غسل الأرجل .. خميس العهد والأسرار وطقوس إحياء ذكرى العشاء الأخير للمسيح    تشغيل 27 بئرا برفح والشيخ زويد.. تقرير حول مشاركة القوات المسلحة بتنمية سيناء    فاتن عبد المعبود: مؤتمر اتحاد القبائل العربية خطوة مهمة في تنمية سيناء    «هونداي روتم» الكورية تخطط لإنشاء مصنع جديد لعربات المترو في مصر    البنك المركزي يوافق على إطلاق أول بنك رقمي في مصر onebank    وزيرا الزراعة في مصر ولبنان يبحثان تعزيز التعاون المشترك    «العامة للاستثمار» توقع مذكرة تفاهم مع «الصادرات البريطانية» لتعزيز التعاون الاقتصادي    الرئيس السيسي يصل مقر الاحتفال بعيد العمال    أمين رابطة مصنعي السيارات: مبادرة سيارات المصريين بالخارج لم تحقق نتائجها المرجوة    جامعة السويس وجهاز السويس الجديدة يوقعان بروتوكول تعاون لتبادل المعلومات    طولكرم.. استشهاد فلسطيني في تبادل لإطلاق النار مع أمن السلطة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 34 ألفا و596 شهيدا    البيت الأبيض: موسكو استخدمت أسلحة كيماوية ضد القوات الأوكرانية    موعد مباريات الجولة الأخيرة بدوري المحترفين.. غزل المحلة ضد بروكسي الأبرز    تشكيل تشيلسي المتوقع أمام توتنهام في البريميرليج    تحرير 30 محضرًا تموينيًا في كفر الشيخ    تعرف على الحالة المرورية في شوارع وميادين القاهرة والجيزة    الطقس اليوم الخميس 2 مايو 2024: حالة الأجواء ونصائح الأرصاد الجوية    انخفضت ل2.4 %.. نتائج تحليل مشاهد التدخين والمخدرات في دراما رمضان 2024    العثور على جثتى أب ونجله فى صحراء قرية حمرادوم بقنا    الداخلية تشن حملة على تجار الكيف بالعصفرة.. وتضبط 34 من مروجي المخدرات    بأحدث معالج سناب دراجون وأقوى بطارية.. Vivo تطلق أحدث موبايل للشباب    إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في أسبوعه الرابع بدور العرض    آخرها "كامل العدد" و"المداح".. مسلسلات مستمرة في رمضان 2025    دعاء النبي بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .. واظب عليه    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال أبريل    صباحك أوروبي.. حقيقة عودة كلوب لدورتموند.. بقاء تين هاج.. ودور إبراهيموفيتش    غضب الله.. البحر الميت يبتلع عشرات المستوطنين أثناء احتفالهم على الشاطئ (فيديو)    الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني وتدمير 12 طائرة مسيرة كانت تستهدف مناطق في العمق الروسي    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    الفنان ياسر ماهر ينعى المخرج عصام الشماع: كان أستاذي وابني الموهوب    هل توجد لعنة الفراعنة داخل مقابر المصريين القدماء؟.. عالم أثري يفجر مفاجأة    تامر حسني يدعم بسمة بوسيل قبل طرح أغنيتها الأولى: كل النجاح ليكِ يا رب    رئيس الوزراء يُهنئ البابا تواضروس الثاني بعيد القيامة المجيد    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع خادم دياو بديل معلول    بعد أزمة أسترازينيكا.. مجدي بدران ل«أهل مصر»: اللقاحات أنقذت العالم.. وكل دواء له مضاعفات    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العيدية.. أصلها فاطمي وليس فرعونيًا
نشر في التحرير يوم 28 - 07 - 2014

الخليفة الفاطمى كان يوزع 3307 دنانير على أعوانه وخدمه.. و107 قطع من الكسوات وزعت على الأمراء
قبل فترة ليست بقصيرة انشغلت جدا بالبحث عن أصل العيدية وملابس العيد، هل هى عادة إسلامية أم إنسانية؟ ومتى وزعت العيدية لأول مرة؟ ومن الذى وزعها؟ وفى أى بلد تم توزيعها؟ ولماذا ارتبطت الأعياد بملابس جديدة؟ ومن الذى ربط الأعياد بالملابس؟ وما أول بلدة سنت هذه السنة؟
السنة النبوية كانت أول مصدر اتجهت إليه للبحث عن أصول العيدية والملابس الجديدة، وعندما فشلت فى العثور على ما يعيننى ملت إلى القصص والأخبار التاريخية المرتبطة بفترة النبوة والخلفاء الراشدين، ولا أخفى عليكم فقد صادفت كذلك عدم توفيق، وانصرفت لفترة وانشغلت بمسائل أكثر أهمية، لكن مع كل عيد كان يثار السؤال: لماذا العيدية؟ ولماذا الملابس الجديدة فى العيد؟
لا أخفى عليكم أننى حاولت التأصيل للعيدية وللملابس الجديدة بالرجوع إلى الفترة الفرعونية، وعدت إلى بعض النصوص والدراسات المرتبطة بهذه الفترة، ظنا بأن هذه العادة تعود إلى العصر الفرعونى، وأن المصريين هم أصحاب السبق فى إدخال هذه العادة إلى البشرية، وأضعف الإيمان نخرج بأنها عادة مصرية خالصة مثل الاحتفال بشم النسيم، وللأسف صادفت أيضا عدم التوفيق.
قبل أن أنصرف عن الفكرة وأجعلها مجرد سؤال دون إجابة يثار فى مناسبته، عدت إلى بعض المصادر التى تناولت الدولة الفاطمية: أخبار مصر فى سنتين للمسبحى (ت 420 ه)، ومواد البيان لعلى بن خلف (ت 437 ه)، ونصوص من أخبار مصر لابن المأمون (ت 588 ه)، ونزهة المقلتين فى أخبار الدولتين لابن الطوير (617 ه)، والسجلات المستنصرية تحقيق د.عبد المنعم ماجد، مجموعة الوثائق الفاطمية تحقيق د.جمال الدين الشيال، وكذلك كتابى المؤرخ المصرى تقى الدين المقريزى (ت 845 ه): اتعظ الحنفا والخطط، إضافة إلى صبح الأعشى للقلقشندى(ت 821 ه)، والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى (ت 874 ه)، وغيرها من الكتب التى أرخت لمصر خلال الفترة الإسلامية، وإلى بعض الدراسات الهامة عن الدولة الفاطمية.
بعد مراجعة وبحث توصلت إلى أن للفاطميين الفضل فى ربط الأعياد ببعض العادات التى نتوارثها حتى اليوم، ومنها العيدية والملابس الجديدة، حيث كان كما سنبين لاحقا الحكام يوزعون الأموال والحلل الجديدة على أرباب الدولة.
قال ابن الطوير فى عيد الأضحى: يسير رسم الأضحية إلى أرباب الرتب والرسوم، كما سيرت الغرة فى أول السنة من الدنانير بغير رباعية ولا قراريط على مثال الغرة بعد الطبقة العليا إلى ما دونها من عشرة دنانير إلى دينار، أما لحم الجزور فإنه يفرق فى أرباب الرسوم للبركة فى أطباق مع أدوان الفراشين، وأكثر ذلك فى فرقة قاضى القضاة وداعى الدعاة للطلبة بدار العلم والمتصدرين بجوامع القاهرة ونقباء المؤمنين بهم المتشيعين للبركة، فإذا انقضى ذلك خلع الخليفة على الوزير ثيابه الحمر التى كانت عليه ومنديلا آخر من القصر، قال: وثمن الضحايا على ما تقدم من غير رباعية ولا قراريط ما يقرب من ألفى دينار.
وأمر بتفرقة كسوة العيد والهبات، يعنى فى عيد النحر، سنة خمس عشرة وخمسمئة، وجملة العين: ثلاثة آلاف وثلثمئة دينار وسبعة دنانير ومن الكسوات: مئة قطعة وسبع قطع برسم الأمراء المطوّقين، والأستاذين المحنكين، وكاتب الدست، ومتولى حجبة الباب وغيرهم.
قال: ووصلت الكسوة المختصة بالعيد فى آخر شهر رمضان يعنى من سنة ست عشرة وخمسمئة، وهى تشتمل على دون العشرين ألف دينار، وهو عندهم الموسم الكبير، ويسمى بعيد الحلل، لأنّ الحلل فيه تعم الجماعة، وفى غيره للأعيان خاصة، وقد تقدّم تفصيلها عند ذكر خزانة الكسوة من هذا الكتاب.
قال: ولما كان فى التاسع والعشرين من شهر رمضان، خرجت الأوامر بأضعاف ما هو مستقرّ للمقرئين والمؤذنين فى كل ليلة برسم السحور بحكم أنها ليلة ختم الشهر، وحضر المأمون فى آخر النهار إلى القصر للفطور مع الخليفة، والحضور على الأسمطة على العادة وحضر إخوته وعمومته، وجميع الجلساء، وحضر المقرئون والمؤذنون، وسلّموا على عادتهم وجلسوا تحت الروشن».
وأمّا الوزير المأمون فإنه توجه وخرج من باب العيد، والأمراء بين يديه إلى أن وصل إلى باب الذهب، فدخل منه بعد أن أمر ولده الأكبر بالوصول إلى داره والجلوس على سماط العيد على عادته، ولما دخل المأمون بقاعة الذهب وجد السروع قد وقع من المستخدمين بتعبية السماط، فأمر بتفرقة الرسوم على أربابها، وهو ما يحمل إلى مجلس الوزارة برسم الحاشية، ولكل من حاشية أولاده وإخوته، وكاتب الدست، ومتولى حجبة الباب، ومتولى الديوان، وكاتب الدفتر، والنائب لكل منهم رسم يصرف قبل جلوس الخليفة، وعند انقضاء الأسمطة لغير المذكورين على قدر منزلة كل منهم، ثم حضر أبو الفضائل ابن أبى الليث، واستأذن على طيافير الفطرة الكبار التى فى مجلس الخليفة فأمره الوزير بأن يعتمد فى تفرقتها على ما كان يعتمده فى الأيام الأفضلية، وهو لكل من يصعد المنبر مع الخليفة طيفور.
ورفع الفرّاشون ما أعدّوه برسم الجهات، ثم كبر المؤذنون، وهللوا، وأخذوا فى الصوفيات إلى أن نثر عليهم من الروشن دراهم ودنانير ورباعيات، وقدّمت جفان القطائف على الرسم مع الحلوى، فجروا على عادتهم، وملؤوا أكمامهم، ثم خرج أستاذ من باب الدار الجليلة بخلع خلعها على الخطيب وغيره، ودراهم تفرّق على الطائفتين من المقرئين والمؤذنين، ورسم أن تحمل الفطرة إلى قاعة الذهب، وأن تكون التعبية فى مجلس الملك، وتعبى الطيافير المشورة الكبار من السرير إلى باب المجلس، وتعبى من باب المجلس إلى ثلثى القاعة سماطا واحدا مثل سماط الطعام، ويكون جميعه سدا واحدا من حلاوة الموسم، ويزين بالقطع المنفوخ، فامتثل الأمر، وحضر الخليفة إلى الإيوان، واستدعى المأمون، وأولاده وإخوته، وعرضت المظال المذهبة المحاومة، وكان المقرئون يلوّحون عند ذكرها بالآيات التى فى سورة النحل والله جعل لكم مما خلق ظلالا إلى آخرها.
ركوب الخليفة
اتضح مما سبق أن الخليفة الفاطمى كان يوزع العيدية فى العيدين الفطر والأضحى، وقد كان يقوم بتوزيع الأضاحى والأموال والكسوة فى عيد الأضحى، والأموال والكسوة ومد أسمطة الطعام والحلويات فى عيد الفطر، وحسب ما وصل إلينا من أخبار فقد كانت عملية التوزيع تتم فى إطار احتفال يبدأ بركوب الخليفة لصلاة العيد.
وركب المأمون، حسب ذكر المقريزى، من داره وجميع التشاريف الخاص بين يديه، وخدمت الرهجية، ومن جملتهم الغربية وهى أبواق لطاف عجيبة غريبة الشكل تضرب كل وقت يركب فيه الخليفة ولا تضرب قدّام الوزير إلّا فى المواسم خاصة وفى أيام الخلع عليه والأمراء مصطفون عن يمينه، وعن شماله، ويليهم إخوته وبعدهم أولاده، ودخل إلى الإيوان، وجلس على المرتبة المختصة به، وعن يمينه جميع الأجلاء والمميزون وقوف أمامه، ومن انحط عنهم من باب الملك إلى الإيوان قيام، ويخرج خاصة الدولة ريحان إلى المصلى بالفرش الخاص، وآلات الصلاة، وعلق المحراب بالشروب المذهبة، وفرش فيه ثلاث سجادات متراكبة، وأعلاها السجادة اللطيفة التى كانت عندهم معظمة، وهى قطعة من حصير ذكر أنها من جملة حصير.
وأقبل الخليفة من قصوره بغاية زيه، والعلم الجوهر فى منديله، وقضيب الملك بيده، وبنو عمه، وإخوته وأستاذوه فى ركابه، وتلقاه المقرئون عند وصوله والخواص، واستدعى بالمأمون، فتقدّم بمفرده، وقبل الأرض، وأخذ السيف والرمح من مقدّمى خزائن الكسوة، والرهجية تخدم، وحمل لواء الحمد بين يديه إلى أن خرج من باب العيد، فوجد المظلة قد نشرت عن يمينه، والذى بيده المدعو فى ترتيب الحجبة لمن شرّف بها، لا يتعدّى أحد حكمه، وسائر المواكب بالجنائب الخاص، وخيل التخافيف، ومصفات العساكر والطوائف جميعها بزيها، وراياتها وراء الموكب إلى أن وصل إلى قريب المصلى، والعماريات والزرافات، وقد شدّ على الفيلة بالأسرّة مملوءة رجالا مشيكة بالسلاح لا يتبين منهم إلّا الأحداق، وبأيديهم السيوف المجرّدة، والدرق الحديد الصينى، والعساكر قد اجتمعت وترادفت صفوفا من الجانبين إلى باب المصلى، والنظارة قد ملأت الفضاء لمشاهدة ما لم يبلغوه، والموكب سائر بهم، وقد أحاط بالخليفة والوزير صبيان الخاص، وبعدهم الأجناد بالدروع المسبلة، والزرديات بالمغافر ملثمة، والبروك الحديد بالصماصم والدبابيس.
ولما طلع الموكب من ربوة المصلى ترجل متولى الباب، والحجاب ووقف الخليفة بجمعه بالمظلة إلى أن اجتاز المأمون راكبا بمن حول ركابه، وردّ الخليفة السلام عليه بكمه، وصار أمامه، وترجل الأمراء المميزون والأستاذون المحنكون بعدهم، وجميع الأجلاء، وصار كل منهم يبدأ بالسلام على الوزير، ثم على الخليفة إلى أن صار الجميع فى ركابه، ولم يدخل من باب المصلى راكبا غير الوزير خاصة، ثم ترجل على بابه الثانى إلى أن وصل الخليفة إليه فاستدعى به، سلم وأخذ الشكيمة بيده إلى أن ترجل الخليفة فى الدهليز الآخر، وقصد المحراب والمؤذنون يكبرون قدّامه.
هيئة الموكب
وركوب الخليفة لصلاة العيد يجهز له، حسب ذكر القلقشندى فى صبح الأعشى، ابتداء من العشر الأخير من رمضان، وتعبّى أهبة المواكب على ما تقدّم فى أوّل العام وغيره، ويركب الخليفة بهيئة المواكب العظيمة على ما تقدّم فى أوّل العام: من المظلّة والتاج وغير ذلك من الآلات، ويكون لباسه فى هذا اليوم الثياب البيض الموشّحة المجومة «1»، وهى أجلّ لباسه ومظلته كذلك، ويخرج من باب العيد على عادته فى ركوب المواكب إلا أن العساكر فى هذا اليوم من الأمراء والأجناد والركبان والمشاة تكون أكثر من غيره، وينتظم القوم له صفّين من باب القصر إلى المصلّى، ويركب الخليفة إلى المصلّى فيدخل من شرقيّها إلى مكان يستريح فيه دقيقة، ثم يخرج محفوظا بحاشيته كما فى صلاة الجمع المتقدّمة الذكر فيصير إلى المحراب، والوزير والقاضى وراءه كما تقدّم، فيصلى صلاة العيد بالتكبيرات المسنونة.
أجل ثياب
إذا تكملت عدة شهر رمضان، وهى عندهم أبدا ثلاثون يوما، وتهيأت الأمور، كما تقدم ذكره، ركب الخليفة بالمظلة واليتيمة، ولباسه فى هذا اليوم، حسب ذكر ابن تغرى بردى فى النجوم الزاهرة، الثياب البياض الموشحة، وهى أجل لباسهم، والمظلة أبدا زيها تابع لزى ثياب الخليفة.
ويخرج الخليفة من باب العيد إلى المصلى، وعساكره وأجناده من الفرسان والرجالة زائدة على العادة موفورة العدد، فيقفون صفين من باب العيد إلى المصلى. ويكون صاحب بيت المال قد تقدم على الرسم لفرش المصلى، فيفرش الطراحات على رسمها فى المحراب مطابقة، ويعلق سترين يمنة ويسرة، على الستر الأيمن الفاتحة وسبح اسم ربك الأعلى، وعلى الأيسر الفاتحة وهل أتاك حديث الغاشية، ويركز فى جانبى المصلى لواءين مشدودين على رمحين قد لبست أنابيبهما من الفضة، ويرخيهما، فيدخل الخليفة من شرقى المصلى إلى مكان يستريح فيه قليلا، ثم يخرج محفوظا كما يخرج للجمعة، فيصلى بالتكبيرات المسنونة والقوم من ورائه على ترتيبهم فى صلاة الجمعة. ويقرأ فى الأولى بعد الفاتحة «سبح اسم ربك الأعلى»، وفى الأخرى «الغاشية»، ثم يصعد إلى ذروة المنبر وعليها طراحة سامان، أو دبيقى، وباقى درجه مستور بالأبيض.
ويقف الوزير أسفل المنبر ومعه قاضى القضاة، وصاحب الباب، واسفهسالار العساكر، وصاحب السيف، وصاحب الرسالة، وزمام القصر، وصاحب دفتر المجلس، وصاحب المظلة، وزمام الأشراف الأقارب، وصاحب بيت المال، وحامل الرمح، ونقيب الأشراف الطالبيين. فيشير الخليفة إلى الوزير فيصعد ويقبل رجله بحيث يراه الناس، ثم يقف على يمينه. ثم يشير إلى القاضى فيصعد إلى سابع درجة، فيشير إليه الخليفة فيخرج من كمه درجا أحضر إليه أمس من ديوان الإنشاء قد عرض على الخليفة والوزير، فيقرؤه معلنا، وأوله البسملة ويليها ثبت بمن شرف بصعوده المنبر الشريف فى يوم كذا من سنة كذا من عبيد أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين، بعد صعود السيد الأجل. ويذكر الوزير بألقابه ونعوته. ومرة يشرف الخليفة أحدا من أقارب الوزير، فيستدعيه القاضى، ثم يتلو ذلك ذكر القاضى وهو القارئ فلا يسع القاضى أن يقول نعوت نفسه بل يقول المملوك فلان ابن فلان. وقرأه مرة ابن أبى عقيل القاضى فقال عن نفسه: العبد الذليل، المعترف بالصنع الجميل، فى المقام الجليل، أحمد بن عبد الرحمن بن أبى عقيل. أو غير ذلك حسب ما يكون اسم القاضى. ثم يستدعى من ذكرنا وقوفهم على باب المنبر، فيصعدون، وكل له مقام يمنة أو يسرة، ثم يشير إليهم الوزير فيأخذ كل واحد نصيبا من اللواء الذى يحاذيه، فيسترون الخليفة ويستترون، ثم يخطب الخليفة خطبة بليغة. فإذا فرغ كشفوا ما بأيديهم من الألوية وينزلون أولا بأول القهقرى. ثم ينزل الخليفة إلى مكانه الذى خرج منه، ويركب فى زيه المفخم إلى قريب من القصر، فيتقدمه الوزير، كما ذكرنا، ويدخل من باب العيد، فيجلس فى الشباك، وقد نصب منه إلى فسقية كانت فى وسط الإيوان سماط طوله عشرون قصبة، عليه من الخشكنان والبستندود والبرماورد مثل الجبل الشاهق، وفيه كل قطعة منها ربع قنطار فما دون ذلك إلى رطل، فيدخل الناس فيأكلون ولا منع ولا حجر، فيمر ذلك بأيدى الناس، وليس هذا مما يعتد به، بل يفرق إلى الناس، ويحمل إلى دورهم. ونذكر مصروفها فى ترجمة العزيز، فإنه أول من رتبها فى عيد الفطر خاصة.
البحث عن أصل للعيدية، فى شكلها المالى أو فى هيئة ملابس أو أطعمة وحلاويات، يحتاج بالفعل إلى دراسة وإلى بحث، حيث إن بعض الشعوب الذين يعتقدون بديانات غير الإسلام يربطون احتفالات الأعياد بالتوسعة فى الطعام والملابس ومنح مبالغ مالية، الذى يعود إلى التوراة والأناجيل يكتشف أن أتباع الديانة اليهودية والمسيحية كانوا وما زالوا يمدون موائد الطعام احتفالا بالعيد، ونظن أن إدخال الأطعمة والحلويات فى الأعياد كان نتيجة طبيعية لفترة الصيام التى تسبق الأعياد، حيث تسبق الأعياد المسيحية فترات صيام، لهذا فى العيد تجهز الأسر الموائد بالأطعمة والحلويات التى انقطعوا عنها خلال فترة الصيام.
هذا عن الطعام، وماذا عن الأموال والملابس الجديدة؟ هل أدخلها الحكام احتفالا بالأعياد؟ هل بدأت فى شكل هبات وعطايا من الحكام لمخدوميهم؟ فى الدولة الفاطمية كانت حسب ما وضحنا صنيعة الحاكم، حيث يقوم الخليفة فى احتفال يبدأ بصلاة العيد، ثم بمد الأسمطة أو بتوزيع الأضحية، وهو ما سنتناوله بشكل مفصل فى مقال تال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.