تتجه الأزمة السياسية في تونس، بين الحكومة والرئاسة، إلى مزيد من التصعيد والتأزم، خاصة بعد أن اختار رئيس الوزراء التونسي، حبيب الصيد، طريق التعنت في مواجهه رئيس الدولة، باجي قايد السبسي، من خلال التوجه إلى البرلمان لحسم مسألة بقائه في منصبه، وأيًا كان الخيار الذي سيصوت لصالحه البرلمان فإنه سيؤدي إلى أزمة سياسية تضاف إلى الأزمات التي تعاني منها البلاد. حدد مجلس نواب الشعب التونسي، الثلاثين من يوليو موعدًا لجلسة التصويت على تجديد الثقة بحكومة الحبيب الصيد، ويحتاج الصيد خلال التصويت إلى تأييد 109 عضو من مجموع 217 عضوًا بالبرلمان، وإلا فإنها تصبح فاقدة للثقة، ما سيتطلب تكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل حكومة أخرى. يأتي ذلك بعد أن تقدم رئيس الوزراء التونسي، الحبيب الصيد، الأربعاء الماضي، بطلب رسمي إلى برلمان البلاد، لتجديد منح الثقة في حكومته، وقال عضو مكتب البرلمان، النائب عن كتلة حركة النهضة، الحبيب خضر، إن البرلمان تلقى رسميًا مراسلة تتعلق بطلب عقد جلسة للتصويت على تجديد الثقة في الحكومة، موضحا أنه سيتم عرض الطلب على الجلسة العامة للبرلمان في غضون ما لا يقل عن أسبوع، وما لا يزيد عن أسبوعين من تاريخ تلقي المراسلة. التوترات السياسية التي تشهدها تونس بدأت مع دعوة الرئيس الباجي قايد السبسي، بداية يونيو الماضي إلى الإسراع بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية تكون أولوياتها الحرب على الإرهاب والفساد، وترسيخ الديمقراطية، وتشارك فيها أحزاب ونقابات، على رأسها النقابة العمالية الأكبر والأهم في البلاد "الاتحاد العام التونسي للشغل"، ووقع الأربعاء الماضي، على وثيقة "اتفاق قرطاج – أولويات حكومة الوحدة الوطنية"، كل من الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، وأحزاب النهضة، ونداء تونس، ومشروع تونس، والاتحاد الوطني الحر، وآفاق تونس، والجمهوري، والمسار الديمقراطي الاجتماعي، والشعب، والمبادرة الوطنية الدستورية. تنص وثيقة الاتفاق، على 6 أولويات لحكومة الوحدة الوطنية، تشمل كسب الحرب على الإرهاب، وتسريع نسق النمو والعمل، ومقاومة الفساد، وإرساء مقومات الحكومة الرشيدة، والتحكم في التوازنات المالية، وتنفيذ سياسة اجتماعية ناجعة، وإرساء سياسة خاصة بالمدن والجماعات المحلية، ودعم نجاعة العمل الحكومي، واستكمال تركيز المؤسسات، ووسط هذه الترتيبات التي يجريها السبسي خرج الصيد ليفاجيء الأحزاب برفض الاستقالة والدعوة إلى تحديد مصير حكومته عبر البرلمان، وقال حينها إن قراره التوجه إلى البرلمان هو لضرورة حلّ المسألة في أسرع وقت ممكن، وكشف الصيد للمرة الأولى علنَا أنه تعرض لشتى أنواع الضغوط السياسية بلغت حد التهديد لإجباره على الاستقالة، مشددًا على أنه لن يستقيل لأنه لا سبب يدفعه إلى هذا الأمر، وعلى أنه جندي يرفض الهروب من الميدان وسيتحمل المسؤولية إلى النهاية. يرى مراقبون أن التصويت في البرلمان معروف النتائج، إذ تملك الأحزاب المؤيدة لمبادرة تكوين حكومة وحدة وطنية أغلبية ساحقة في البرلمان، الأمر الذي يشير إلى أن جميع الأطياف السياسية الممثلة بمجلس النواب اتفقت على عدم منح الثقة لحكومة الصيد من جديد، وهو ما اتضح في تصريحات عدد من نواب الكتل البرلمانية، حيث قال رئيس كتلة حركة النهضة، نور الدين البحيري، إن موقف مجلس الشورى عبر عنه رئيس الحركة، راشد الغنوشي، بقوله: نحن مع مبادرة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية، مشيرًا إلى دعوة الغنوشي إلى رئيس الحكومة للتفاعل إيجابيًا مع هذه المبادرة، الأمر الذي يُفهم منه أن حركة النهضة أيضًا متجهة لسحب الثقة من حكومة الحبيب الصيد. أما رئيس كتلة نداء تونس بمجلس النواب، سفيان طوبال، فقد أشار إلى أن جلسة تشاورية ستجمع أحزاب الائتلاف الحاكم لتنسيق المواقف حول التصويت لمنح الثقة أو عدمه لحكومة الحبيب الصيد، وأضاف طوبال أن نداء تونس لن يمنح الثقة لحكومة الحبيب الصيد، قائلًا إن حسم الموقف بالتصويت بالرفض أو الاحتفاظ بالأصوات سيتم خلال الأيام البرلمانية لنداء تونس السبت أو الأحد القادمين، فيما أشار النائب والقيادي عن حزب آفاق تونس، إلى أن حزبه يرى أنه لابد من مرحلة جديدة بحكومة جديدة تركيبتها تفرزها المشاورات، وأنه لا مانع للحركة من أن يرأس الصيد الحكومة القادمة لو وقع توافق عليه". موقف الاتحاد الوطني الحر أيضًا يختلف كثيرًا عن موقف حركة النهضة أو آفاق تونس، وقال رئيس الاتحاد بمجلس النواب، طارق الفتيتي، إن البلاد تحتاج لنفس جديد، وإن كتلة الاتحاد لن تجدد الثقة في حكومة الحبيب الصيد، مضيفا أن الكتلة تقف اليوم مع الوحدة الوطنية والتوافق بين مختلف أطياف المشهد السياسي في تونس.