أقود سيارتي متجهة إلى شارع جسر السويس..الطريق الوحيد الذي أعرفه يمر من سراي القبة فكوبري العزيز بالله ثم أتجه يمينا آخر شارع العزيز بالله.. وما أن تجاوزت الكوبري بعدة أمتار، حتى فوجئت بشخصين يقطعان عرض الطريق ويقيمان حاجزًا لمنع المرور.. سألت أحدهما فرد قائلاً :” صلاة الجمعة”.. ورغم أن موعد الصلاة كان أمامه ساعة.. ورغم أنني لا أعرف العلاقة بين صلاة الجمعة وقطع طريق رئيسي أمام مرور السيارات والناس، إلا أنني امتثلت وقلت له مستسلمة: “أنا لا أعرف كيف أذهب إلى جسر السويس”.. رد عليَّ بغلظة وبأعلى صوته “ماعرفش .. الصلاااااااة.. الله آآآآآآآكبر” فهمت من نظرته وطريقة رده المستفز، ظنه أنني غير مسلمة لعدم ارتدائي غطاء للشعر.. وقفت متحيرة أرقب كيف يتصرف الآخرون فوجدتهم يتجهون يمينا ثم يدخلون من حارة شديدة الضيق تحتاج سائقًا شديد المهارة حتى يمر بسيارته منها من دون الاحتكاك بجدران المنازل. شعرت بالغيظ ، وفكرت للحظة أن أترك سيارتي في عرض الشارع وأذهب إلى قسم الشرطة أطلب من الضابط إخلاء الشارع لعبور المشاة، ويكفي المصلين المساجد الكثيرة المنتشرة في المنطقة. لكنني كنت في عجلة من أمري. غير أنني حزنت لحال بقية سكان المنطقة مسلمين وغير مسلمين، وما يعانونه كل أسبوع قبل صلاة الجمعة بساعة إلى انتهائها. بعدها بأيام كنت في الإسكندرية، ودخلت إحدى العمارات لقضاء مصلحة، وما أن ضغطت على زر “الأسانسير” حتى أفزعني صريخ بصوت منفر لم أتبين ما يقول، والتفت متسائلة إلى البوابة التي صعدت معي ، فأوضحت لي: “هذا دعاء ركوب الدابة”!! ونظرت حولي فوجدت آيات من القرآن وأدعية ملصقة على جدران الأسانسير بشكل منفر، وإعلان من مجلس إدارة اتحاد الملاك يقول “لوحظ أن بعض السكان يتعمد انتزاع الآيات والأدعية الملصقة على المصعد مما يشوه مظهر العمارة!!” ويتوعد بالطبع بمحاسبة من يثبت عليه هذا الفعل!! ولأنني تعلمت أن الدعاء مقره القلب..ولم نسمع من قبل أن السلف الصالح كان يلصق الأدعية على جدران الحوائط، وإنما يرددونها بقلوبهم.. وأعلم أن آيات الله البينات لها احترامها ولا ينبغي أن توضع في أي مكان عرضة للانتزاع والتشويه، سألت البوابة “ألا يسكن في العمارة مسيحيون؟” ردت بالإيجاب، وأضافت “بالعمارة شقق كثيرة يملكها مسيحيون ومنهم قس”!.. سألتها: “ألم يعترض أحدهم على ذلك؟” قالت: “بصراحة همه ناس طيبين ما بيتكلموش، واحد منهم بس طلب بأدب أن يتركوا أحد المصعدين فيه موسيقى خفيفة بدل الأدعية لكن ماحدش سمع كلامه.” ظللت طوال طريقي أفكر فيما لو كنت مكان ملاك الشقق المسيحيين، ما الذي يجعلني أتحمل شراء شقة بما لا يقل عن ربع مليون جنيه، كي أسمع كل يوم ما يتعارض مع عقيدتي عند خروجي من البيت ورجوعي إليه؟ وظللت أفكر في منطق هؤلاء الحريصين على استفزاز إخوانهم في الوطن بلا داع.. لا أقصد بالطبع من يعملون على تفتيت وحدة البلاد، ومن يحرصون على إلهاء المصريين بتوجيه السخط على تدهور أحوالهم في الاتجاه الخطأ؛ نحو بعضهم البعض! ولا أقصد بالطبع الجهات الخارجية والداخلية التي تستهدف إضعاف الوطن وتهديد أمنه القومي ودفع أصحاب البيت الواحد إلى الانشغال في عراك داخلي، غير منتبهين إلى ترك باب البيت ونوافذه بلا حراسة عرضة لتسلل الطامعين .. فهؤلاء يعرفون ما يفعلون. لكنني أقصد ذلك المنطق الذي نجح البعض في غرسه في عقول البسطاء.. وهو أنهم يتقربون إلى الله ويكتسبون حسنات عبر إيذاء المختلفين معهم دينيا باعتبارهم كفارا يتعين التضييق عليهم وإلزامهم أضيق الطريق وعدم السلام عليهم أو تهنئتهم في أعيادهم... إلى آخر ذلك من خزعبلات شيطانية ألبسوها “عمة” الدين، واعتبروها تقربًا إلى الله. وهي تعاليم لم نكن نسمع عنها هنا في مصر عندما كان البسطاء يرددون “ربنا رب قلوب” وكان الفلاحون البسطاء من المسلمين يسارعون بتلقائية إلى تقبيل يد “أبونا” عندما يسير في شوارع القرية باعتباره “راجل بتاع ربنا” مثله مثل شيخ الجامع. هي تعاليم للأسف يتم الترويج لها بنشاط مكثف، وينفق على ترويجها بسخاء. فذات مرة، عند ركوبي طائرة تتبع خطوط طيران دولة شقيقة، وجدت على كل مقعد من مقاعد الطائرة كتابا فاخر التجليد عنوانه “آداب المسلم”، تصفحته خلال مدة السفر وهالني ما فيه من تعاليم تنضح بالسواد والكراهية للآخرين تحت عنوان “معاملة غير المسلم”، وتساءلت داخل نفسي، ما هو شعور الراكب غير المسلم الذي يجيد العربية عندما يجد كتابًا مثل هذا على مقعده؟ وسط ظروف تدهور يمر بها عالمنا العربي، وضغوط اقتصادية مدمرة، يجد البسطاء ملاذهم في اللجوء إلى الله، ويصبحون عرضة لتصديق كل ما يقال لهم من أجل التقرب إليه سبحانه، وها قد انتشر مؤخرًا دعاء لم يكن متداولاً في مصر، وهو نتاج بيئة التجار ” ربنا يجعله في ميزان حسناتك”.. ويبدو أن البعض ارتاح إلى فكرة أنه يستطيع بدون جهد يذكر أن يمارس بعض ما قيل له أنه يزيد من حسناته، مثل ترديد ألفاظ معينة عدد من المرات، وارتداء زي خاص، وإتباع تقاليد مميزة في تناول الطعام والجلوس ودخول بيت الخلاء وإقامة الولائم والأفراح، والتضييق على غير المسلمين أو حتى المسلمين المخالفين في المذهب والتبرؤ منهم وبغضهم “في الله”! وهو أعجب ما في الأمر معتقدًا أن تلك السلوكيات التي لن تكلفه شيئا يمكنها أن تعادل كفة السيئات الأخرى الحافلة بالكذب والنفاق، والنهب وأكل حقوق الناس وظلم الآخرين، وسلبهم حقوقهم في العيش الآمن. لك الله يا مصر يحفظك من مؤامرات الطامعين، ويلهم أبناءك البصيرة لتوجيه سخطهم في الاتجاه الصحيح قبل فوات الأوان.. ويا من تقرأون الفاتحة، ويا من تقرأون أبانا الذي في السموات، قولوا معي: آمين. [email protected] مواضيع ذات صلة 1. أحمد صبري: يوسف والحرب القذرة 2. يوسف رخا: إلى محمد أبو الليل في غربته* 3. دعوى قضائية تطالب بوقف عرض المسلسل الإيراني يوسف الصديق على قنوات النايل سات 4. مركز النديم: يوسف شعبان .. حياة في خطر 5. مسعد أبو فجر: كمائن متحركة: يوسف شعبان من ثاني..