دخلت الأردن مرحلة جديدة بشكل مفاجئ، من خلال تغييرات جذرية أجراها العاهل الأردني، عبد الله الثاني، يرى فيها بعض السياسيين استحقاقًا تأخر كثيرًا، فيما يراها آخرون تغييرًا جديدًا؛ من أجل التقارب مع السعودية. برلمان وحكومة جديدان دون مقدمات وبخطوة مفاجئة، حل العاهل الأردني، عبد الله الثاني، مجلس النواب، الأحد، الذي كانت مدته ستنقضي في نهاية يناير المقبل؛ تمهيدًا لإجراء الانتخابات التشريعية في البلاد نهاية العام الحالي أو مطلع العام المقبل على أبعد تقدير، وفق الدستور الأردني الذي ينص على إجراء الانتخابات التشريعية خلال أربعة أشهر من حل مجلس النواب. وجاء في بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني أن "الإرادة الملكية السامية صدرت بحل مجلس النواب، اعتبارًا من الأحد، وذلك بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة الرابعة والثلاثين من الدستور"، وبات من المقرر الإعلان عن موعد الانتخابات التشريعية المقبلة. خطوة حل البرلمان تبعتها خطوة أخرى لتشكيل حكومة جديدة، بعد استقالة رئيس الوزراء، عبد الله النسور، وحكومته الأحد، حيث كلف العاهل الأردني، عبد الله الثاني، هاني الملقي، الذي يتولى منصب رئاسة سلطة إقليم العقبة، بتشكيل حكومة جديدة خلفًا لحكومة "النسور". من هو رئيس الحكومة الجديدة؟ هاني الملقي، ولد في مدينة عمان عام 1951، وهو نجل أول رئيس وزراء في زمن الملك الراحل الحسين بن طلال، فوزي الملقي. حاصل على بكالوريوس هندسة فيالقاهرة، ثم ماجستير هندسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1977، بعدها بعامين حصل من أمريكا على دكتوراه هندسة نظم في مجال الطاقة والمياه وإدارة مؤسسات البحث العلمي والدبلوماسية الدولية. تولى هاني الملقي أربع حقائب وزارية في حكومات سابقة، من بينها وزير الصناعة والتجارة، والمياه والري، والطاقة، والخارجية، وسفير المملكة في مصر خلال الفترة بين 2002 و2004. كما شغل ذات المهمة من عام 2008 حتى 2011، إضافة إلى منصب رئيس لسلطة مدينة العقبة الاقتصادية الساحلية الواقعة في أقصى جنوب المملكة، الذي تولاه في عام 2014. يبدو أن الترتيب لتعيين "الملقي" رئيسًا للوزراء كان يتم في أروقة البيت العماني منذ فترة، وهو ما جعل الحكومة السابقة تجري تعديلًا دستوريًّا يقضي برفع الحظر عن مزدوجي الجنسية ليتولوا المناصب العليا في البلاد، وهو التعديل التشريعي الذي لاقى تجاذبات واسعة في أوساط السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولولا إقرار هذا التشريع، لما تمكن العاهل الأردني من تكليف "الملقي" بهذه المهمة؛ نظرًا لكونه يحمل جنسية أجنبية أخرى إلى جانب جنسيته الأردنية. مهام الحكومة.. وبصمة سعودية بالتزامن مع هذه الخطوات المتسارعة، وجه عاهل الأردن كتابًا مفصلًا لرئيس الوزراء الجديد، يعدد فيه المهام المكلف بها وفريقه، وجاء على رأسها تهيئة كل الظروف المناسبة والموائمة؛ لكي تقوم الهيئة المستقلة للانتخابات بواجبها في الإشراف على الانتخابات المقبلة، التي دخلت دائرة الاستحقاق بمجرد حل البرلمان، الأمر الذي يعني أن الحكومة ينبغي ألا تتدخل بإدارة ملف الانتخابات، وأن دورها سينحصر في دعم دور الهيئة التي يترأسها المعارض اليساري والوزير الأسبق خالد كلالدة. تمثلت المهمة الثانية في التأكيد على اجتهاد الحكومة في السهر على مباشرة إجراءات مطلوبة لإنجاز مجلس التعاون السعودي الأردني الجديد، الذي وقعه عن السعودية ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، وإعداد حزمة متكاملة من الإجراءات الكفيلة بمواجهة التحديات الاقتصادية؛ ليبدأ تنفيذها في أسرع وقت ممكن، حيث ستكون معيارًا أساسيًّا في تقييم الحكومة، الأمر الذي يوحي بأن تكون أولوية رئيس الوزراء الجديد اقتصادية بحتة؛ لتهيئة الظروف أمام مشروع الأمير السعودي في الاستثمار في الأردن. أما التكليف الملكي الثالث فقد انصب حول الانتهاء من إعداد المشاريع التي سيشرف عليها "صندوق الاستثمار الأردني" في أسرع وقت، والتركيز على مشاريع الطاقة البديلة. وهنا يبرز العامل السعودي؛ لأن الحصة الأساسية من الاستثمارات السعودية من المفترض أن تركز على مشاريع النقل والطاقة البديلة، وهو ما تم النص عليه أصلًا في قانون صندوق الاستثمار الأردني الجديد، وهو الصندوق الذي تم إقرار قانونه كتشريع وحيد قبل رحيل البرلمان في دورة استثنائية صيفية انطوى جدول أعمالها على بند واحد فقط، هو الصندوق. في ذات الإطار يرى بعض المراقبين أن رئيس الحكومة الجديدة، هاني الملقي، لديه خلفية اقتصادية قوية؛ كونه ترأس واحدة من أهم المؤسسات الاقتصادية في الأردن، مدينة العقبة الاقتصادية الساحلية، الأمر الذي دفع الحكومة الأردنية المستقيلة إلى تأجيل التوقيع على اتفاقية البرنامج الإصلاحي الجديد مع صندوق النقد الدولي، الذي كانت آخر مفاوضاته في 17 مايو الحالي، لحين تولي "الملقي" منصبه الجديد واستقرار الوزراء الجدد في مناصبهم، وهو ما يؤكد أن مهام الملقي سوف تكون اقتصادية بامتياز، خاصة بعد أن ارتفعت أصوات الاستنكار خلال الفترة الأخيرة؛ نتيجة لطريقة "النسور" في إدارة ملفات الاقتصاد، وتأزم الأوضاع المعيشية ووطأة الضرائب الحكومية على المواطنين وارتفاع العجز في الموازنة، الأمر الذي دفع البعض إلى التحذير من غرق الدولة الأردنية في الديون والأزمات الاقتصادية. ومن الناحية السياسية فإن تعيين "الملقي" كرئيس جديد للوزراء لديه دلالات أيضًا على التقارب السياسي بين السعودية والأردن، حيث تتماشى سياسات "الملقي" مع السياسات السعودية الحالية، التي لا تترك مناسبة إلا وتنتقد خلالها إيران، وتحذر من تمدد نفوذها، وهو نفس الطريق الذي يسلكه رئيس الوزراء الجديد، والذي يصب في معاداة سياسة طهران، وهو ما ظهر جليًّا عندما حذر "هاني الملقي" أثناء توليه حقيبة وزير الخارجية، من مشروع "الهلال الشيعي"، الذي اتهم إيران حينها بالسعي إلى تكوينه؛ لتضم فيه العراق وسوريا ولبنان.