«أجمل الزهور، الفواكة، بوجي وطمطم، السندباد، عمو فؤاد، عروستي، بكار».. برامج أطفال مصرية ملأت قنوات التليفزيون في الثمانينات والتسعينات وتحمل الكثير من القيم والمبادئ للأطفال، لكنها اختفت عن الساحة اليوم بشكل تام، لتحل محلها العديد من البرامج وأفلام الكرتون الغريبة، فنجد بعض الشخصيات الكرتونية تردد ألفاظا مثيرة، وبعض القنوات تعرض أركان الإسلام على أنها ستة أركان، وقنوات أخرى تحث على العنف والعدوانية. ويأتي «الأبطال 99» من أبرز الأفلام الكرتونية الغريبة، حيث يحمل أبطاله أسماء الله الحسنى، ويقومون بأفعال خارقة ليست من قدرات البشر، ولم يتوقف الأمر علي ذلك، بل هناك أيضا برنامج للأطفال يسمى «إحلم تجد»، وتدور فكرته حول وجود ساحر مصاحب لطفل صغير يحقق له كل ما يريد، دون أن يبذل الطفل أي مجهود، ومن أبرز المشاهد التي انتقدها علماء النفس، عجز الطفل عن حل امتحان، فاستعان بالساحر ونجح دون أن يبذل أي جهد. كما تعرض قناة نيكولوديون عدة برامج غربية لا تتوافق مع البعد الثقافي العربي, بالإضافة إلى برنامج «جاوب أسرع» الذي يعرض مسائل حسابية للأعوام الدراسية الأولى، ويحدد مدة ثلاثين ثانية، ومن يجيب بعد الثلاثين ثانية تتهمه المذيعة بأنه فاشل!. الأهالي: برامج الأطفال تروّج للعدوانية والسلبية أكد عدد من الأهالى أن قنوات وبرامج الأطفال تبث أفكارا خاطئة في أذهان صغارهم، فيما رأى آخرون أن بعض القنوات بها طائفية شديدة لا تتلائم مع أطفال، فتقول رؤى سيد، أم لطفل: «قنوات الأطفال أصبحت تحتوي علي مشاهد لا تتلائم مع صغار السن مطلقا، فنجد مشاهد إباحية أو ألفاظ خارجة»، مضيفة: «طفلي يبلغ ستة أعوام، وعندما يسمع لفظا غير ملائم، يسألني عن معناه، ما يضعني في حالة حرج شديدة». وتقول رانيا إسماعيل: «لدي طفلتان، إحداهما تبلغ ستة أعوام والأخري ثمانية، لاحظت رفضهن للمذاكرة، وعندما سألتهن عن السبب، جاءت الإجابة صادمة بالنسبة لي، فقالتا إن أمجد الشخصية الكرتونية نجح في الامتحان دون أن يذاكر بفضل عصا عم ريشة الساحر الموجود في القصة، وحتي الآن لم تقتنعا بأن هذه مجرد قصة خيالية، وليس لها أي أساس من الواقع». ويوضح رامي عبد المجيد: «البرامج التي تعرض على الفضائيات ومخصصة للأطفال خالية من أي قيم ومعتقدات، سواء دينية أو أخلاقية، لكنها تحتوي علي مشاهد عنف وقتل، ما يولد لدى الأطفال حالة من العدوانية»، مضيفا: «ابني الذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام، ضرب أخيه الصغير وكسر ذراعه؛ بعد مشاهدته فيلم كرتون، ضرب فيه البطل أخيه بنفس الطريقة». وأكد محسن عمار، أب لثلاثة أطفال: «لحظت غياب تام لبرامج الأطفال وأفلام الكرتون الخاصة بنا، ما يعني أننا فقدنا الإبداع في تأليف مسلسلات للأطفال تحمل تراثنا وبيئتنا وثقافتنا أيضا»، مضيفا أن آخر عمل كان خاص بمصر هو مسلسل بكار، الذي كان يعرض منذ أعوام. وقالت سامية الحسيني، أم لطفلين: «منذ أن رأيت قناة أطفال لديها إسقاطات سياسية بصورة مبسطة تتناسب مع عقل الأطفال، قررت أن أمنع أبنائي عن مشاهدة أي قناة للأطفال، فكانت القناة تعرض فيلما كرتونيا يتناول أحداث ثورة 25 يناير منذ بدايتها حتى الآن، لكن بشخصيات كرتونية، ما دفعني إلى منع أبنائي عن مشاهدة أي شيء يشوه عقولهم»، وموضحة: «للأسف، أفلام الكرتون أصبحت بلا قيمة ولا تحمل أي معني، بل تدس السم في العسل، وصولا إلى عقول الأطفال». نفسيون: أفلام الكرتون أحد أسباب انتشار التحرش بين الأطفال انتقد عدد من علماء النفس نوعية برامج الأطفال التي تبث على الفضائيات المختلفة، مؤكدين أنها تحتوي على مشاهد عنف والكثير من الألفاظ الخارجة ذات التأثير السلبي على الأطفال، وتزيد نسبة العنف والعدوانية بين الأطفال، وهو ما يظهر بوضوح من خلال الحوادث التي تتكرر يوميا في المدارس. يقول الدكتور محمد نجيب، أستاذ علم النفس بجامعة حلوان، إن أفلام الكرتون تحتوي على الكثير من مشاهد العنف والعدوانية، وتؤثر سلبا علي الطفل، وهو ما يتضح من خلال الكوارث التي تحدث في المدارس والشوارع أيضا، موضحا أن الطفل مثل الإسفنجة، لديه استعداد لاستقبال كل ما حوله، سواء كان سلبيا أو إيجابيا، فعرض مشاهد الصراع في أفلام الكرتون أو ظهور فكرة شجار أميرين علي الأميرة الجميلة مثلا تولد شعورا بالعنف لدي الطفل، على أنه سلوك عادي وغير مستهجن. وأضاف نجيب ل«البديل» أن أغلب أفلام الكرتون وبرامج الأطفال التي تعرض داخل مصر، أجنبية ويتم ترجمتها، ما يعني أن هناك مخططا غربيا لبث الأفكار الفوضوية إلى أذهان أطفال العرب، مؤكدا أن هذه القنوات ترسخ في أذهان الأطفال استحداث الجريمة والإرهاب، خاصة أن شخصية الإنسان تتشكل في مرحلة الطفولة، ومن الصعب تغييرها، لذا فالدول العربية، تربة خصبة لتدمير النشء، مع غياب برامج وقنوات الأطفال المصرية، وانبهار الأطفال بالقنوات الأجنبية». وأكد الدكتور أحمد فرج، أستاذ علم نفس الأطفال، أن العديد من القنوات والبرامج المخصصة للأطفال بالفعل، تعرض أشياء لم نعتد عليها من قبل، فنجد البطل يُقبل البطلة مثلا أو غيرها من تلك الأمور التي لا يجب أن يشاهدها طفل في عمر النشء، مضيفا أن المشاهد الخارجة تحفز الطفل على تجربتها، سواء مع زميلاته أو زملائه في المدرسة، ما يسبب في انتشار حالات الشذوذ في المدارس، كما حدث مؤخرًا. وأوضح فرج أن هذه البرامج الدخيلة خالية تماما من الأهداف والرؤى، بل تحاول دائمًا بث معتقدات غريبة في أذهان الأطفال، كما تزيد من النزعة السلبية عندهم، حيث يتقبل الطفل ما تعرضه الفضائية دون أن يكون له مردود تجاه ما يشاهده أو يسمعه، مؤكدا أن هذه البرامج سوف تنشئ جيلا من الأطفال ليس لديه وعي بتاريخ بلده، فغالبية أفلام الكرتون التي تعرض على قناة ميكي وأم بي سي وغيرها، أجنبية مترجمة، وهو ما يختلف تمامًا مع الثقافة المصرية والعربية بشكل عام. علماء اجتماع: غياب برامج الأطفال المصرية يضرب الهوية في مقتل وأوضح عدد من خبراء علم الاجتماع أن قنوات وبرامج الأطفال الحالية تساعد علي ظهور نشء بلا هوية مستقلة، خاصة أن معظم برامج الأطفال مجرد استنساخ من برامج وأفلام كرتونية أجنبية. يقول الدكتور عبد الحميد زيد، رئيس قسم الاجتماع بجامعة الفيوم, إن الإعلام القومي في مصر، أصبح بلا دور أو تأثير، وتنازل عن دوره لصالح الإعلام الخاص الذي هيمن علي الساحة بصورة واضحة، ويقدم أي مواد سواء تلاءمت مع طبيعة المجتمع المصري أو لا، مضيفا أن القنوات التليفزيونية وبرامج الأطفال، أصبحت تقدم كل ماهو غير أخلاقي، فنجد أحيانا ألفاظا خارجة، وأحايين أخري نجد مشاهد تحس علي السلبية والضعف والخوف، كما تتعمد إبراز جانب العنف، هادفة إثارة مشاعر الطفل وتحقيق نسب مشاهدة. وتابع زيد ل«البديل» أن قنوات الأطفال أصبحت تتجاهل قيم المجتمع، وتعمل على زيادة نسبة الفساد، وهو ما يترجم الآن في المدارس، خاصة الدولية، متخوفا من عرض بعض دول الخليج شراء أفلام الكرتون، وترجمتها باللهجة الخليجية، ما يعني ضرب اللغة المصرية في مقتل، مطالبا وسائل الإعلام المصرية إلى الانتباه لتلك الكارثة، وتأليف سلسلة أفلام كرتون باللغة المصرية، مثل بكار وغيره، من النماذج التي تحوي الكثير من القيم. وأكدت الدكتورة هدي زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب، أن الأطفال يتأثرون بجميع البرامج التي يشاهدونها، ومعظمها يبث طاقة سلبية للأطفال، مثل المارد، الذي يرسل المال إلى صاحبه دون عمل أو جهد، وغيرها من النماذج التي تترسخ في ذهن الأطفال، موضحة أن الخطورة تكمن في عدم بذل أي جهد من قبل التليفزيون المصري من أجل الإبداع في برامج الأطفال، بل يقتصر دور على الترجمة فقط للبرامج التي تحمل طابعا غربيا أو خليجيا، وتبث أفكار غير مواءمة مع الثقافة المصرية، مختتمة: «الأطفال بحاجة إلى برامج تبث فيهم روح الشجاعة والمغامرة الحقيقية وتعلمهم الأخلاق».