يعود تواجد القوات الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية إلى نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث دخل الجيش الأمريكي إلى القسم الجنوبي من كوريا، بينما دخل الجيش السوفيتي إلى كوريا الشمالية التي تشترك معه في الحدود على طول نهر دومان، وكان الهدف المشترك بين أمريكا والاتحاد السوفيتي آنذاك هو العمل على إجلاء الاحتلال الياباني لكوريا، الذي امتد لأكثر من 35 عامًا، لتبدأ بذلك مرحلة انقسام شبه الجزيرة الكورية التي استمرت حتى يومنا هذا. مؤخرًا تجددت الخلافات بين روسياوأمريكا على خلفية التجارب الصاروخية التي أجرتها كوريا الشمالية، التي اعتبرتها كوريا الجنوبية حليفة الولاياتالمتحدةالأمريكية تشكل تهديدًا لأمنها القومي، واتهمت روسيا بأنها تدعم كوريا الشمالية، الأمر الذي أغضب موسكو ودفعها لتخيير سيئول بين التراجع عن اتهاماتها لروسيا بتزويد بيونج يانج بعناصر صاروخية، أو تقديم أدلة تثبت صحة تلك الاتهامات، حيث قال ميخائيل أوليانوف، مدير قسم الرقابة على الأسلحة، في وزارة الخارجية الروسية 10 فبراير الحالي: «إذا كان للجانب الكوري الجنوبي أو وسائل الإعلام في كوريا الجنوبية أي أسس للاشتباه بأننا نورد مكونات صاروخية إلى بيونج يانج، فعليها تقديم تلك الأدلة، وإذا اتضح أنه لا وجود لمثل هذه الأدلة، فأدعو سيئول إلى دحض هذه المزاعم وتقديم الاعتذار». الطلب الروسي بالاعتذار الكوري الجنوبي والتصعيد الدبلوماسي بين الطرفين لم تكن السابقة الأولى بين البلدين، فبالأمس القريب وتحديدًا 9 فبراير الجاري، استدعت موسكو السفير الكوري الجنوبي في موسكو باك رو بيك، وأعربت له عن قلقها إزاء قرار حكومة كوريا الجنوبية بدء مفاوضات مع الولاياتالمتحدة، بشأن نشر منظومة الدفاع الصاروخية «ثاد» على أراضيها. استدعاء رو بيك من قبل الروس شكل ركيزة الصراع الخفي بين موسكووواشنطن، حيث يعتبر إعلان وزارة الدفاع الأمريكية، 8 فبراير، أنها ستبدأ محادثات رسمية مع كوريا الجنوبية حول نشر منظومة دفاع صاروخية متطورة خلال أسبوعين للحماية من التهديدات العسكرية لكوريا الشمالية، تهديدًا صريحًا لروسيا، انعكس ذلك في تصريح وزارة الخارجية الروسية الأربعاء، حينما قالت: «إن الخطط الأمريكية لبناء درع صاروخية في كوريا الجنوبية، قد تؤدي لسباق تسلح في شمال شرق آسيا». الاحتجاج على نشر الدرع الصاروخي لم يقتصر على الجانب الروسي بل تعداه ليشمل التنين الصيني أيضًا، حيث اعتبرت بكين الدرع الصاروخي الأمريكي له تداعيات سلبية على استقرار المنطقة ويشكل تهديدًا لمصالحها الأمنية. وبذلك تصبح منطقة شبه الجزيرة الكورية منطقة لاستقطاب الصراع بين القوى الكبرى في العالم، فالجنوب الكوري أصبح منطقة للنفوذ الأمريكي، أما الشمال فهو بالأساس منطقة لنفوذ الصيني، والولاياتالمتحدة تعلم جيدًا أن الطريق لأي ضغط حقيقي على بيونج يانج لابد أن يمر من بكين، كما سعت روسيا مؤخرًا للتقارب مع كوريا الشمالية، حيث شطبت روسيا 10 مليارات دولار عام 2014 من ديون كوريا الشمالية، مقابل تسهيل مد خط أنابيب غاز عبر أراضيها إلى كوريا الجنوبية. تطور الأزمة بين روسياوالولاياتالمتحدة أصبح على الصفيح الكوري الذي بات يزداد حرارةً أكثر فأكثر، خاصةً وأن كوريا الشمالية وفي أقل من شهرين مطلع هذا العام، أجرت تجارب ذات طابع عسكري، ففي 6 يناير الماضي أعلنت بيونج يانج أنها نجحت في تجربة قنبلة هيدروجينية في رابع اختبار نووي من نوعه، وفي 7 فبراير الجاري أطلقت صاروخ بالستي بعيد المدى بنجاح أفضى إلى وضع قمر صناعي في مداره لمراقبة الأرض، فضلًا عن أن كوريا الشمالية أمرت أمس الخميس كل الكوريين الجنوبيين بمغادرة منطقة كايسونغ الصناعية المشتركة بين الكوريتين، وأعلنت مصادرة كل المعدات المتبقية في المجمع، كرد على العقوبات التي فرضتها عليها كل من سيئول وواشنطن لمعاقبة بيونج يانج على تجربها النووية والبالستية، مما أثار احتجاج سيئول حليفة وواشنطن. العلاقات الأمريكية مع كوريا الجنوبية التقارب الأمريكي مع كوريا الجنوبية ارتفعت وتيرة بشكل واضح في الأوان الأخير، فخلال الاجتماع الذي عقد الأربعاء 10 فبراير، اتفق فيه الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، في بيرل هاربور بهاواي، والأميرال كاتسوتوشي كاوانو قائد قوات الدفاع الذاتي اليابانية، وكونفرانس، رئيس هيئة الأركان المشتركة لكوريا الجنوبية الجنرال لي سون جين، على تكثيف تبادل المعلومات وتنسيق الجهود الأمنية في ضوء زيادة التهديدات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية. وأصدروا بيانًا مشتركًا وصفوا فيه التجربة النووية الرابعة التي أجرتها بيونج يانج، وإطلاقها لصاروخ بعيد المدى بأنهما يمثلان انتهاكًا مباشرًا لقرارات الأممالمتحدة واستفزازًا خطيرًا للمجتمع الدولي. التطور الأبرز في المحادثات الثلاثية بين واشنطن وسيئول وطوكيو، هو في قول جريج هيكس، المتحدث باسم جوزيف دانفورد: إن القادة الثلاثة اتفقوا على الاجتماع مرة أخرى قبل نهاية العام، وأضافوا أنهم سيبحثون زيادة المشاركة في مناورات عسكرية وأنشطة أخرى لتعميق الروابط الأمنية. واعتبر مراقبون هذا الموقف إصرارًا أمريكيًّا على استغلال الأزمة بين الكوريتين؛ لامتلاك أوراق ضغط جديدة تلاعب بها روسيا والصين وتهدد عبر درعها الصاروخي المزمع إنشاؤه قريبًا في كوريا الجنوبية مصالحهم الأمنية والاستراتيجية في المنطقة. الجدير ذكره أن كوريا الجنوبية منحت صفة الشريك الرئيس من خارج الحلف الأطلسي من قِبَل جورج بوش الأب عام 1989، وهو تعيين تقدمه الحكومة الأمريكية أو حلف الناتو للدول التي لديهم معها علاقات قوية، لكنهم ليسوا بأعضاء في هذا الحلف، وتحصل الدولة صاحبة هذه الصفة على مجموعة متنوعة من المزايا العسكرية والمالية التي لا يمكن الحصول عليها من قِبَل الدول الأخرى غير الأعضاء في الحلف. ويرى مراقبون أن صفة الشريك الرئيس من خارج الحلف الأطلسي الممنوحة لكوريا الجنوبية قادرة على خلق مشكلة حقيقية للصين وروسيا، كما حدث مؤخرًا بين تونسوالجزائر، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في يوليو 2015، أن واشنطن وافقت على منح تونس مكانة الشريك الرئيس من خارج الحلف الأطلسي، مما يفتح الطريق أمام تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، فبموجب هذه الاتفاقية تصبح تونس تحت حماية حلف الناتو، مما يمكن الناتو من التدخل في تونس، ويعطيه صلاحيات واسعة في إقامة قاعدة عسكرية على الأراضي التونسية، وهذا ما رفضته الجزائر باعتباره يشكل تهديدًا لأمنها. وبغض النظر عن العلاقة غير المباشرة بين كوريا الجنوبية والناتو، فإن التواجد الأمريكي في كوريا الجنوبية يشكل خطرًا حقيقيًّا على روسيا والصين؛ نظرًا لكونهما دولًا حدودية معها عبر كوريا الشمالية، حيث يقدر عدد القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية حاليا بنحو 28 و500 جندي، موزعين على 6 قواعد عسكرية أمريكية لدى كوريا الجنوبية، ويعد وجود هذه القواعد سببًا رئيسًا في خلاف سيئول مع كوريا بيونج يانج، حيث ترى السلطة في بيونج يانج أن بقاء هذه القوات، دليل على عدم سلامة النية من جانب الجنوب، كما أن استخدام القواعد العسكرية الأمريكية ضد كوريا الشمالية، قد ينذر بتوتر بين روسياوأمريكا، فموسكو حذرت عبر مندوبها الدائم لدى الأممالمتحدة من أي عمل عسكري ضد كوريا الشمالية.