تحولت جيبوتى إلى ساحة للصراع والتنافس بين القوى العظمى بالعالم من أجل إنشاء قواعد عسكرية، فبعد القواعد الأمريكية والفرنسية واليابانية، وافقت حكومة جيبوتى على إنشاء قاعدة عسكرية للصين بنهاية عام 2017 بغرض محاربة القرصنة وتأمين المصالح الاقتصادية والسفن التجارية الصينية المتجهة إلى القارة الأفريقية، الأمر الذى يطرح تساؤلا هاما لماذا صارت جيبوتى التى لا تتعدى مساحتها 23 ألف كيلو متر مربع فى شرق أفريقيا مطمعًا لعدد من الدول الكبرى؟ وتكمن الإجابة فى موقعها الاستراتيجى، حيث يعد مضيق المندب أحد قنوات الملاحة الأكثر اكتظاظًا بحركة الملاحة فى العالم، الأمر الذى مهد للصين الدخول على خط التنافس الأمريكى الأوروبى لتثبيت أقدامها من خلال الاستثمار وإنشاء قواعد عسكرية على أراضيها. فضلا عن خليج «توجورة» عمق البر الجيبوتى لمسافة 61 كم لتمثل منطقة آمنة للإبحار تجاه البحر الأحمر، تعبر فيها أهم الصادرات والواردات العالمية. ويستخدم الميناء كنقطة انطلاق الأساطيل الأجنبية المتواجدة فى المنطقة بهدف مراقبة خليج عدن وحماية الممر المائى من عمليات القرصنة، ومن بين الأسباب التى تجعل جيبوتى ذات أهمية كبرى كونها من المحاور الرئيسية للتجارة العالمية أن أكثر من 80 % من السلع التى تستوردها جارتها إثيوبيا، يتم إفراغها فى ميناء «دوراليه»، أحد أكبر موانئ المياه العميقة فى شرق أفريقيا.إضافة إلى قربها من بؤر التوتر فى أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، فهى أهم دولة فى مجال تأمين طرق التجارة وكنقطة انطلاق لمكافحة الإرهاب فى منطقة القرن الأفريقى. وجاء العرض الصينى للدول الأفريقية فى إطار ما يمكن تسميته بالصفقة السياسية والإغراءات الاقتصادية، فقد استغلت طموح رئيس جيبوتى إسماعيل عمر غلة والمحيطين به، لإعادة انتخابه لولاية جديدة عام 2016 رغم وجود معارضة سياسية من خصومه. وستمول الصين مشروعات فى جيبوتى لدعم «غلة» كمد خطوط سكك الحديد وبناء قصور رئاسية وعمارات شاهقة فى العاصمة ضمن وعود بأن تحول الشركات الصينية جيبوتى إلى «دبى ثانية» وقبلة لرجال الأعمال والمال. أما الإغراءات الاقتصادية فتمثلت فى عدد من الاتفاقيات فخلال العام الماضى أبرمت الصين وجيبوتى اتفاقيات هامة لتأهيل الكوادر الإدارية العليا للدولة وإنشاء معهد للدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية. لكن الأهم من كل هذا يتمثل فى المعاهدة الأمنية والدفاعية التى تم توقيعها العام الماضى فى قاعدة الشيخ عمر فى جيبوتى بين الحكومتين الصينية والجيبوتية، وهى المعاهدة التى تتضمن إضافة إلى تأهيل القوات المسلحة والأمنية الجيبوتية، بناء قاعدة عسكرية صينية فى جيبوتى.ومنذ اليوم الأول لتدشين منتدى التعاون الصينى الإفريقى عام 2000، قدمت بكين 16.6 مليون دولار لتمويل المشروعات التنموية فى جيبوتى. وتسعى الصين من الدخول على خط التنافس الأمريكى الفرنسى فى جيبوتى إلى البحث عن منافذ بحريه تؤمن لها نفوذها الاقتصادى بالقارة ونجحت فى أن تضع أقدامها بثبات فى منطقتين تطلان على البحر هما جيبوتى على البحر الأحمر فى شرقى أفريقيا والسنغال على المحيط الأطلسى فى غربى أفريقيا. وأثار مشروع القاعدة العسكرية الصينية فى جيبوتى تحفظات فرنساوأمريكا، حيث اعتبرت واشنطن هذه الخطوة تحمل مخاطر وإثارة للتوتر فى العلاقات الأمريكيةالصينية بسبب ما يمكن أن يثيره الوجود العسكرى الصينى فى القرن الإفريقى من احتمال احتكاك مع المصالح الأمريكية والغربية عمومًا، لا سيما وأن جيبوتى تطل على أحد أكثر المسارات البحرية ازدحامًا فى العالم فى خليج عدن فى الجهة المقابلة لليمن المضطرب، وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية فرنسية فى أفريقيا إلى جانب قاعدة أمريكية رئيسية، كما تستخدم قوات بحرية أجنبية ميناء جيبوتى فى حراسة ممرات الشحن المزدحمة قبالة الصومال لمحاربة القرصنة. يذكر أن التواجد الفرنسى بجيبوتى جاء عقب استقلال الأخيرة عن فرنسا عام 1978،إذ أن فرنسا لم ترغب فى التفريط فى الدول الأفريقية بعد استقلالها، لذا توصلت فرنسا إلى اتفاقية عسكرية لضمان تواجد ما بين 3800 و4500 جندى فرنسى على الأراضى الجيبوتية، تقلص العدد إلى 1500 جندى كقوات حفظ سلام. وفى مارس 2001، أسست أمريكا قاعدة عسكرية هناك باسم «افريكوم»، وخلال 10 سنوات فقط تجاوز التواجد العسكرى الأمريكى فى جيبوتى نظيره الفرنسى، وفى مايو الماضى حددت أمريكا عقد الإيجار للقاعدة لعشر سنوات مقابل60 مليون دولار سنويًّا بدل 30 مليون دولار بخلاف تدريب جنود جيبوتى، ويبلغ قوامها 4000 جندى، بينما فى سنة 2009 أنشأت البحرية اليابانية قاعدة عسكرية فى جيبوتى، بما فى ذلك ميناء دائم ومطار لإقلاع وهبوط لطائرات الاستطلاع اليابانية.