أصبح تناول الإعلام للأحداث الجارية سطحيا وهشا، ويلهث وراء الأخبار التافهة أو الإباحية وما يتردد في مواقع التواصل الاجتماعي؛ لتحقيق أعلى نسبة من المشاهدات، دون تقديم رسالة هادفة تساهم في تشكيل وعي المشاهد. «حذاء توفيق عكاشة، القبض على الفنانة ميرهان حسين، خلاف مرتضى منصور وعمرو أديب واللاعب أحمد حسام، الفنانة غادة إبراهيم تدير شقتها للأعمال المنافية للآداب».. أخبار اشتعلت كالنار في الهشيم، وتصدرت شاشات الفضائيات خلال الأيام القليلة الماضية، ورغم أن وسائل الإعلام والبرامج الفضائية زعمت أنها حصرية، لكنها مستمدة من مواقع التواصل الاجتماعي في الأساس وقبل طرحها علي شاشات الفضائيات، ما يعني أن مواقع التواصل أصبحت تتحكم بشكل كبير في المادة المعروضة للمشاهد عبر القنوات والصحف المختلفة. وفي الوقت الذي تهتم فيه البرامج والصحف بطرح القضايا الهامشية، تغفل أحداثا أخرى أكثر أهمية تمس المواطن، أبرزها تهميش أزمة نقابة الأطباء ووزارة الداخلية، كما أغفلت نقص لبن الأطفال المدعم، وكارثة نفاد رصيده آخر شهر مارس الجاري، بحسب تأكيد مختصين، وتجاهلت أيضا وسائل الإعلام أزمة نقص العديد من الأدوية، منها عقاقير مرضى الأورام وغيرها، بالإضافة إلى إهمال كارثة زيادة سعر الدولار التى أثرت على كل قطاع في الدولة، وتهدد بمزيد من ارتفاع الأسعار. «حذاء عكاشة وشتائم مرتضى وميرهان حسين».. طفح على الشاشات والصحف احتلت العديد من الأحداث التي انتشرت علي موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر» شاشات الفضائيات في الفترة الأخيرة، وأصبحت تتردد علي ألسنة الإعلاميين بصورة مستفزة، وكأنها قضايا حيوية تهم المواطن. حدث صغير ينتقل من إعلامي إلي آخر، ومن صحيفة إلي أخرى، ومن أبرز القضايا التى شغلت الرأى العام عدة أيام، ضرب توفيق عكاشة بالحذاء تحت قبة البرلمان؛ بعدما استضاف السفير الإسرائيلي في منزله، ليقرر مجلس النواب بعدها إسقاط عضويته؛ كونه تحدث في أمور خطيرة تمس الأمن القومي لمصر. لم تمر أيام قليلة وطل علينا الإعلام بقضية الفنانة ميرهان حسين، التي تم القبض عليها باتهامات، مقاومة السلطات, والاعتداء علي مأمور الضبط القضائي بالضرب والسب، وتعاطي مواد مخدرة، والقيادة تحت تأثير مواد مسكرة، بينما اتهمت حسين ضباط الشرطة بالاعتداء عليها وهتك عرضها، لتصبح القضية حديث القنوات الفضائية ومانشيتات الصحف. ولم تتوقف الأحداث عند ذلك الحد فقط، لكن شغلت القنوات الفضائية والصحف قضية أخرى، هى القبض على الفنانة غادة إبراهيم؛ لأنها تدير شقتها للأعمال المنافية للآداب، بعدما داهمت قوة من الإدارة العامة لمباحث الآداب بالمنزل، وتبين أنها تتخذ من شقتها وكرا لراغبي المتعة. ومن أغرب الأحداث التي حولها الإعلام إلى قضية أيضًا، تدوينة لأحد الشباب كان متواجدا في أحد الأندية الصحية أثناء وفاة الفنان ممدوح عبد العليم، ومنها حولها الإعلام إلى قضية مهمة، تتحدث عن ظهور شاهد عيان علي واقعة وفاة عبد العليم. وكان النصيب الأكبر من الضوء عبر شاشات الفضائيات والصحف، التراشق اللفظي الذي وصل إلى حد السباب والخوض في الأعراض بين مرتضي منصور، رئيس نادي الزمالك، والإعلامي عمرو أديب، واللاعب أحمد حسام ميدو، ولم تضع الحرب الإعلامية حول الأزمة أوزارها بعد. «أزمة الأطباء ونقص الأدوية وارتفاع سعر الدولار».. قضايا تجاهلها الإعلام على النقيض، دارت العديد من الأحداث المهمة، لكن أغفلتها الكثير من القنوات الفضائية والصحف ولم تتطرق إليها من الأساس، علي رأسها انتفاضة الأطباء مؤخرًا ضد وزارة الداخلية؛ التي حدثت نتيجة تعدي أمناء الشرطة علي طبيب بمستشفى المطرية. انتفاضة الأطباء لم تكن رادعا لرجال الشرطة، التى أطلقت يد البطش على الجميع، فتكرر الاعتداء على طبيب آخر بمستشفى الأميري في الإسكندرية من قبل أحد أمناء الشرطة، وتسبب في كسر ذراع الطبيب وخلع بإصبعه، ما أدي إلي إعلان الأطباء التمسك بمطالبهم، علي رأسها إقالة الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة؛ لعدم المطالبة بحقوقهم، والتراخي عن توفير آليات لحماية الأطباء داخل المستشفيات، بجانب تمسكهم بتطبيق حق العلاج المجاني في جميع المستشفيات الحكومية، ما أدى إلي نشوب خلاف حاد بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة. وكان لنقص الأدوية المهمة نصيب من تجاهل الإعلام، فشهددت الصيدليات والمستشفيات المختلفة نقصا حادا للعديد من الأدوية، على رأسها عقاقير الأورام، التى تهدد حياة آلاف من المرضى لاعتمادهم بشكل كبير عليها؛ خاصة أنها تدخل بصورة مباشرة في العلاج الكيماوي، إلي جانب إغفال التحدث عن آلاف من مرضى ضمور العضلات «دوشين»، حيث تفتقر مصر إلى وجود مراكز لعلاج أو تشخيص المرض الخطير، وما على المرضى سوى انتظار الموت؛ راحة من الآلام، ورغم أنهم خاطبوا العديد من الجهات لحل أزمتهم، لكن دون مجيب من الدولة أو تسليط من الإعلام. وتجاهل الإعلام أيضا أزمة المصانع المغلقة منذ ثورة 25 يناير، وبالتالي تشريد آلاف العمال؛ خاصة أن عدد المصانع المغلقة وصل إلى حوالي 7 آلاف، ولم تقتصر الأزمة على المصانع المملوكة لرجال أعمال «الخاصة»، بل امتدت لتشمل مصانع القطاع العام أيضًا، ورغم أن حكومة المهندس إبراهيم محلب السابقة، وعدت مرارًا وتكرارًا ببحث الأزمة ومحاولة إيجاد حلول لها، لكن أصحاب المصانع أنفسهم، أكدوا أنها كانت مجرد وعود في الهواء، دون تحرك فعلي على أرض الواقع حتى اليوم. وتصدرت أزمة ارتفاع سعر الدولار المشهد؛ لكن وسائل الإعلام لم تسلط الضوء عليها بالشكل المطلوب، الذي يضع الأزمة في حجمها الحقيقي؛ بعدما تجاوز سعره ال9 جنيهات، ما يهدد بإغلاق العديد من المصانع التي تعتمد على استيراد المواد الخام، كما سببت موجة الدولار زيادة أسعار العديد من المواد الأخرى، علي رأسها الدواء؛ خاصة أن مصر تعتمد علي استيراد المادة الخام للأدوية بصورة أساسية. وحذر بعض الخبراء من تجاهل الأزمات الطاحنة التي تضرب قطاعات الدولة، لافتين إلى أنها قد تكون سببا في انفجار غضب شعبي بصورة كبيرة، يدمر معه الأخضر واليابس. يقول الدكتور راضي محمد، أستاذ المخ والأعصاب: «رغم وجود الآلاف من مرضى ضمور العضلات، إلا أن الإعلام لم يحاول تسليط الضوء علي الكارثة التي يعيشها هؤلاء المرضى»، مضيفا أن الأزمة أكبر من مجرد خبر تطرحه بعض الصحف، لكنهم بحاجة إلى معايشة حقيقية من قبل وسائل الإعلام والبرامج الفضائية؛ حتى تكن منبرا لمخاطبة وزارة الصحة، التي تكتفي بالوعود فقط، دون حل حقيقي؛ خاصة أن المرضى لا يجدون مركزا واحدا بمصر يتلقون من خلاله العلاج. وأوضح محمد ل«البديل» أن كارثة «دوشين» تكمن في أنه مرضا وراثيا، أي يمكنه الانتقال إلى الأطفال، ما يعني أن عدد المرضى في زيادة مستمرة، والدولة لم تحرك ساكنًا، كما أن وسائل الإعلام تكتفي بسبق حذاء توفيق عكاشة أو ممارسة غادة إبراهيم لأعمال منافية للآداب. وعن أزمة إغلاق المصانع وزيادة سعر الدولار، قال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إن ارتفاع سعر الدولار تسبب في أزمة بالسوق المصري؛ لوجود فارق بين العرض والطلب، مضيفا: «منذ الإعلان عن ارتفاع الدولار، وأسعار السلع في زيادة مستمرة؛ خاصة مع غياب الرقابة الحكومية، وسوف ترتفع الأسعار بصورة أكبر في الفترة المقبلة». إعلاميون: «السوشيال ميديا» يقود البرامج التليفزيونية إلى حتفها انتقد العديد من الخبراء الأداء الإعلامي في الفترة الماضية، مؤكدين اعتماد القنوات الفضائية والصحف المختلفة علي ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي بصورة أساسية، بالإضافة إلى اللهث وراء الأخبار التي تؤجج مشاعر المشاهد أو القارئ؛ لتحقيق أعلى نسبة مشاهدة على حساب المضمون. تقول الدكتورة ماجي الحلواني، عميد كلية إعلام القاهرة سابقًا، إن العديد من الإعلاميين يتناقلون الأخبار والأحداث من مواقع التواصل الاجتماعي، دون تحري الدقة عن صحتها أو عن أهميتها بالنسبة للجمهور وتأثيرها علي المجتمع من الأساس. وأضافت الحلواني ل«البديل» أن القائمين على القنوات الفضائية يتبعون سياسة تحقيق أعلى نسبة المشاهدة، دون النظر لأي اعتبارات أخرى، مؤكدة أنهم بذلك يفتقرون جميع أنواع المهنية الإعلامية، وبالتالي افتقاد ثقة الجمهور، موضحة أن دور الإعلاميين يكمن في نقل حقائق من مصادرها الحقيقية، وليس الاعتماد علي مواقع التواصل الاجتماعي. وأكد الدكتور محمد حسين، الخبير الإعلامي، أن عددا كبيرا من الإعلاميين يعتمدون علي «السوشيال ميديا» في جميع الأحداث التي يعرضونها على الجمهور، مضيفا أن حال الإعلام في مصر يرثي له؛ وفقد دوره الريادي؛ بعدما أصبحت البرامج التليفزيونية مجرد «برفان» يتم من خلالها عرض ما سيحقق نسبة مشاهدة أعلى. وأوضح حسين أن هؤلاء الإعلاميين يظنون بعرضهم خبر مثير عن فنانة، أو مشاجرة وتلاسن بين اثنين معروفين لبضع دقائق، أنهم يحققون سبقا إعلاميا، تناسوا أن الجمهور يعي افتقارهم لمادة جيدة وقضايا حقيقية لطرحها علي شاشات التليفزيون، مختتما: «سوف يأتي وقت على هؤلاء الإعلاميين، وسيجدون عزوفا جماهيريا تاما عن برامجهم، التي لا تقدم أي محتوى إعلامي».