تأتى صناعة وتجارة الدواء أهم ثانى صناعة على مستوى العالم بعد السلاح، فيبلغ حجم السوق العالمى للدواء حوالى 1.3 تريليون دولار، نصيب الشرق الأوسط 3% منها، ويبلغ حجم النمو السنوى للسوق المصرى فى الصناعة من 13:12%، وصل بنهاية الشهر الماضي إلي 36 مليار جنيه، مقارنة ب24 مليار جنيه في 2014، بحسب تصريحات الدكتور محيى حافظ ، رئيس لجنة الصحة والدواء بالاتحاد المصرى للجمعيات المستثمرين. وتواجه صناعة الدواء في مصر عدة معوقات، أبرزها الأدوية المغشوشة والمهربة ومشكلة تسعير المنتجات الدوائية، والتحالفات والتكتلات للشركات العالمية، وعدم وجود مخطط استراتيجى لتطوير الصناعة الدوائية وربطها بالبحث العلمى، والتقدم المتسارع فى علوم وتكنولوجيا الدواء عالميا. وبرزت ظاهرة غش الدواء مؤخرا عقب وفاة 4 أطفال، وإصابة العشرات ببني سويف بنزلات معوية حادة وتشنجات، بعد إعطائهم محلول معالجة الجفاف «ميتاهايدريل» الوريدى الذي ينتجه مصنع المتحدون فارما، كما سبب العقار المعالج لفيروس سي «سوفالدي» المحلي منه والمستورد، العديد من الأعراض الجانبية الخطيرة، منها حالات عمى وقرح معوية وتضخم بالطحال. خبراء: نعيش تحت وطأة الاستيراد.. ونكتفي بصناعة «إسبرين وبراستيمول» غرفة صناعة الأدوية أعلنت عن وجود نقص حاد في أكثر من 1000 صنف دوائي، الأمر الذي أرجعه عدد من الأطباء والمتخصصين إلى تراجع صناعة الدواء في مصر، بجانب تجاهل الحكومات المتعاقبة للأزمة، وعدم إدراك حجم الكارثة التي تتفاقم كل يوم. يقول الدكتور صبري الطويلة، عضو مجلس نقابة الصيادلة، إن مصر تنفق حوالي 36 مليار جنيه في سوق الدواء، وتستورد مواد خام تمثل حوالي 30% أي ما يعادل 12 مليار جنيه، موضحا أن مصر لا تصنع المواد الخام للدواء وتستوردها فقط، وتكتفي بتصنيع حوالي 15 مادة خام لأدوية بسيطة في شركة النصر، أبرزها «براستيمول وإسبرين»، ما يؤكد أننا نواجه كارثة حقيقية. وأضاف الطويلة ل«البديل» أن الدول التي نستورد منها المواد الخام، لديها تقنيات عالية للإنتاج تفتقرها مصر تمامًا، ما يجعلنا تحت وطأة الاستيراد بصورة مستمرة، مؤكدا أن أحد الأسباب الرئيسية لأزمة نقص الدواء التي يواجهها السوق المصري اليوم، الظروف الاقتصادية الصعبة، خاصة مع زيادة سعر الدولار، الذي جعل المستوردين عاجزين عن استيراد الأصناف الدوائية المختلفة، مطالبا وزارة الصحة بضرورة إعادة تسعير الدواء بما يتناسب مع المنتج، سواء مع الشركات الأجنبية أو الاستثمارية، خاصة أن ثبات أسعار الأدوية المحلية أدى إلى خسارة شركات الأدوية المصرية، ما يدمر الصناعة بأكملها. ومن جانبه، قال الدكتور علاء غنام، مدير برنامج الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية،إن الصناعة المصرية للدواء منهارة منذ عدة أعوام؛ بسبب الحكومات المتعاقبة التي لا تنظر إلي الأزمة بشكل جدي، مؤكدا أن مصر تفتقر تصنيع المادة الخام للدواء وتكتفي باستيرادها فقط، ثم تركيبها علي بعض المواد الأخري. وتابع غنام: «صناعة الدواء المحلي انحدرت حتي وصلت إلي القاع، فالحكومات المتعاقبة لا تدرك حجم الكارثة ولا تقدر العواقب التي تقع علي مصر بسبب انهيار تلك الصناعة»، مضيفا: «كنا في الستينات نستخدم 80% من الأدوية المصرية في السوق المحلي، وبعد عصر الانفتاح الاقتصادي في السبعينات، تبدلت سياسات مصر وانهار العديد من الصناعات، علي رأسها الأدوية المحلية»، مؤكدا أن الدولة يمكنها توفير ملايين الجنيهات على الميزانية العامة؛ إذا اعتمدت علي السوق المحلي فقط للدواء. الشركات المنتجة تحجب الأدوية لزيادة الأسعار.. ولا عزاء للمرضى تدني صناعة الدواء في مصر سبب حالة نقص حاد لبعض العقاقير المهمة والحيوية التي يعتمد عليها كثير من المرضي بشكل يومي، مثل أدوية القلب والضغط والسكر، وأرجع عدد من المختصين سبب الأزمة إلي غرفة صناعة الدواء والشركات المنتجة نفسها، مؤكدين أن بعض الشركات تتعمد إخفاء الأدوية لإجبار الحكومة علي فرض زيادة في الأسعار الموضوعة جبريًا، ما يكبد الشركات المنتجة خسارة فادحة؛ بسبب استقرار أسعار الأدوية منذ فترة طويلة. وأكد محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، وجود نقص حاد في الكثير من العقاقير، بعضها لا يمكن استبدالها أو الاستغناء عنها، أبرزها أدوية الضغط والقلب والسكر، موضحا أن غرفة صناعة الدواء تستفيد من النقص الحاد في الأدوية؛ خاصة أنها تضغط على الدولة من أجل رفع الأسعار، فالجميع يحاول الاستفادة من الأزمة علي حساب المواطن البسيط. وأضاف فؤاد ل«البديل» أن وزارة الصحة تعلم جيدًا الأزمة التي تتفاقم يوميًا، مؤكدا أن ارتفاع سعر الدولار مع استمرار أسعار الدواء، يؤدي إلى خسارة الشركات المنتجة، خاصة أن الأسعار في مصر جبرية. وأوضح مصدر بغرفة صناعة الأدوية – فضل عدم ذكر اسمه- أن الدواء في مصر مسعر جبريًا مثل الخبز والبنزين، ولم يزد منذ عشر سنوات، متابعا: «للأسف، الحكومات المتتالية لم تتطرق إلي مشاكل صناعة الدواء، رغم أنها أزمة حقيقية يجب النظر إليها بعين الاعتبار والاهتمام»، مضيفا أن العديد من الوزراء وفدوا علي الصحة، لكن الأمر لم يتغير، وكأن الحديث فيه مُجرم وظل مسكوت عنه، حتي وجدنا أنفسنا أمام أزمة حقيقية. واستطرد: «بعض الشركات المنتجة تحاول استغلال الأزمة حتي تضغط علي الدولة لزيادة أسعار الدواء، وللأسف المواطن من يتحمل كل الضغوط»، مختتما: «إذا اهتمت الدولة بتصنيع الدواء كما كانت في الستينات، فيمكننا توفير ملايين الجنيهات». متخصصون: أدوية السوق السوداء تفجر الخلايا السرطانية أدي نقص الأدوية في السوق المحلي إلي فتح أبواب غير شرعية لتهريبها، خاصة عقاقير القلب والسكر والضغط، التي لا غني للمرضى عنها بشكل شبه يومي، ما يتضح من خلال انتعاش السوق السوداء لبيع الأدوية التي غزت أرصفة الشوارع، ويلجأ إليها المرضى مجبرين؛ نظرا لحالة النقص الحاد في الأدوية، سواء المصرية أو المستوردة. يقول محسن محمد، أحد أهالي الجيزة، إن والده مريض بالضغط، والطبيب وصف له عقار «بلوكاتينس»، غير الموجود بالصيدليات منذ فترة، ما نصحه أحد المقربين بالتوجه إلى سوق العتبة لشرائه من هناك وبسعر مخفض، مضيفا: «في البداية شعرت بالقلق تجاه تلك المنتجات مجهولة المصدر، لكنني اضطررت إلي شرائها؛ خاصة أن والدي يستخدم العقار منذ فترة طويلة، ولا يستطيع الاستغناء عنه». ويوضح سعيد ممدوح، مريض بالقلب، أنه لم يجد عقار «ايزوبايد» في الصيدليات منذ فترة، لكن وجده لدي بائع جائل علي أحد أرصفة منطقة القصر العيني، متابعا: «بالفعل اشتريته واستمريت عليه؛ لأنه عقار منظم لضربات القلب ولا يمكنني الاستغناء عنه مطلقًا، وليس لديه بدائل أخري». على الجانب الآخر، أكد الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الدواء باتحاد الغرف التجارية، وجود نقص حاد في الكثير من الأدوية، ووزارة الصحة تعلم ذلك جيدًا، دون تحرك، لافتا إلى خطورة نقص عقاقير حيوية، مثل أدوية القلب والضغط وإسعاف الجلطات، فالأزمة وصلت إلي مرحلة خطيرة لا يمكن السكوت عنها؛ خاصة أن النقص يشمل الأدوية المستوردة والمحلية، مطالبا الوزارة بضرورة التنبه للأزمة؛ بعدما انتعشت السوق السوداء بسبب النقص الحاد في الأدوية. ويؤكد الدكتور رامي أسعد، متخصص في علاج الأورام، أن بعض التجار استغلوا أزمة نقص الأدوية، وبدأوا استخدام أدوية مهربة تحمل نفس اسم العقار الناقص، ما يهدد حياة المرضى، موضحا أن الأمر بالفعل خطير، فالأدوية التي تباع في الشوارع لا نعلم مصدرها ولا مصنعيها ولا حتي مورديها ولا المواد الفعالة التي تحملها هذه الأدوية المجهولة. وفجر أسعد مفاجأة، قائلًا: «الأدوية التي غزت الأسواق تفجر الخلايا السرطانية؛ لأنها مجهولة ولا نعلم مصدرها، وتؤثر علي الهرمونات».