في ظل اقتراب موعد الاستفتاء على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، والذي سيجرى في غضون شهرين من الآن، يزور الرئيس الأمريكي باراك أوباما لندن اليوم؛ في خطوة يسعى من خلالها لبقاء هذا الحليف المميز لدى الولاياتالمتحدة في الاتحاد. ويؤكد الرئيس الأمريكي طرح موضوع بقاء بريطانيا من عدمه خلال اجتماعه الثنائي مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وقال أحد كبار مستشاري أوباما للسياسة الخارجية بن رودس "إذا حدث ذلك، سيكون مباشرًا جدًّا وصريحًا جدًّا بصفته صديقًا؛ ليشرح لماذا تعتقد الولاياتالمتحدة أن البقاء في الاتحاد الأوروبي أمر جيد للمملكة المتحدةوأمريكا". ويؤكد المراقبون أن ديفيد كاميرون هو الآخر يبحث عن مبادرة دعم له في وقت يواجه فيه صعوبة في إقناع البريطانيين بالتصويت للبقاء في الاتحاد، في ظل تقارب عدد المؤيدين للخروج من الاتحاد والرافضين له. وفي هذا الصدد من المؤكد أن يطالب أوباما البريطانيين بالتخلي عن فكرة "البريكسيت"، وهو شعار الحملات المؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ودعوتهم إلى التمسك بالبقاء داخل الكتلة الأوروبية؛ حفاظًا على الاقتصاد البريطاني و"علاقتها الخاصة" مع الولاياتالمتحدة من جهة، وتماسك الغرب من جهة أخرى. التحركات الأمريكية وقبل زيارة الرئيس الأمريكي بدأت التحركات الأمريكية التي تهدف إلى بقاء بريطانيا داخل الاتحاد من أجل تماسكه؛ نظرًا للعلاقات الاقتصادية التي تربط المنظومة الأوروبية بواشنطن، حيث تزامن مع هذه الزيارة رسالة تحذيرية من 8 وزراء خزانة أمريكيين سابقين، أكدوا فيها أن "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون رهانًا محفوفًا بالمخاطر"، معتبرين أن "بريطانيا قوية ضمن الاتحاد الأوروبي، وهو السبيل الأفضل لضمان مستقبل بريطانيا عبر إنشاء أوروبا أكثر ازدهارًا، وعبر حماية اقتصاد عالمي قوي وفي وضع جيد". وكتب الوزراء الديمقراطيون والجمهوريون "نجد أن حجة المعسكر المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي والقائلة إن التصويت لصالح الخروج يشكل رهانًا محفوفًا بالمخاطر لمستقبل اقتصاد البلاد مقنعة"، وحذروا من أن "الخروج من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يهدد دور لندن بصفتها مركزًا ماليًّا عالميًّا". تدخل أمريكا بين الترحيب والرفض موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أبداه من الملف البريطاني الأوروبي تبيانت ردود الأفعال تجاهه، فمن ناحية لقي انتقادات حادة من المشككين في الانتماء الأوروبي، خاصة بوريس جونسون رئيس بلدية لندن الذي استهجن ما وصفه ب "خبث أوباما"، وكتب أكثر من مائة برلماني بينهم الكثير من المحافظين للسفير الأمريكي في لندن مذكرة للاحتجاج على تدخل الرئيس الأمريكي. في المقابل هناك معسكر رحب بزيارة أوباما المرتقبة ومواقفه الداعمة لبقاء بريطانيا داخل الاتحاد، وبدأ هذا المعسكر بالتشديد على أهمية ما تقوله الدول العظمى، خاصة الحليف التاريخي الأمريكي، ومن أبرز هؤلاء وزير الخارجية البريطاني السابق، اللورد وليام هيج، الذي دافع عما أسماه ب "حق" الرئيس الأمريكي في التحدث خلال زيارته للندن عن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أنه سيكون من الخطأ بالنسبة للسياسيين البريطانيين التعامل مع القضية بحساسية. ويرجع موقف أوباما إلى أنه من أكثر السياسيين شعبية لدى البريطانيين، فقد أوضحت استطلاعات الرأي أن شعبيته زادت داخل المملكة المتحدة من 53% وقت انتخابه عام 2008 إلى 65% خلال الفترة الحالية، كما أظهرت الاستطلاعات أن 76% من الشعب البريطاني لديه ثقة في أن الرئيس الأمريكي سيتخذ القرار الصائب تجاه القضايا العالمية، فضلًا عن ذلك فإن آراء أوباما مسموعة لدى فئة الشباب التي تؤيد بقاء بلادها داخل الاتحاد الأوروبي، وتمثل شريحة واسعة من الناخبين الذين سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع في يونيو القادم. لماذا تعمل أمريكا على بقاء بريطانيا؟ اعتمدت الولاياتالمتحدةالأمريكية على مدار القرون السبع الماضية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، في إدارتها للنظام العالمي على وجود تحالفين قويين يعملان على استقرارها: الأول هو حلف شمال الأطلسي "ناتو"، والثاني هو الاتحاد الأوروبي؛ لذلك رأى مراقبون أن دفاع واشنطن عن بقاء بريطانيا داخل الاتحاد جاء على خلفية أن خروجها يمثل تهديدًا مباشرًا لركيزة أساسية في علاقات الولاياتالمتحدة بأوروبا. وتعول أمريكا كثيرًا على دور بريطانيا ومكانتها داخل الاتحاد، حيث تنظر لها كحليف يمكن الاعتماد عليه في دعم الاتحاد لمواقف تتفق مع المصالح الأمريكية، كما ترى أن دور بريطانيا داخله أهم بالنسبة لها من خارجه، وهو ما يعني أن خروج بريطانيا يمثل تراجعًا لهذا الدور، الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على العلاقات البريطانية الأمريكية. كما ترى واشنطن أن خروج بريطانيا سيفتح المجال لدول أخرى لديها الرغبه في الانسحاب؛ مما سيقلل على الثقل السياسي والاقتصادي للاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يؤثر سلبًا على المصالح الأمريكية التي تعتمد على هذا الاتحاد كحليف أساسي.