يصوّت البريطانيون غدا في استفتاء على البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، وطوال الأسابيع الأخيرة بيّنت استطلاعات الرأي أن مؤيدي الخروج يتقدّمون بفارق طفيف، رغم شكوى شعبية من غموض المعلومات والتقديرات التي وفرها كل من المعسكرين للمصالح أو الخسائر التي تترتب عن أي من الخيارين. وترى بريطانيا أن الاتحاد الأوروبي لم يحقق الهدف المرجو، فالهدف من النموذج الفيدرالي الأوروبي الوصول إلى سلطة لامركزية في أوروبا تنافس الولاياتالمتحدة وروسيا، لكن هذه الرؤية لم تتحقق بأي جانب منها، حتى من وجهة النظر الاقتصادية؛ فيعد الاتحاد الأوروبي التكتل التجاري الوحيد في العالم الذي لا يتمتع بأي نمو تقريبا. تداعيات الخروج على بريطانيا شكّل مقتل النائبة البريطانية "جو كوكس"، التي كانت من أشد المدافعين عن بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي على يد متطرف يميني بريطاني صدمة في المجتمع البريطاني، أبرزت حجم الانقسام الحقيقي حول هذه النقطة، حيث ينقسم الرأي العام البريطاني حول موضوع العضوية في الاتحاد الأوروبي إلى قسمين، الأول مؤيد للبقاء بقيادة رئيس الوزراء الحالي، ديفيد كاميرون، مدعوما من تيار يمين الوسط في حزب المحافظين، إضافة إلى تيار الوسط في حزب العمال، ويحاول فريق كاميرون تركيز حملتهم حول إشاعة مناخ من الخوف من المجهول واحتمالات خسارة ملايين الوظائف وفقدان المكانة المميزة للمملكة المتحدة في الأسواق المالية العالمية في حال الخروج من الاتحاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتشار البطالة وتراجع الأجور واضطرار الحكومة إلى زيادة الضرائب وتقليص الخدمات العامة. المعسكر المقابل الذي يدعو إلى المغادرة، يضم تحالفا من الأحزاب اليمينية مع مجموعة من تيار اليمين في حزب المحافظين الحاكم، إضافة إلى بعض أحزاب اليسار الهامشية، وهو تحالف يدعو إلى استعادة "استقلال" البلاد من أيدي بيروقراطيي بروكسل، ووقف الهجرة، وإعادة توجيه ثروة البلاد لبناء المؤسسات العامة والاقتصاد المحلي، مبررا أن العضوية الأوروبية تكلّف بريطانيا 19.1 مليار جنيه سيكون متاحاً توفيرها لإنفاقها على تطوير النظام الصحّي، كما يشتكون أيضا من سيطرة دول منطقة اليورو ال17 على مجريات اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، مما أثر على القدرة التنافسية حتى قبل أزمة قروض منطقة اليورو التي شلت الاقتصاد الأوروبي، كما يلقى تأييد الخروج دعم رؤساء الشركات والمؤسسات المتوسطة والصغيرة في بريطانيا الذين يرون أن بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي لصالح الشركات الكبرى. وبين المعسكرين المؤيد والرافض للانسحاب من الاتحاد، يوجد يساريون هامشيون يدعون لمقاطعة الاستفتاء ككل، بوصفه غير ذي صلة. ويرى محللون اقتصاديون في بريطانيا ومؤسسات مثل صندوق النقد الدولي أن الانسحاب سيجعل بريطانيا «أفقر» وفقاً لرؤى متفاوتة لحجم التأثير، حيث أكدت دراسات اقتصادية أعدها البنك الدولي أن خروج بريطانيا من الاتحاد سيؤدي إلى خسارة بريطانيا لاتفاقيات التجارة الحرة وحوالي 224 مليار جنيه إسترليني، ويؤدي الخروج إلى انكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة 1.4% على الأقل بحلول 2019، ويفقدها القدرة على التأثير في الاتحاد الأوروبي على المستوى الاقتصادي والسياسي. ويفيد أكثر السيناريوات تفاؤلاً بأن الاضطراب المالي والاقتصادي قد يستمر لخمس سنوات مقبلة على الأقلّ، في حال ترك الاتحاد، وأن الاستقرار لن يُستعاد فعلياً قبل سنة 2030، أما الأكثر تشاؤماً فتعتبر أن شيئاً مما اكتسبه الاقتصاد البريطاني بوجوده في الاتحاد، من الجنيه الإسترليني القوي إلى لندن كمركز مالي مهم عالمياً، لن يتمكّن من المحافظة عليه من دون أوروبا التي ساعدته على التعولم، وأعطته ميزات خاصة كان آخرها اعتراف محكمة العدل الأوروبية للندن بحقّها في الحدّ من المساعدات الاجتماعية للمهاجرين الأوروبيين، بعدما كانت إلزامية. تداعيات الخروج على الاتحاد الأوروبي انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يؤثر على مستقبله، فانسحابها سيشجع دولا أوروبية أخرى على أن تحذو حذوها فتنفصل من الاتحاد الأوروبي، وأبرز مثال على ذلك، أن مسالة الخروج من الاتحاد تناقش حاليا في هولندا، وسحبت سويسرا طلب انضمامها إلى الاتحاد الذي كانت قدمته عام 1992، وطالب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الوزراء المالطي جوزيف موسكات، حصول بلديهما على المزايا نفسها التي تسعى المملكة المتحدّة إلى التمتع بها على صعيد اتّفاقية دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين، كما سيضعف الانسحاب البريطاني الاتحاد الأوروبي ويؤثر على مكانته وقدرته على العمل ككيان موحَّد على الساحة العالمية تداعيات الخروج على الولاياتالمتحدةالأمريكية الرئيس الأمريكي باراك أوباما وفي أكثر من مناسبة عبر عن دعمه المطلق لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، واعتبر أن وجودها في الاتحاد يعزز مكانتها في العالم ومسألة بقائها من عدمه لها "أهمية كبيرة" بالنسبة للولايات المتحدة. وخروج بريطانيا من الاتحاد في حال حدوثه سيشكل ضربة للتحالف البريطاني الأمريكي وفقدان حليف استراتيجي قوي في الاتحاد الأوروبي، إذ تعد بريطانيا أهم شريك للولايات المتحدة تعوِّل عليه في كثير من الأحيان لدعم مواقف تتسق مع مصالحها في بروكسل، كما سيعزز نفوذ معسكر الدول الأوروبية الشرقية، خصوصًا ألمانيا، على حساب الدول الأوروبية الغربية، فضلًا عمّا سيلحقه خروج بريطانيا من الاتحاد من تراجع دورها ومكانتها على الصعيد العالمي، الذي قد يؤثر سلبًا على التوازن الدولي والمصالح الأمريكية في العالم خصوصا في هذه المرحلة الحرجة التي تشهد صعود قوى عالمية مثل الصين وروسيا وتشكيلها. ويرى محللون اقتصاديون أنه مهما كانت نتيجة استفتاء يوم غد الخميس، فإنّ فقراء بريطانيا لن يجدوا أي تغيير يذكر في مسارات حياتهم اليومية، وسيعودون إلى أعمالهم أو بطالتهم يوم الاثنين المقبل وكأنّ شيئاً لم يكن.