دائمًا ما كانت تحظى جبهة النصرة الإرهابية "فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام" بمظلة قطرية تحميها من سهام أي انتقاد يصف النصرة بالإرهاب، حيث تعد قطر الراعي الراسمي للنصرة، فلا تتم صفقة تبادل للراهن بين هذه الجبهة وأي طرف آخر، سواء في سوريا كما حدث في معلولا، أو في لبنان كما حدث مع جنود الجيش اللبناني المحررين من قبضة النصرة، وإلا وتجد قطر حاضرة في هذه الصفقات، عن طريق التنسيق الاستخباري والأمني مع الجبهة. النصرة بغلافها الجديد يبدو أن الساحة الإرهابية باتت بحاجة إلى إرهاب ب"ستايل" جديد، خاصة بعد أن نفذت من خزينة الدول الداعمة للإرهاب كالولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة السعودية وقطر وتركيا جميع الجمل البراقة التي كانت تحاول من خلالها تجميل الشكل المقيت للجماعات الإرهابية، فمن الجيش الحر الذي قام أحد فصائله مؤخرًا بذبح الطفل الفلسطيني، إلى المعارضة المعتدلة التي اعترف وزير خارجية أمريكا جون كيري بصعوبة الفصل بينها وبين الجماعات الإرهابية، انتهاءًبالمحاولات الشكلية التي تعتزم جبهة النصرة تنفيذها؛ لتقنع العالم كما لو أنها تحولت من تنظيم يكفر الآخر إلى تنظيم يدعو للمحبة والسلام، وكأنها ستتحول من جبهة "وهابية" إلى جبهة تتماشى مع الرؤى الغربية الذي تكفره الجبهة. فخلال الأيام الماضية عاد الحديث عن إعلان جبهة النصرة في سوريا، والتي تشكلت أواخر 2011، عزمها عن فك ارتباطها بتنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري، تزامن هذا مع احتمالية ظهور زعيم النصرة أبو محمد الجولاني في تسجيل مصور؛ للإعلان عن مثل هذه الخطوة والتي تتضمن تغيير اسم جبهة النصرة وشعارها أيضًا. ولا تختلف خطوة النصرة مع تلك الإجراءات التي تتخذها الشركات التجارية التي تقوم بتغيير غلاف المنتج؛ لتسويقه بشكل مختلف، مع احتفاظها بطبيعة المنتج، فجبهة النصرة، بطبيعة الحال، غير مرتبطة بشكل مباشر أو هرمي مع تنظيم القاعدة، كما أنها ليست على صلة بالمرجعية الإدارية؛ فالنصرة كيان مستقل بنفسه من الأمير إلى النواب إلى المجلس الشرعي والشوري والعسكري والمصادر المالية، الأمر الذي يجعلها منفصلة عن القاعدة من حيث المبدأ. وما يدعم الشكوك حول شكلية التغيرات التي طالت النصرة تردد أنباء تفيد بأن النصرة تطلب الإذن من زعيم القاعدة الظواهري لفك الارتباط عنه، إذ تفرض البيعة قبول الظواهري فكها شرعًا، حيث تم إرسال رسالة من النصرة للقاعدة، تشرح فيها الظروف التي تفرض على الجبهة أن تفك الارتباط شكليًّا بالقاعدة؛ لتجنب الهجمات التي تنوي الولاياتالمتحدةوروسيا شنها في سوريا. خطوة النصرة للتغيير.. لماذا الآن؟ لا يمكن فصل خطوة النصرة لفك ارتباطها بالقاعدة عن التفاهمات الدولية حول مكافحة الإرهاب، خاصة بعدما طال الإرهاب الساحات الأمريكية والأوروبية، فلم يعد مقبولًا من حيث الشكل على الأقل أن تدعم واشنطن وحلفاؤها جبهة النصرة، والرأي العام الغربي لهذه الدول الداعمة يعاني من هجمات النصرة الإرهابية، حيث ذكرت مصادر مقربة من تنظيم "داعش" أن طالب اللجوء السوري الذي فجر نفسه في مدينة انسباخ في جنوبألمانيا له ماضٍ إرهابي، إذ قاتل في صفوف "داعش" في العراق ثم "جبهة النصرة" في سوريا. الهجمات الإرهابية على الغرب أصبحت تشكل عبئًا حقيقيًّا على الأحزاب الحاكمة فيه، فعجزها عن إيجاد حلول ناجعة للإرهاب سيهدد مكاسبها السياسية في أي انتخابات رئاسية أو تشريعية مقبلة، فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند دعا مطلع يوليو الجاري روسياوأمريكا لضرب "جبهة النصرة" في سوريا إلى جانب الغارات على مواقع جماعة "داعش" الارهابية. ولكن يبقى التحول الأبرز تجاه جبهة النصرة، وهو التوافق الأمريكي الروسي الأخير على ضم النصرة إلى لائحة الاستهداف؛ أسوة بتنظيم «داعش»، الأمر الذي يراه محللون بأنالولاياتالمتحدة لا تريد أن تقضي على النصرة، لكنها حاولت أن تبدو بصورة المناهضة للنصرة بعد توارد تقارير دولية حقوقية بأن واشنطن تدعم مجموعات إرهابية في سوريا، ففي منتصف مايو الماضي رفضت الولاياتالمتحدة عرضًا روسيًّا بالقيام بضربات جوية مشتركة ضد المجموعات الارهابية من بينها النصرة في سوريا. لماذا تحتفظ الدول الداعمة للإرهاب بجبهة النصرة؟ يبدو أن التعديلات الشكلية المطلوب من النصرة استحداثها تشير إلى هدف واحد، وهو إطالة وجود هذه الجبهة الإرهابية تحت مسميات وشعارات جديدة، خاصة أن قطر طالبت ومنذ فترة طويلة النصرة بفك ارتباطها مع القاعدة، وشارك فيها وزير خارجيتها مباشرة، ليصبح التعامل معها مقبولًا عالميًّا، وإذا كان من المعروف أسباب تشبث قطر بالجبهة، حيث تشكل النصرة رأس الحربة في السياسة القطرية في سوريا، سواء بمشروعها المناهض لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، أو بمزاحمة المملكة العربية السعودية لمناطق النفوذ في سوريا، حيث تأتي الهجمات التي شنتها "جبهة النصرة" الارهابية على مقرات ما يسمى "جيش التحرير" الممول من السعودية في ريف حماه وإدلب، في إطار محاولات قطر لتحطيم أذرع السعودية في شمال سوريا. كما أن للنصرة أدوارًا جديدة تم استحداثها مؤخرًا من الكيان الصهيوني، فإسرائيل باتت تستفيد من هذه التنظيمات الإرهابية لتمرير مخططاتها المعادية لمحور المقاومة "سوريا-إيران-حزب الله"، حيث أنشأت إسرائيل حزامًا أمنيًّا من جبهة النصرة على غرار جيش لحد، وذلك من خلال غرف استخبارية تجمع بين عسكريين صهاينة وقياديين من جبهة النصرة في الجولان المحتل. وبالنسبة لأسباب احتفاظ الولاياتالمتحدةالأمريكية بالنصرة، فلا توجد مؤشرات جادة على أن الولاياتالمتحدة غيّرت موقفها من «جبهة النصرة»، وأنها أصبحت مستعدة لإعلان الحرب ضدها كما فعلت من قبل ضد تنظيم «داعش». وحتى مضمون مسودة الاتفاق التي عرضها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على الكرملين، الأسبوع الماضي، ليس فيه أي إشارة تدلّ على أن هذا التغيير بات وشيكًا. ونقلت وكالة "آكي" الإيطالية، عن مصادر أوروبية، أن التعاون الأمريكي الروسي يسعى ل«إضعاف وتفتيت جبهة النصرة وإقناع المنتمين إليها مغادرتها، مقابل تشجيعهم للانضمام لكتائب مسلحة معتدلة تثق بها الولاياتالمتحدة»، خاصة أن النصرة ما زالت حتى ملتزمة بتعهداتها تجاه واشنطن، المتمثلة في عدم استهداف المصالح الأمريكيةوالغربية، مقابل امتناع الولاياتالمتحدة عن قصف قادتها ومقارها. خلافات داخل النصرة لا يبدو أن موضوع فك ارتباط النصرة بالقاعدة سيمر على الجبهة مرور الكرام، فمن المرجح أن تحمل "النصرة " اسم "جبهة فتح الشام،" لكنها ستشهد حملة انسحابات من المتمسكين ب"القاعدة"، خصوصًا الذين قدموا من الخارج إلى "ارض الجهاد" بناء على دعوات أيمن الظواهري .