تبقى المعادلة الذهبية التي تحكم قوة لبنان متمثلة في ثلاثة محاور رئيسة "الجيش، المقاومة، الشعب"، وفي الوقت الذي لا يزال فيه الجيش اللبناني يعاني من تبعات الإخفاقات الحكومية المتلاحقة في تبعيتها لدول إقليمية وعالمية، والفشل الذريع في حل أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان، إضافة إلى قيادة الجيش اللبناني، حيث بات من شبه المؤكد التمديد لقائد الجيش جان قهوجي، ضمن اتفاق بين الأقطاب السياسية الأساسية التي لم تبدِ أي معارضة للطرح، وعلى الرغم من المعارضة العونية لمبدأ التمديد أصلًا، لكنها ترى حاجة في قهوجي؛ كي لا ينسحب الشغور على المؤسسة القابعة على رأس حماية البلاد، بالإضافة لتحكم السعودية في فرض شروطها التسليحية على الجيش اللبناني والمتمثلة في منع الرياض هبة الثلاثة مليارات دولار التي كانت معدة له. جميع هذه الأمور قد تخرج الجيش اللبناني "مؤقتًا" عمن مشهد الصراع اللبناني مع العدو الصهيوني، وبالتالي الجهة الجاهزة والمؤهلة لأي مواجهة عسكرية مع إسرائيل ويحسب الكيان الصهيوني لها ألف حساب هي حزب الله. مؤخرا علّقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أعمال التنقيب عن الغاز الطبيعيّ في مياه شرق البحر المتوسط المقابلة لرأس الناقورة، وهي منطقة تقع في فلسطينالمحتلة إلى أقصى الجنوب من السهل الساحلي في جنوبلبنان، وعللت تل أبيب الأمر بضرورات تجنّب المواجهة مع لبنان والخشية من المواجهة في مجازفة قابلة للانفجار، حيث ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن حكومة بنيامين نتنياهو تمنع التنقيب عن الغاز الطبيعي خشية المواجهة مع لبنان. وأشارت الصحيفة الى أن "عمليات الفحص التي جرت في قعر البحر أظهرت أن جزءًا كبيرًا من المحزون المحتمل المتواجد مقابل شاطئ رأس الناقورة يمتد إلى داخل الحدود مع لبنان"، خالصة الى أن المعنيين في كيان الاحتلال يفضّلون عدم الدخول في هذه المغامرة القابلة للانفجار. وقد تأزم الوضع بين لبنان والكيان الصهيوني منذ الإعلان عن اكتشاف حقل «تامار» الذي يقع في الحوض الشرقي المتداخل مع الحدود البحرية الاقتصادية للبنان قبالة مدينة صور، وفي غياب وجود اتفاق لترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنانوفلسطينالمحتلة، ترى "إسرائيل" أن الحقل يعود إليها؛ لأن الحدود البحرية يجب أن تكون عمودية على الميل العام للخط الساحلي اللبناني، في مقابل ذلك ترى لبنان أن الحدود البحرية تكون امتدادًا للحدود البرية أو أن الحدود البحرية ترسم خطًا متعامدًا على الخط الساحلي عند رأس الناقورة، وهي النقطة 23 في ترسيم الحدود اللبنانية القبرصية؛ ومن ثم فإن الحقل يعود إليها. وحتى الآن أخفقت وساطات الولاياتالمتحدة والأمم المتحدة في التوصل إلى حل متوافق عليه بين الطرفين، فالكيان الصهيوني ما زال يمارس سياسته العدوانية ضد لبنانوفلسطين، الأمر الذي يحتم استمرار العداء بين لبنان والكيان الصهيوني. وبحسب الصحيفة العبرية فإن "الاختبارات الزلزالية أظهرت وجود طبقة جيولوجية تحت الأرض يمكن أن تحتوي على حوض غاز كبير، وشكل هذه الطبقة يبدو واعدًا"، لكن الصحيفة تستدرك فتقول إنه "عندما نفحص الخرائط الزلزالية، نكتشف أن جزءًا كبيرًا من هذه الطبقة يتواجد في الأراضي اللبنانية. وعندما طلبت الشركات التنقيب هناك قيل لها إن هذا لن يحدث في القريب، على الرغم من وجود إمكانية أن يقوم اللبنانيون بالتنقيب أولًا من جانبهم، ويحاولوا تخصيص كل الغاز". وتشير صحيفة "يديعوت أحرونوت" الى أن ل"اسرائيل" نزاعات متواصلة مع اللبنانيين في البحر. لذلك، مع وضع الخريطة الجديدة حددت ثلاثة "بلوكات تنقيب" يؤشر إليها من رقم واحد إلى ثلاثة، وتظهر المنطقة المتنازع عليها، وهي منطقة تظهرها إسرائيل بأنها تابعة لها، لكن اللبنانيين يقولون إنها لهم. وتختم الصحيفة بالقول إن حوض "ألون دي" يقع وراء المنطقة المتنازع عليها، لكن بسبب المخاوف من أن يؤدي العثور على الغاز فيه إلى إشعال صراع مع اللبنانيين؛ فقد منع الحفر هناك. وكان حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني في خطابه السبت الماضي قد ألمح إلى أن الغاز اللبناني له من يحميه، حيث قال "جزء كبير من المشاكل هو بسبب العجز المالي والموازنة، والتعطيل هو بقرار سياسي، فالحكومة مسؤولة عن كل لحظة تضيع فيها الفرصة على البلاد لاستغلال مواردها الطبيعية، ولبنان في وضع قادر على أن يحمي نفطه وغازه، لكنّ المسألة مرتبطة بأخذ القرار بذلك". ويبدو أن العدو الصهيوني صار مقتنعُا بالفعل بأنه ليس إلا بيتًا للعنكبوت، فأخذ تهديدات نصر الله على محمل الجد، حيث حذر الأمين العام لحزب الله في 26 يوليو 2011 إسرائيل من التنقيب عن النفط في المنطقة البحرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل. وقال نصر الله في خطاب ألقاه في "مهرجان الكرامة والانتصار" بمناسبة مرور خمس سنوات على الحرب التي اندلعت بين حزبه والكيان الصهيوني في يوليو من عام 2006 "نحذر الإسرائيلي من أن يمد يده الى هذه المنطقة والقيام بأي عمل يؤدي الى سرقة ثروات لبنان". وأضاف "عندما تعتبر الدولة اللبنانية مساحة ما أنها مياه إقليمية لبنانية ستتصرف المقاومة على أنها منطقة إقليمية لبنانية". وتابع "أستطيع أن أقول لكل الحكومات أو الشركات التي ستبدأ في التنقيب والاستخراج إن لبنان قادر على حماية هذه الشركات والمنشآت، لأن من يمكن أن يعتدي على هذه المنشآت لديه منشآت نفط وغاز، ومن يمس المنشآت المستقبلية في المياه اللبنانية ستمس منشآته". تهديدات نصر الله دفعت الكيان الصهيوني للتفكير بجدية في تطوير قبة حديدية "بحرية"؛ لحماية منصات الغاز الإسرائيلية من حزب الله، ويبدو أن قرارها بوقف التنقيب في المناطق المتنازع عليها مع لبنان مؤشر على عدم قدرتها على تفعيل منظومة دفاعية رادعة لصواريخ حزب الله، كما أن خسارتها لحرب تموز مع حزب الله 2006 علمتها أن تحترم مجبرة أصغر دولة عربية، وتحسب لها ألف حساب.