تميز العصر الفاطمي بنهضته في شتى المجالات، مما جعل لمصر دورًا عظيمًا في العالم أجمع، لا سيما الإسلامي منه، وقد أدت النهضة العلمية في هذا العصر إلى إنشاء مجتمع تعليمي متكامل، احتاج إلى تكاتف عام للمساهمة في تمويل التعليم في العصر الفاطمي. مساهمة الأوقاف كانت الأوقاف المداد الأول للمؤسسات التعليمية من مساجد ودور في العصر الفاطمي، بحيث تجهز هذا الأماكن وتوفر لها ما تحتاجه من أمتعة لأجل طلاب العلم، غير الذي يقدم للشيوخ وطلاب العلم من أدوات تعليمية، أوراق أو محابر، بالإضافة إلى مبالغ مادية حتى لا يشغلون عن العلم بغيره. مساهمات الدولة لم تكن الأوقاف فقط هي التي تقوم باحتياجات التعليم، بل كانت الدولة الفاطمية تولي التعليم اهتمامًا كبيرًا، لا سيما النفقات المادية، وقد وضع الفاطميون هذا الشرط على أنفسهم مذ دخولهم مصر، فعندها قال جوهر الصقلي في خطبته: «.. وأن أتقدم في رمِّ مساجدكم وتزيينها بالفراش، وإعطاء مؤذنيها والقائمين عليها، ومن يؤم المصليين فيها أرزاقهم، وإدرارها عليهم ولا أقطعها عنهم، ولا أدفعها إلَّا من بيت المال..» من ثم جاء ديوان الرواتب في الدولة الفاطمية، وكان يضم أسماء كل من له جار وجراية، فضلًا عن ضمه أرباب الرتب بحضرة الخليفة. أما عن تنفيذ الفاطميين لعهدهم برعاية المساجد، من أجل تهيئتها للطلبة العلم، يقول ناصر خسرو: «وكان لكل مسجد في جميع المدن والقرى التي نزلت بها من الشام إلى القيروان، نفقات يقدمها وكيل السلطان، من زيت السراج والبوريا، وسجاجيد الصلاة، ورواتب القوم والفراشين والمؤذنين وغيرهم..». إذن فمن البديهي أن طلاب العلم الذين يدرسون في هذه المؤسسات لا يلتزمون بأي نفقات على الإطلاق، بل كانت الدولة توفر لهم ولشيوخهم ما يكفيهم للإنفاق على حياتهم الخاصة، حتى يتفرغون لطلب العلم، بالإضافة لأوراقهم ومحابرهم، غير عادة الخلفاء الفاطميين الذين كانوا يوفرون كسوة لجميع أهل الدولة، مرة أو مرتين كل عام، ويقول في ذلك المقريزي: «إن كسوة الشتاء والصيف بلغت ستمائة ألف دينار ونيف..». المساعدات والهبات الشخصية لما زاد اهتمام الدولة بالعلم والتعليم، زاد أيضًا اهتمام الناس به، فأصبحت المساعدات والهبات الشخصية من القوام الأساسي لتمويل التعليم في العصر الفاطمي؛ لتنافس الخلفاء والوزراء وأصحاب الأموال في إغداق العطايا والهدايا على أهل العلم والأدب. كان الفاطميون يستغلون المناسبات والأعياد الدينية؛ ليفيضوا عطاياهم وهباتهم على العلماء والشعراء والطلبة والمؤسسات التعليمية، بالإضافة لما كان يوزع من النجوى على طلبة العلم بدار الحكمة وفي جوامع القاهرة الأزهر والعتيق والقرافة، وهي عبارة عن مبلغ من المال مقداره ثلاثة دراهم وربع، كان يؤديها المستمعون لمجالس الحكمة إلى داعي الدعاة، فكان يجتمع منها مبالغ كبيرة ينفق منها على الدعاة، ويؤدي بعضها إلى المساجد لتفرق على فقراء الطلاب، وقال المقريزي عن هذه الأموال التي تجمع، إنها تصل إلى عشرة آلاف درهم تفرق في الجوامع الثلاثة الأزهر، والعتيق بمصر، وجامع القرافة، وعلى فقراء المؤمنين على أبواب القصور. لم يقتصر الأمر على الخلفاء فقط من رجال الدولة، بل والوزراء أيضًا، ومن أشهر الوزراء الذين كانوا يشجعون العلم وأهله وعرف بحبه للعلم والعلماء، الوزير يعقوب بن كلس، ويروي الأنطاكي عنه: «كان الوزير يحب أهل العلم والأدب ويقربهم ويتفضل عليهم، وبلغني أنه عرض على العزيز عندما قبض عليه جريدة بأرزاق الوزير على قوم من أهل العلم، ووراقين ومجلدي الدفاتر، ومبلغها ألف دينار في كل شهر، فأمر العزيز بإجرائها عليهم ولا يقطع شيئًا منها..».