استحقاق تاريخي خاضته المملكة البريطانية أمس الخميس، أظهر تنافسًا حادًّا وانقسامًا كبيرًا في الشارع البريطاني، وظهر ذلك خلال نتائج الاستفتاء التي أكدت فوز معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي، بنسبة 51,9%، مقابل 48,1% من الأصوات لصالح البقاء، حيث صوتت لندن للبقاء داخل الاتحاد، في حين أيدت إنجلترا بأكملها خيار الخروج وكذلك ويلز، وفي المقابل فضلت خيار البقاء كل من إيرلندا الشمالية واسكتلندا. تبعات الخروج البريطاني توالت ردود الفعل على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وجاءت سريعة ومفاجئة ومخيبة لآمال العديد من الأوروبيين، حيث كان أولها تضارب الأقوال بشأن إعلان رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، عزمه تقديم استقالته، بعد أن خيب البريطانيين ظنه، وصوتوا لصالح خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، ففي الوقت الذي أكد فيه وزير الخارجية، فيليب هاموند، أن كاميرون لن يقدم استقالته وأنه ينوي البقاء في منصبه، خرج كاميرون في مؤتمر صحفي اليوم الجمعة عقب إعلان نتائج الاستفتاء، ليؤكد عدم استمراره في منصبه، قائلًا إن البريطانيين صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويجب احترام إرادتهم، وأشار رئيس الوزراء البريطاني إلى أن بريطانيا بحاجة إلى قادة جدد، مؤكدًا تعيين رئيس جديد للحكومة قبل عقد المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في أكتوبر المقبل، مضيفًا أن رئيس الحكومة الجديد يجب أن يبدأ مفاوضات بشأن شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأكد كاميرون أن المفاوضات يجب أن تشمل سلطات اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية؛ لمراعاة مصالح جميع أجزاء المملكة المتحدة في هذه العملية. جاءت ردة الفعل الكاميرونية بعد تزايد دعوات الساسة البريطانيين الذين طالبوا رئيس الوزراء بالاستقالة والرحيل فورًا، حيث دعا زعيم حزب الاستقلال "يوكيب" البريطاني، نايجل فاراج، رئيس الوزراء البريطاني للاستقالة، وقال فاراج: على رئيس الوزراء تقديم الاستقالة، ويجب أن يتنافس وليام فوكس، وبوريس جونسون، ومايكل غووف، على قيادة حزب المحافظين، حيث كان الأخيران قادا حملة "صوت للخروج" في مواجهة الحملة التي كان يقودها كاميرون للبقاء في الاتحاد، كما أن فاراج يُعد من أبرز المنادين خلال سنوات بالانفصال عن التكتل الأوروبي. وفي ذات الإطار دعا عدد من نواب حزب العمال البريطاني إلى استقالة كاميرون من منصبه، وقال النائب جون مان: كان ديفيد كاميرون أمس بطة عرجاء، والآن أصبح بطة ميتة. في ذات الإطار أثارت نتيجة الاستفتاء زلزالًا سياسيًّا داخل المملكة البريطانية، حيث انطلقت دعوات الانفصال عن المملكة، فقد طرح حزب "الشين فين" الواجهة السياسية للجيش الجمهوري الإيرلندي خيارًا مفاجيئًا بشأن إيرلندا، حيث دعا إلى استفتاء حول إيرلندا موحدة بعد تصويت عامة البريطانيين للخروج في مقابل رغبة غالبية الإيرلنديين الشماليين في البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، فيما اعتبرت رئيسة وزراء اسكتلندا، نيكولا ستورجن، أن اسكتلندا التي صوتت للبقاء، ترى مستقبلها داخل الاتحاد الأوروبي، في إشارة إلى منحها فرصة ثانية لإجراء استفتاء للخروج من المملكة، والانضمام لاحقًا للتكتل الأوروبي. الزلزال البريطاني لم يتوقف عند الشأن السياسي، بل امتد إلى الأوضاع الاقتصادية، والتي كان أول مؤشراتها تسجيل تراجعات كبيرة في بورصات باريسولندن وفرانكفورت، عند افتتاحها اليوم الجمعة، حيث سجلت بورصة باريس تراجعًا نسبته 7.87% عند الافتتاح، ولندن أكثر من 7%، بينما خسرت بورصة فرانكفورت أكثر من 10%، أضف إلى ذلك تراجع الجنيه الإستيرليني إلى أدنى مستوياته أمام الدولار منذ واحد وثلاثين عامًا، إلى حوالي 1.33 بعد تخطيه 1.50 عند إغلاق مراكز التصويت. وفي مقابل هذا التراجع التاريخي ارتفع سعر الين الياباني لأعلى مستوى منذ أكثر من عامين ونصف، في حين سجلت أسهم الشركات الكبرى في بورصة طوكيو تراجعًا بأكثر من ثمانية في المائة. من يخلف كاميرون؟ إعلان كاميرون استقالته عقب ظهور نتائج الاستفتاء لم يكن أمرًا مفاجئًا للعديد من المراقبين، حيث كان رئيس الوزراء البريطاني قد راهن بمصداقيته عند الإعلان الاستفتاء على الاستقاله، وحول الشخص الذي يمكن أن يخلف كاميرون في منصبه، ذهب العديد من المراقبين إلى القول بأنه من المحتمل أن يخلف كاميرون الرئيس السابق لبلدية لندن "بوريس جونسون" الذي قاد حملة مؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ يعتبر المرشح الأوفر حظًّا، حيث يملك "جونسون" طموحًا سابقًا بأن يخلف كاميرون، إضافة إلى قدرته على التأثير في الرأي العام، ناهيك عن أن استطلاع للرأي أجرته صحيفة "ذا إندبندنت" قبل الانتخابات العامة التي أجريت العام الماضي في بريطانيا، أشارت إلى أن عمدة لندن "بوريس جونسون" هو أفضل من يحل محل رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، حيث قالت الصحيفة حينها إن جونسون يأتي في المرتبة الأولى لخلافة كاميرون بنسبة 33% يتبعه وزير الخارجية ورئيس الحزب السابق، وليام هيج، بنسبة 24%، يليه وزير التعليم، مايكل جوف، بنسبة 19%. ردود فعل متباينة تباينت ردود الأفعال الأوروبية عقب تصويت البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، ما بين خيبات أمل دولية ومباركات يمينية أوروبية، حيث قال وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرو، "أنا حزين على المملكة المتحدة"، وكتب أيرو على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": أوروبا ستستمر، لكنها لا بد وأن تبدي رد فعل، وتعيد اكتشاف ثقة شعوبها، هذا أمر مُلحّ". من جهته قال وزير خارجية بولندا، فيتولد فاشيكوفسكي، إن قرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يصبح سابقة، ويؤدي إلى انسحاب دول أخرى، ورأى فاشيكوفسكي أن هذا القرار البريطاني سيكون له تأثير كأول حجر دومينو يوثق بقية الأحجار، في إشارة إلى باقي دول الاتحاد. بدوره أعرب وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، عن خيبة أمله من نتائج الاستفتاء الذي جرى في المملكة المتحدة، بعد فرز معظم أصوات المشاركين فيه، ووصف شتاينماير الاستفتاء البريطاني في تغريدة كتبها على حسابه في "تويتر"، ب"يوم حزين" لأوروبا وبريطانيا، فيما عقب نائب المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، على نتائج الاستفتاء بعبارة "إنه يوم مشؤوم لأوروبا". هل ينفرط العقد الأوروبي؟ عقب ورود الأنباء عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، اندلعت دعوات عدة قادتها الأحزاب اليمينية الفرنسية والهولندية للسير على خطى بريطانيا وإجراء استفتاء حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهي الدعوات التي قد تفتح الباب أمام تصدع الاتحاد الأوروبي بعد خمسين عامًا من البناء الشاق، حيث دعا حزب الجبهة الوطنية اليميني الفرنسي، بزعامة مارين لوبان، الذي طالما طالب بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، إلى إجراء استفتاء على عضوية فرنسا في الاتحاد على غرار استفتاء بريطانيا، وكتب نائب رئيس الحزب في تغريدة على "تويتر"، فلوريان فيليبو، "حرية الشعوب تفوز دومًا في النهاية، برافو للمملكة المتحدة، الدور علينا الآن". من جهته سارع الزعيم الهولندي المعارض للهجرة والمسلمين بشكل خاص، خيرت فيلدرز، إلى الدعوة إلى استفتاء على عضوية هولندا في الاتحاد الأوروبي، وقال فيلدرز: نريد أن نتولى مسؤولية إدارة شؤون بلدنا وأموالنا وحدودنا وسياستنا للهجرة. أول قمة أوروبية بدون لندن أعلن رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، أنه سيعقد الأسبوع المقبل أول قمة غير رسمية له بحضور 27 دولة من دون المملكة المتحدة، وأكد توسك أنه سيجري استمرار العمل بقوانين الاتحاد الأوروبي في بريطانيا حتى خروجها من الاتحاد بشكل رسمي، وقال: أريد أن أؤكد لكم أنه لن يكون هناك فراغ قانوني، طالما لم تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي، سيستمر العمل بالقوانين الأوروبية بحق بريطانيا وداخل البلاد، وأٌقصد بذلك الحقوق والواجبات.