تحركات جديدة شهدتها الأزمة الليبية من قِبَل دول الجوار في الأيام القليلة الماضية، لاسيما مع اتساع رقعة الخلاف بين المكونات السياسية، وصعود نفوذ المجلس الرئاسي الليبي على الساحة، الأمر الذي رفضه البرلمان واصفًا تحركاته بإنها إخلال بالاتفاق الموقَّع، ما يعد بأننا أمام أزمات أخرى في المستقبل تتعلق بتحديد أدوار المؤسسات الليبية، فما مواقف الجوار من المشهد الليبي في الوقت الراهن في ظل تمدد التنظيمات الإرهابية في ليبيا التي باتت تهدد الإقليم باكمله. ويأتي استمرار غياب حكومة ليبية موحدة، ليثبت واقع «الصراع على الشرعية» التي تعاني منها البلاد منذ فترة، ويعزز هذا الواقع صراع إقليمي غير معلن، تشكل تركيا وقطر «نفوذ في غرب ليبيا»، فيما تمثل مصر والإمارات «نفوذ في الشرق»، في الوقت ذاته تقف تونس والسعودية والجزائر والمغرب على الحياد بين طرفي الصراع. لكن يبدو أن «الصراع على الشرعية» اتسعت أشكاله بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني والاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي ليبي بالتوازي مع قيام البرلمان الليبي بدوره، فبعد أن كان الصراع يقتصر على حكومة طبرق المعترف بها دوليًّا وحكومة في طرابلس يسيطر عليها الإسلاميون، بدأ الصراع يتسع ويشمل أيضًا المجلس الرئاسي الليبي، الذي بدوره بدأ يتحرك خارجيًّا للترويج بأنه يحمل اختصاصات حددها اتفاق الصخيرات برعاية أممية، الأمر الذي رد عليه مجلس النواب الليبي قائلًا: إن الزيارات الخارجية التي يجريها رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، «مخالفة صريحة للاتفاق السياسي»، معتبرًا أن الالتزامات التي تترتب على هذه الزيارات «غير ملزمة للدولة الليبية». واجتمعت دول الجوار الليبي في تونس الاثنين، في ظل تحذيرات من قرب تحول ليبيا إلى بؤرة للإرهاب، خاصة بعد الضغط على التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، مما يسفر عن عودة بعض المسلحين عبر تركيا وصولًا إلى ليبيا، إذ يسيطر تنظيم داعش على مساحات واسعة في شمال غرب ليبيا. وتواجه دول الجوار الليبي تحديات أمنية واسعة على خلفية هذا التمدد الداعشي في ليبيا، ففي تونس يرى مراقبون أن هجوم بن قردان الذي وقع مؤخرًا مرتبط بداعش ليبيا، كون الجماعات الإرهابية المنتشرة في تونس تم تدريب عناصرها في معسكرات داخل ليبيا، وبحسب الأممالمتحدة وإحصاءات رسمية، يوجد 5 آلاف مسلح تونسي موزعين على مختلف التنظيمات الإرهابية، أكثرهم يقاتلون في صفوف داعش في ليبيا والجزائر، مما يؤثر بشكل كبير على الوضع الأمني في تونس والتي تتهدد من جراء عودة هؤلاء المقاتلين للقيام بعمليات إرهابية في البلاد. وتتحرك تونس في الفترة الأخيرة بشكل جدي في إطار حل الأزمة الليبية، إذ تقف على مسافة واحدة من الجميع مؤيدة بشكل واسع لتسليم السلطة إلى حكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج والتي تحضنها مؤقتًا وتسعى إلى نقلها لطرابلس، وتعمل تونس على تهدئة الوضع في ليبيا بأي ثمن لتجنب تدهور أمني أكبر سيؤثر مباشرة على أمنها كما إنها تتخوف في الوقت ذاته من تدخل عسكري جوي لا يقضي على المتطرفين جذريًّا، وفيه خطر هروبهم ولجوئهم إلى تونس. وفي مصر، يرتبط أيضًا وضعها الأمني باستقرار ليبيا، إذ يري مراقبون أمنيون أن تنظيم «أنصار بيت المقدس»، الذي ينشط في شبة جزيرة سيناء يحمل نفس أيدولوجية الجماعات التكفيرية المتشددة المنتشرة في شمال إفريقيا، خاصة في ليبيا، لذا يعمل الجيش المصري على المناطق الحدودية مع ليبيا للحد من تسلل العناصر الإرهابية إلى داخل البلاد. وترى القاهرة أنه لابد من التسريع في تمكين الحكومة الليبية الجديدة من تأدية عملها، لكن مع الحفاظ على مؤسسات الليبية كالبرلمان والجيش الليبي وضرروة تجنبب أي أخطاء قد تؤدي إلى زيادة الأنقسام في ليبيا، حيث دعا وزير الخارجية سامح شكري خلال اجتماعات الجوار الليبي في تونس، إلى مواصلة التمسك بدور مجلس النواب، كونه يظل الظهير الشرعي الوحيد للاتفاق السياسي، الذي بدونه لن يكتمل البناء المؤسسي الليبي، مناشدًا في الوقت ذاته المجلس تحمل المسؤولية والعمل دون إبطاء لمنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني، وتفويت الفرصة على القلة المغرضة للتشكيك في تلك الشرعية، على غرار ما سبق أن شهدناه من تصرفات تهدف لعرقلة المسار السياسي. وشدد وزير الخارجية على أن الحفاظ على تماسك المؤسسات الليبية، من بينها القوات المسلحة الليبية ضرورة، مؤكدًا أهمية العمل لتجنيب القوات المسلحة والمنظومة الأمنية الوطنية مخاطر أي خطوات من شأنها شق صف هذه المؤسسة وإضعافها، كما تواصل مصر حثها المجتمع الدولي على تقديم أشكال الدعم كافة للمؤسسات الأمنية الليبية، ومنها توفير التدريب والتأهيل، وكذلك رفع الحظر عن تصدير السلاح للقوات المسلحة الليبية حتى تتمكن من القيام بدورها في مكافحة الإرهاب. وللجزائر سياسة قريبة جدًّا من تونس في ليبيا، فهي تحاول أن تمرر حكومة الوفاق قبل شروع الدول الغربية في التدخل العسكري الذي تراه كارثي على مصالحها في هذا البلد، وفي الوقت الذي تتخوف فيه مصر ومن ورائها الإمارات، من تمدد الإسلامين في ليبيا لا ترى الجزائر أي غضاضة من مشاركة قوى الإسلام السياسي في الحكم المتمثلة في الإخوان المسلمون. وأكدت الجزائر لسان وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي عبد القادر مساهل، أنه لا بديل عن الحل السياسي الذي يدعمه المجتمع الدولي برمته لاحتواء تداعيات الأزمة الليبية، مبرزًا أن الإسراع في مباشرة الحكومة المقترحة من المجلس الرئاسي لمهامها انطلاقًا من طرابلس هو السبيل الأوحد في تحقيق وثبة وطنية متجددة، مؤكدًا أن الجزائر «أكدت مرارًا رفضها للتدخل العسكري لحل الأزمة في ليبيا لاعتقادها الراسخ أن هذه الوسيلة لا تمكن من تسوية الأزمات، بل بالعكس تؤدي إلى تعقيدها».