في ذكراها الأولي، وبعد مرور عام من رحيل شهيدة الورد شيماء الصباغ، نسأل أنفسنا كل مساء أين شيماء؟ وكيف فقدناها؟ ولماذا؟ وهل كان قتلها من قبل الشرطة المصرية ضروريا؟ وهل تركها لنا ولابنها الوحيد بلال كان سيحقق خسائر للدولة والنظام والبورصة المصرية؟ هل قتلها بهذه الطريقة الدرامية وهي تحمل طوقا من الورد كان قرارا مسبقا؟ وهل أيادينا نحن ملطخة بدمائها؟؟ وما ذنب ذلك الرفيق الذي جندها لصفوف الحركة الاشتراكية لكي تلقي مصيرها وهي تحمل رايتها؟ هل هو من قتلها؟؟ وهل نحن نقتل شبابنا حينما نصب في وعيهم الإحساس بالمسئولية تجاه الوطن والفقراء والانسانية بصفة عامة؟ كل هذه التساؤلات وغيرها العشرات تملأ أحشاء عقلي كل يوم، تتصارع كما يتصارع الواقع مع الخيال، والصدق مع الكذب، والحقيقة مع الوهم.. ولكن يبقي الموت موت ..ليس للتفلسف من دور لينقذ الإنسان من موته المحقق ومصيره المحتوم، فالفلسفة قد تفسر الموت أو تكشف عن مضمونه، ليس لمن مات ولكن للأحياء منهم، ونحن صرنا نخشي الموت مرتين، مرة لكونه نهاية الحياة، ومرة لأنه خطف من بين أيدينا شيماء علي غير رغبة منا.. نخشاه ولكننا لا نهرب منه؛ لأننا لم نزل نخطو ذات الخطي التي كتبت علينا وعلي شيماء.. وربما أدركت شيماء جزءا من موتها وهي تصارعه، ثم سكنت وصارت لا تشعر بوجوده، لأنها فقدت الشعور بالأحياء من حولها، فصار الموت عدما بالنسبة لها، وصار الموت وجودا بالنسبة لنا، وبقي هذا الوجود جبلا ينمو كل يوم في حلوقنا ويكبر كل يوم فوق أكبادنا، ويسمو كل يوم بأحزاننا.. وكأن شيماء هي رصيد الوجع الباقي لنا في أيامنا التالية ..لكي تمر السنوات والشهور والأيام كألواح ثلج تدغدغ الموت فينا، وتُغرق ثمار الفرح المفترض مع كل قيمة ننتصر لها. موت شيماء الصباغ .. هو موت لمن عشق الحياة .. واستشهاد لمن عاش لطفله الوحيد .. وفداء لمن لا يملك سوي سنوات عمره .. وتضحية لمن لا يملك من متاع الدنيا شيء ..وهؤلاء الذين قتلوها ..لم يدركوا معني الذي فعلوه ..لم يعرفوا بعد مستوي الجرم الذي ارتكبوه ..لم يفهموا قيمة الحياة لإنهم لم يعرفوا معني الحياة أصلا.. فلسفة موت شيماء الصباغ .. هي فلسفة موت كل الذين دفعوا حياتهم ثمنا لقيمة ما .. شيماء لم تمت من تخمة الأكل ..أو من ملل الحياة .. أو من جرعة مخدرات .. أو من عملية تجميل .. أو من طائرة تحلق فوق سواحل الكاريبي ..لكنها ماتت بين رفاقها وعلي رصيف الوطن، وتحمل في يدها شعلة ورد ..وفي قلبها وليدها ووحيدها الذي حكم عليه بحياة الأيتام لأن نظاما غاشما أراد ذلك .. ماتت شيماء، ولكنها ستظل رمزا لنا، وهمزة الوصل بيننا وبين الله..الرب الذي حدد لنا طريق العدل، وكشف لنا عن سبل الخلاص، الخلاص الحتمي من هؤلاء الذين يسفكون الدماء ويبنون عروشهم على جماجم البشر..ونحن – رفاقها – لن نسمح بأن يكون دم شيماء طريقا لترسيخ سلطة حاكم كان أو حتى نصف إله.