترات بعد إعدام المملكة للشيخ نمر باقر النمر، وهو الأمر الذي أدانته الحكومة العراقية، ووصفه رئيس الوزراء، ب"سياسة تكميم الأفواه"، وقال إنها ستجلب المزيد من الخراب على الحكومات والشعوب، وتبع هذا الموقف رفض وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، التوقيع على بيان جامعة الدول العربية الذي أدان الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، بعد إعدام نمر، كما رفضت العراق بيان وزراء الداخلية العرب الذي صدر في مطلع مارس الماضي وأدان ممارسات إيران وصنف حزب الله كتنظيم إرهابي، الأمر الذي جعل علاقة السعودية بالحكومة العراقية على المحك. يبدو أن هذه الأزمة ستستمر طويلًا، ويمكن أن تتطور أيضًا خلال الفترة القادمة، خاصة مع زيارة وفد من حركة "أنصار الله" برئاسة المتحدث باسم الحركة محمد عبد السلام، للعاصمة العراقيةبغداد، اليوم الاثنين، ولقائه مع وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، الأمر الذي قد يجعل السعودية تستشيط غضبًا من محاولات الحركة تسويق نفسها في الدول العربية وكسب اعترافات من حكومات الدول المجاورة بشرعية المجلس السياسي الأعلى الذي تم تشكيله في اليمن في 28 يوليو الماضي.