أعلن ظهر اليوم الاثنين الحبيب الصيد، رئيس الحكومة المكلف من الرئيس الباجي قايد السبسي، تشكيلة حكومته التي عكست مشاركة أربعة أحزاب رئيسية في تونس بالإضافة إلى حزب صغير.. وتم تسجيل غياب ائتلاف الجبهة الشعبية ( يساري التوجه ويضم 15 نائبا في مجلس نواب الشعب ) عن هذه الحكومة بعد أن رفض – بحسب تصريحات عديد قياداتها - المشاركة في حكومة تضم حركة النهضة، ذات التوجه الإسلامي، ثاني أكبر كتلة برلمانية، وكذلك حزب الاتحاد الوطني الحر (ليبرالي) في عضويتها.. ومن حيث الدعم المرتقب عند عرضها الأربعاء القادم أمام مجلس نواب الشعب الذي يضم إجمالا 217 نائبا، يُنتظر أن تكون الحكومة مسنودة من 86 نائب من حركة نداء تونس (وسط، صاحب الأكثرية في البرلمان) و69 نائب من حركة النهضة و16 نائب من الاتحاد الوطني الحر (ليبيرالي) و8 نواب من حزب آفاق تونس (ليبيرالي) ونائب واحد عن حزب الجبهة الوطنية للإنقاذ، ما يضمن حصولها على ثقة المجلس بأغلبية مريحة. وشهدت الأيام القليلة الماضية تجاذبات كثيرة داخل الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية ل 26 أكتوبر الماضي، نداء تونس، ما بين رافض لتشريك حركة النهضة في الحكومة وداعم لذلك، وتشبّث الجناح اليساري للحزب برفض الاشتراك مع حركة النهضة في حكومة واحدة وهو الموقف الذي عبر عنه أمين عام الحزب ووزير الخارجية المكلف الطيب البكوش يوم أمس في تصريحات للإعلاميين. في المقابل، يرى مراقبون أن قبول "النهض"ة بتمثيل "محتشم" (وزير واحد و4 وزراء دولة) في حكومة الحبيب الصيد مفاده قراءة من قيادة النهضة وخاصة رئيسها راشد الغنوشي للأوضاع الداخلية لتونس ولما يعتمل في محيطها الإقليمي من تقلبات واضرابات تستدعي اعطاء الأولوية للاستقرا في تونس، فالوضع في ليبيا ، وما آلت إليه الأوضاع في مصر، تعد خير شاهد على هذه التقلبات. وتدذهب المصادر نفسها إلى أن الغنوشي يريد تجنيب حركته وتونس صداما مع المنظومة القديمة العائدة إلى الحكم بانتخابات حرة قد يؤدي بالأوضاع في البلاد إلى مآلات شبيهة بما آلت إليه ثورات الربيع العربي في مصر وليبيا وسوريا واليمن. وبحسب عديد المتابعين للشأن التونسي لم يكن هذا الوضع رغبة خاصة لدى الغنوشي فقط بل أيضا لدى الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي، مؤسس حركة نداء تونس، صاحبة الأكثرية في البرلمان الحالي، حيث كان كثير التشاور مؤخرا مع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة انطلاقا من رغبة قوية لديه أيضا في تجنيب البلاد صدام "القديم والجديد"، سيما أن حركة النهضة لها 69 نائبا ولا يمكن تشكيل حكومة قوية ومسنودة من البرلمان إلا عبر موافقة من نواب حركة النهضة، وبناء على هذا الموقف التوافقي من السبسي، فلم يستجب للضغوط الشديدة التي تعرض لها من الشق اليساري في الحزب الذي كان يقوده (نداء تونس). وفي الاتجاه نفسه، فإن الأوضاع الاقتصادية في تونس، حيث تتفاقم البطالة وغلاء الأسعار، تضغط على حزب ندالء تونس المكلف بتشكيل الحكومة، من أجل توفير كل أسباب الاستقرار السياسي والاجتماعي لحكومة الحبيب الصيد لتحقيق انتعاشة اقتصادية طال انتظارها منذ ثورة 2011 التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وهكذا فإن الائتلاف الحكومي المشكل اليوم - الذي يضم اهم قطبين سياسيين في البلاد (نداء تونس والنهضة) كفيل بتوفير عوامل الاستقرار المنشود حيث تتوفر الأحزاب المشاركة في الحكومة على 180 نائب من مجموعة 217 نائب الذين يشكلون مجلس نواب الشعب، أي بنسبة 82 بالمائة. كما أن القاعدة الاجتماعية والشعبية الواسعة للأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي قادرة على توفير أسباب "السلم" الاجتماعي الذي تتطلبه الأوضاع الصعبة في تونس. إلا أن بقاء "الجبهة الشعبية" (15 نائبا في البرلمان) التي راهنت على "إقصاء النهضة من حكومة الصيد" كما يردد ذلك قادة النهضة خارج الائتلاف الحكومي قد يبقي على بعض أسباب التوتر بسبب سيطرة التيارات المساندة للجبهة الشعبية ذات التوجهات اليسارية على النقابات الرئيسية. وذهب البعض إلى تفسير الإضراب المفاجئ الذي شل حركة النقل العام في العاصمة مؤخرا وفي اغلب المدن لمدة أربعة أيام عشية الاحتفال بالذكرى الرابعة لثورة 14 يناير 2011 إلى محاولة التأثير على الحبيب الصيد وهو يشكل حكومته الأولى بهدف عدم تشريك النهضة فيها، وهو ما حصل بالفعل، ولكن الحكومة لم يتم تمريرها لمصادقة البرلمان بعد أن لوحت النهضة وحزب آفاق تونس بعدم مساندتها. وجدد القيادي في الجبهة الشعبية، المنجي الرحوي، اليوم رفض الجبهة لتشريك النهضة في الحكومة ونعت التحالف الحكومي الذي أعلن عنه الصيد ظهر اليوم على أمواج إذاعة محلية ب "تحالف قوى اليمين" ونفى أن يمثل هذا التحالف "حكومة وحدة وطنية"، بل "حكومة وحدة اليمين اليبيرالي والمحافظ والمافيوزي"، مشددا على عدم مصادقة كتلة الجبهة الشعبية في مجلس نواب الشعب عليها. من جهة أخرى اعلن عماد الدايمي، أمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أن حزبه (4 نواب) الذي كان يرئسه الرئيس السابق المنصف المرزوقي، والتيار الديمقراطي (3نواب ) لن يمنحا الحكومة الثقة. وفي كل الأحوال، ستكون المعارضة ضعيفة جدا في حكومة الحبيب الصيد ولن تتمكن من منع أي سياسات يصادق عليها البرلمان التونسي. وخلاصة قد يؤشر التحالف الحكومي الحالي في تونس إلى وجود تفاهمات "عميقة" بين حركة نداء تونس وحركة النهضة أساسا وحزب الاتحاد الوطني الحر وحزب أفاق تونس بدرجة ثانية على معالم المرحلة المقبلة في تونس. وقد يعكس الائتلاف الحكومي الحالي في تونس ما ذهبت إليه الأناضول في تحليل سابق إلى أن القوى المؤثرة في تونس اقتنعت بضرورة تعايش القديم والجديد لتوازن القوى من ناحية، ولتجنب النتائج الوخيمة لاستمرار التجاذبات السياسية على أسس إيديولوجية.