انتهت مرحلة السرية والتكتم بين المعارضة السورية والكيان الصهيوني منذ فترة طويلة، فبعد أن كانت المساعدات العسكرية والسياسية تتم في سرية تامة؛ خوفًا من الانتقادات الدولية أو التحركات الإقليمية، أصبحت الآن أكثر وضوحًا وإعلانًا وتحررًا. يخرج الكيان الصهيوني من حين إلى آخر متفاخرًا بمساعدة المعارضة السورية ماديًّا وعسكريًّا واستخباراتيًّا، ناهيك عن معالجة وتضميد جرحاها، لكن مما لا شك فيه أن الاحتلال لم يفعل شيئًا دون مقابل، وهنا تتبادر التساؤلات حول المقابل الذي تقدمة الجماعات المسلحة للكيان الصهيوني لتجعله يستمر في مساعدتها. الاحتلال يتفاخر أكد المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي إدرعي، أن القوات الطبية لجيش الاحتلال عالجت 543 جريحًا سوريًّا خلال العام الماضي فقط، ونشر إدرعي، تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، قال فيها: خلال عام 2015 عالجت القوات الطبية لجيش الدفاع 543 مصابًا سوريًّا، ورافق الصورة التي نشرها بيت شعر للشاعر الجاهلي المُثقِّب العَبدِي «أكرم الجار وراع حقه.. إن عرفان الفتى الحق»، وأضاف في تغريدة ثانية: غاية الحياة الإنسانية خدمة الآخرين والتعاطف معهم والرغبة في مساعدتهم. تعاون مشترك وتنسيق متبادل هذا الإعلان لم يكن الأول من نوعه، الذي يؤكد وجود علاقات متشابكة وقوية بين المعارضة السورية المسلحة والاحتلال الصهيوني، فمنذ بداية الأزمة السورية أقام الاحتلال الصهيوني علاقات قوية مع المجموعات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري بالقرب من الجولان المحتل، في محاولة منه لشراء ذمم هذه الجماعات وجعلها ذراعه اليمنى في القتال الدائر على الأرض، الأمر الذي يجعل من هذه المجموعات حاميًا للقوات الصهيونية الموجودة على الحدود السورية. معالجة جرحى المسلحين نجح الكيان الصهيوني في فرض خطته باحترافية، وبالفعل أصبحت العلاقات بين قوات الاحتلال والجماعات المسلحة قوية ومتشابكة، فكانت بداية التعاون بين الطرفين عبر نقل بعض الجرحى والمصابين إلى المستشفيات الإسرائيلية من أجل تلقي العلاج والعودة إلى ميدان المعركة مجددًا، ولم يكتف الاحتلال بمعالجة جرحى الجماعات المسلحة، بل كانت لهم أهمية بالنسبة للكيان الصهيوني، دفعت رئيس وزرائه، بنيامين نتنياهو، إلى زيارة هؤلاء المسلحين في المستشفيات للاطمئنان على صحتهم، حيث تفقد نتنياهو في فبراير عام 2014 عدد من جرحى جبهة النصرة في مستشفى ميداني شيده الاحتلال على الحدود السورية لاستقبال جرحى هذه الجماعات. مساعدات استخباراتية تطورت العلاقة من معالجة الجرحى إلى المساعدات الاستخباراتية، حيث قدمت تل أبيب بعض التقارير الاستخباراتية عن أماكن توزيع وانتشار القوات السورية، ووصل الأمر إلى تنفيذ القوات الجوية الإسرائيلية عدة غارات ضد الأراضي السورية؛ بهدف دعم ومساندة الجماعات المسلحة أو توفير الغطاء الجوي لتحركات هذه الجماعات خلال معارك الاشتباك مع الجيش السوري. في مارس 2015 تناقل عدد من المواقع الأخبارية أنباءً عن مقتل ضابط إسرائيلي خلال غارة نفذها الجيش السوري ضد الجماعات المسلحة في منطقة ريف القنيطرة، موضحة أن الضابط الصهيوني قتل مع مجموعة من قيادة ما يُعرف ب«الجيش الحر» بينهم القائد العسكري أبو أسامة النعيمي، مشيرة إلى أنه على ما يبدو أن الضابط الإسرائيلي يتبع لواء جفعاتي الصهيوني الذي يعمل في شمال الأراضي المحتلة، الأمر الذي يشير إلى حجم التدخل الصهيوني في الأزمة السورية. مساعدات عسكرية وفي يونيو الماضي أكد محلل صهيوني على اطلاع جيد بشؤون الشرق الأوسط، إيهود يعاري، أن بعض الجماعات المعارضة السورية تحافظ على اتصال دائم مع الجيش الإسرائيلي، كما أن تقارير للأمم المتحدة تؤكد أن جنود إسرائيليين سلموا صناديق للمسلحين السوريين خلال الفترة الأخيرة. زيارات متبادلة بعيدًا عن العلاقات العسكرية والاستخباراتية، كانت قنوات الاتصال السياسية بين الطرفين تسير على قدم وساق، حيث حرصت قيادات المعارضة السورية على زيارة تل أبيب، وعقد لقاءات مع قياداتها السياسية والمشاركة في بعض المؤتمرات الأمنية التي يتم عقدها هناك، ففي فبراير عام 2015 كشفت وسائل الإعلام الصهيونية عن زيارة أحد كبار قيادات المعارضة السورية إلى تل أبيب، موضحة أنه شكر الكيان الصهيوني على المساعدات التي قدمها لهم، مطالبًا تل أبيب بتقديم مزيد من الدعم عبر التسليح وفرض الحظر الجوي على بعض مناطق الأراضي السورية؛ من أجل تعزيز وضع الجماعات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري. تلك الزيارة لم تكن الأولى من أحد قيادات المعارضة المسلحة للكيان الصهيوني، فقد سبقتها زيارة مماثلة كشفت عنها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، التي أكدت أنه في سبتمبر عام 2014 أجرى المعارض السوري البارز، كمال اللبواني، زيارة إلى تل أبيب، كما شارك في مؤتمر «سياسات مكافحة الإرهاب» الذي عقد في مدينة هرتسليا. وفي إبريل عام 2015، كشفت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن مجموعة ما يسمى «أحرار سوريا» أرسلت ببرقية تهنئة إلى السلطات الصهيونية بمناسبة ما يُسمى ب«عيد الاستقلال»، وهو ذكرى احتلال فلسطين، وقالت البرقية: باسمي وباسم حركة أحرار سوريا، نهنئ إسرائيل وشعبها المحترم، بمناسبة مرور 67 عامًا على الاستقلال، على أمل أن نحتفل العام المقبل بهذه المناسبة الكبيرة في السفارة الاإسرائيلية في دمشق، بعد أن تتحرر من محور الشر. الجولان.. الثمن الذي يريده الاحتلال لم تكن كل هذه المساعدات والتعاون والتنسيق بين الطرفين دون مقابل، فمن المعروف يقينًا أن الاحتلال لا يقدم شيئًا دون ثمن، حيث أكد مصدر عسكري إسرائيلي رفيع المستوى، في حديثٍ سابق لموقع «واللا» الصهيوني، أن الهدف الأساسي الذي تسعى إليه تل أبيب من وراء منح المساعدات الإنسانية وتطبيب الجرحى من المعارضة السورية، هو تحويلهم إلى ما أسماه بسفراء لإسرائيل في سوريا بعد عودتهم إليها. تحويل جرحى المعارضة إلى ذراع إسرائيلية خلال الأزمة السورية لم يكن هدف الاحتلال الوحيد من وراء هذه المساعدات، بل كان مخططه أكبر من ذلك بكثير، وكانت أراضي الجولان المحتلة هي الثمن الذي يريد الاحتلال أن تدفعه تلك الجماعات لرد الجميل الصهيوني، حيث قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية: إن المعارضة السورية أبدت استعدادها لبيع مرتفعات الجولان السورية إلى إسرائيل، مقابل استخدام الدفاع الجوي الإسرائيلي في فرض منطقة حظر جوي في جنوبسوريا، ونقلت الصحيفة عن عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، كمال اللبواني، قوله: إن الثوار على استعداد لبيع مرتفعات الجولان إلى إسرائيل في مقابل الحصول على مساعدات عسكرية لاستخدامها ضد جيش الرئيس السوري بشار الأسد، مضيفًا: لماذا لم نكن قادرين على بيع مرتفعات الجولان؛ لأن هذا سيكون أفضل من فقدان الجولان وسوريا معًا. المثير للتعجب أن هذه التقارير التي تتحدث عن مساعدة الكيان الصهيوني للمعارضة المسلحة في سوريا، لم تجد أذنًا صاغية أو إدانة دولية أو إقليمية واحدة، أو حتى دعوات للتحقيق في الأمر، باعتباره تدخلًا في شؤون دولة أخرى أو محاولات تجسس وفرض استراتيجية معينة، من خلال شراء الذمم، حيث يقابلها صمت دولي وعربي مستغرب.