تنتشر القواعد العسكرية في منطقة القرن الإفريقي بصورة واسعة، ففي الوقت الذي اهتمت فيه أمريكا بالتواجد العسكري والاستراتيجي في هذه المنطقة لحماية مصالحها، كانت لفرنساوالصينواليابان نظرة مستقبلية لأهمية هذه المنطقة. وعلى الرغم من أهميتها استراتيجيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا للأمن القومي المصري، إلا أن القاهرة ابتعدت عسكريًّا عن دول هذه المنطقة. وأهمية المنطقة الاستراتيجية الكبيرة في أنها تطل على جنوب البحر الأحمر شرقًا وخليج عدن شمالًا والمحيط الهندي جنوبًا، ويفصلها عن الجزيرة العربية مضيق باب المندب، وتشير في جغرافيتها إلى الجزء الشرقي من القارة الإفريقية؛ مما جعلها محط أنظار الجميع، ومجالًا للصراع الإقليمي والدولي. وتقع بمنطقة القرن ست دول، من بينها ثلاث دول عربية (الصومال والسودان وجيبوتي)، بالإضافة إلى (إريتريا وكينيا وإثيوبيا). ولا شك أن تحقيق أمن هذه الدول يساعد على تحقيق الأمن القومي العربي وأمن البحر الأحمر، خاصة فيما يتعلق بحركة المواصلات البحرية، فضلًا عن امتلاكها عوامل جذب داخلية كالموارد الطبيعية الكثيرة. قواعد أمريكية في القرن الإفريقي تُعتبَر القاعدة الأمريكية العسكرية في جيبوتي هي القاعدة الوحيدة المُعلن عنها من قِبَل المسؤولين الأمريكيين. لكن أكدت تقارير سابقة أن هناك قواعد سرية أخرى في إثيوبيا والصومال. وتضم جيبوتي منذ عام 2002 قاعدة ليموني العسكرية الأمريكية التي تلاها قدوم حاملات الطائرات «مونت لتني» وبها حوالى 1500 فرد، والحاملة الأخرى «يو إس إس»، والتي يترواح عدد الأفراد فيها بين 1900 و2000. وكانت الصومال تضم قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في ميناء البربير، وفي مطار مقديشو، وعلى أثر سقوط الرئيس الصومالي السابق سياد بري تم نقل القاعدتين إلى جيبوتي؛ ومن ثم صارت الأخيرة مقرًّا ل «قوة العمل المشتركة للقوات الأمريكية» في القرن الإفريقي، وتتمثل مهمتها في مراقبة المجال الجوي والبري لست دول إفريقية، هي السودان وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتي وكينيا واليمن. وبحسب تقرير سابق لصحيفة واشنطن بوست فإن أمريكا تمتلك قواعد عسكرية بشكل سري في عدد من بلدان القرن الإفريقي، حيث يتواجد في كينيا قاعدتا ميناء ممبسة البحري ونابلوك الأمريكيتان. وفي إثيوبيا تمتلك واشنطن قاعدة عسكرية لطائرات بدون طيار في منطقة "أربا مينش" منذ عام 2011، وتستخدم القاعدة الطائرات للاستطلاع والتجسس على شرق إفريقيا. قاعدة صينية جديدة في تطور جديد أعلن الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي عن نية الصين إنشاء أول قاعدة عسكرية لها بإفريقيا في المستقبل القريب، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن تبدأ بكين العمل قريبًا في تشييد القاعدة البحرية، مدافعًا عن حقها في بناء أول قاعدة عسكرية خارجية لها على أحد أهم ممرات الشحن في العالم. وتسعى الصين منذ العام الماضي لبناء قاعدة عسكرية في جيبوتي، هدفها – بحسب وزير الخارجية الجيبوتي – مكافحة القرصنة وضمان أمن مضيق باب المندب، خاصة أمن السفن الصينية التي تمر عبر هذا المضيق، حيث قامت البحرية العسكرية الصينية في الثماني سنوات الماضية بعشرين مهمة قبالة سواحل الصومال وخليج عدن، لكنها واجهت صعوبات في محطات الرسو وإعادة التموين، وهو ما يشير إلى أهمية هذه القاعدة للصين، خاصة وأن بكين تهتم في الفترة الأخيرة بزيادة الاستثمار الاقتصادي في القارة الإفريقية، بالإضافة إلى سعيها لملء الفراغ الذي تركته دول أوروبية، حسبما صرح وزير خارجية جيبوتي، عندما سأله أحد الصحفيين عن ماهية هذا التحرك الصيني ومنح إفريقيا 60 مليار دولار في شكل قروض، فرد قائلًا "الصين تملأ فراغًا؛ لأن الدول التي كانت من مسؤوليتها تعويض هذا النقص لم تقم بذلك. الأفارقة انتظروا طويلًا أن يأتي الأوروبيون وشركاؤنا العرب لمساعدتهم في عملية التنمية، والصين هي من قامت بهذا العمل". فرنسا حقبة من الاستعمار والتدخلات العسكرية تعتبر فرنسا قارة إفريقيا إرثًا استعماريًّا لها. وبينما يعتقد البعض أن باريس خرجت بعد استقلال دول القارة عنها، توضح الحقائق أن فرنسا لم تخرج من إفريقيا نهائيًّا، وإنما خرجت لتبقى بشكل آخر، سواء كان عسكريًّا أو اقتصاديًّا أو سياسيًّا أو ثقافيًّا. وعلى الرغم من صعود دول أخرى مثل أمريكا ورغبتها في السيطرة على مفاتيح هذه القارة، خاصة منطقة القرن الإفريقي، إلا أن فرنسا احتفظت بالعديد من القواعد العسكرية التي – بحسب رؤيتها – تحافظ على التوازن العسكري النسبي مع أمريكا، وتحمي مصالحها. تقلصت القواعد العسكرية الفرنسية في إفريقيا من 100 قاعدة عام 1960 إلى ثلاث قواعد فقط، كان من ضمنها القاعدة العسكرية في جيبوتي والوحيدة في القرن الإفريقي، حيث سيطر الفرنسيون على هذا البلد الصغير عام 1850، ولم تفرط فرنسا في جيبوتي بعد استقلالها؛ لذا وقعت اتفاقية عسكرية لضمان تواجد عسكري بين 3800 و4500 جندي فرنسي على الأراضي الجيبوتية، ثم تَقلَّصَ العدد إلى أكثر من 1500 جندي كجزء من قوات حفظ الأمن. وتُعتبَر القاعد العسكرية الفرنسية في جيبوتي أهم قاعدة عسكرية فرنسية في القارة السمراء، ومن مهامها حماية حركة التجارة عبر مضيق باب المندب، وحماية الفرنسيين، وتنفيذ طلعات جوية في الدول القريبة التي تشن فرنسا فيها غارات جوية، مثل مالي وإفريقيا الوسطي. قاعدة يابانية في عام 2009 بدأت اليابان في إنشاء قاعدة عسكرية لها بجيبوتي، بعد اتفاق مع حكومة البلاد، وكان هدف القاعدة المعلن هو التمكن من المشاركة في التصدي للقراصنة الصوماليين، بما في ذلك ميناء دائم ومطار لإقلاع وهبوط طائرات الاستطلاع اليابانية، وبدأت القوات اليابانية في التمركز في جيبوتي عام 2010. وتعرضت السفن اليابانية لأكثر من واقعة في العقد الماضي، جعلت طوكيو عازمة على إنشاء هذه القاعدة بمنتهى السرعة، حيث احتجز قراصنة صوماليون في 2007 السفينة «جولدن نوري» اليابانية لنقل المواد الكيماوية، ولم يفرجوا عنها إلا بعد ستة أسابيع، بعدما طالبوا بفدية تبلغ مليون دولار. وفي 2008 تعرّضت ناقلة النفط «تاكاياما» اليابانية لهجوم بقاذفات الصواريخ، شنه قراصنة صوماليون، قبل أن تنقذها البحرية الألمانية. تركيا في الصومال تستعد تركيا لإنشاء قاعدة عسكرية لها في الصومال؛ لتدريب نحو 10 آلاف و500 جندي صومالي. وذكر موقع "هابر 7″ الموالي للحكومة التركية أنه سيعمل في القاعدة الجديدة نحو 200 جندي تركي، سيتكفلون بضمان الأمن والتدريبات. ومن أسباب التواجد العسكري التركي في الصومال – بحسب الموقع – سعي أنقرة لتعزيز تواجدها في الشرق الأوسط وإفريقيا، والانفتاح في مجال الصناعات الدفاعية خارج البلاد، مشيرة إلى أن تركيا تبحث عن أسواق جديدة لبيع الأسلحة التي تقوم بإنتاجها في البلاد. الفراغ المصري بالقرن الإفريقي تمثل هذه المنطقة أهمية قصوى بالنسبة لمصر، لا سيما وأنها من المحاور الأساسية في أمن القاهرة المائي والاقتصادي والأمني، خاصة في ظل اتساع رقعة الخلافات بين مصر وإثيوبيا والسودان حول ملف حوض النيل، وإنشاء أديس أبابا سد النهضة الإثيوبي، ومن هنا يؤكد الخبراء أن هناك تهديدات تحتاج لإعادة نظر وتقييم للتحركات المصرية بمنطقة القرن الإفريقي بشكل خاص والقارة السمراء بوجه عام. قال الدكتور محمد عبد القادر المتخصص في الشؤون التركية إن القاهرة غابت خلال الأعوام الماضية عن القارة الإفريقية، وهى الآن تدفع فاتورة ذلك، وتحتاج إلى قوة عسكرية واقتصادية لملء الفراغات التي ترغب دول أخري في شغلها، حيث ترغب تل أبيب في إنشاء قاعدة عسكرية في إريتريا، وأنقرة تتواجد عسكريًّا في الصومالوأديس أبابا. وأكد عبد القادر أنه يجب على مصر ودول الخليج، التي لها استثمارات كثيرة في دول القرن الإفريقي، أن تتعاون لمواجهة الأطماع في هذه المنطقة الاستراتيجية؛ حيث تعد الصومال وعدة دول في القرن الإفريقي من أكثر الدول الإفريقية فقرًا وضعفًا، وتحتاج إلى الأموال والمساعدات.