راحت فين الثورة يا زعيم، مش كانت بين إيديك؟»، يرد أحدهم ساخرًا «لازم اتنشلت»، فيجيب قائد الثورة «الثورة مستمرة، وإذا كنا غلطنا أو انضحك علينا مرة، فده مش معناه إننا نيأس».. حوار ختمه الفنان القدير أحمد زكي في فيلم البداية للمخرج صلاح أبوسيف، إنتاج عام 1986، فرغم أن الفيلم لا يجسد واقع عصره، إلا أنه جسده بعد عقود من الزمن، حتى تأتى ثورة 25 يناير وتصبح جزءًا من فيلم البداية. ومن نافذة الواقع نطل برؤوسنا المطأطئة على الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، التى كانت بمثابة حلم للشباب في حرية التعبير عن آرائهم دون قيد أو شرط، لا أن تلفق لهم تهم للزج بهم في السجون، مثل جرائم ازدراء الأديان أو التحريض على التظاهر أو الانضمام لجماعة إرهابية.. إلخ. وليعلم الجميع أن الثورة كانت للناس "الغلابة الشقاينين"، لا للسادة القضاة ممن يعتقدون أنفسهم أنبياء وأوصياء على العباد، فيقرروا حرمان أبناء الفلاحين وعمال النظافة من المناصب النيابية والقضائية لتدني مستواهم الاجتماعي وحساسية المنصب الرفيع؛ ومن تلك النظرة الطبقية والدونية للآخرين، والناتجة عن عقم فى التفكير أضحى ابن الضابط ضابطًا، وابن الدكتور دكتورًا بالوراثة وليس بالكفاءة. يناير ما هى إلَّا نتاج عقود من الاستبداد والطغيان وتوسع لفجوة الفساد، التى أثمرت بحلم طيب ينهي سياسات ظلت قائمة منذ الخمسينيات امتدادًا لعام 2011، فقد تغيرت الوجوه والحكام وبقيت أجندة السياسات الحمقاء تأخذنا إلى القاع حتى بلغنا الغرق، وكانت الثورة طوق النجاة بالنسبة لنا ولهم، لكنهم يعتقدون أنهم استطاعوا استيعابها وإدارة الأزمة بأساليبهم الملتوية.. بل إنهم غارقون لا محال. وأضرب لي ولكم المثل بالبرازيل، واستعرض بعض النقاط التي جعلتها تنتقل من هوة الإفلاس إلى قمة التقدم والازدهار خلال ثمان سنوات من الحكم المدني، بعدما عاشت تحت حكم العسكر واتبعت نهج سياسة الرأسمالية، بمعنى أنها تتجه صوب رجال الأعمال والشركات، وتهمل القوى البشرية الفقيرة، وفي نفس الوقت تتسول بالاقتراض والديون الاقتصادية الكبيرة التى زادت الحمل على عاتق الأجيال القادمة، ولم تنم البرازيل إلا بعد تراجع الجيش عن الحكم والحياة السياسية. والدروس المستفادة من التجربة البرازيلية، مثلما يقول المثل الشعبي «إدي العيش لخبازه»، فالجيش فى كل دول العالم معروف إن واجبه حماية الحدود من الأعداء، وليس دوره الخوض فى السياسات؛ لأن مشاركاته السياسية تضعف من قوته وترجع البلد لأكثر من 50 سنة زي تجربة البرازيل. واستكمالاً لأحداث فيلم البداية، تنزل الكاميرا من الأعلى في مشهد نهار خارجي، المكان ميدان التحرير، الزمان في المستقبل القريب، يخرج قائد مصري بطل معلنًا انتصار ثورة الغلابة والقضاء على أزمات التعليم، الصحة، انتشار الجريمة وتجارة المخدرات، ومشاكل الجوع، والبطالة، والفقر الحاد، والتفاوت الشديد بين طبقات المجتمع، ليسدل الستار على صوت هتافات الشعب «أرفع راسك فوق أنت مصري». هو مشهد لا يمت للواقع بصلة، لكنه مجرد حلم يراودني ويراود كل مصري عاشق لتراب وطنه، والحقيقة من ضد 25 يناير ليسوا ضدها كثورة بل معترفون بها؛ لأنها هزت عرش حاكم حكم أكثر من 30 سنة، لكن الفكرة أنه ضد مطالب الثورة، فكيف لمثل هؤلاء الشباب أن يهزوا كيان الدولة العميقة، التي عاشت وتأسست وترعرعت على الفساد والرشوة والمحسوبية، ليقضوا على روتين دولة العجائز.