كثيرون في العالم العربي لا يعرفون شيئًا عن مجزرة اللد، التي وقعت في صيف 1948 بفلسطين، واستمرت حتى سقوط اللد بشكل كامل على يد قوات العصابات الصهيونية، هذا هو ما تطرق إليه الروائي اللبناني فلسطيني الهوى إلياس خوري، في روايته الجديدة «أولاد الغيتو» أو «اسمي آدم» الصادرة قبل أيام عن دار الآداب في بيروت. اعتبر خوري أن روايته الجديدة يمكن أن تكون جزءًا ثانيًا من روايته «باب الشمس» ليكشف من خلالها عن مساحة مظلمة من تاريخ الشعب الفلسطيني بشكل أكبر وأوسع في الوصف المؤلم لهذه المجزرة. تصدَّر هذا المقطع الغلاف الخلفي للرواية التي سلطت الضوء على محطات غائبة عن صفحات كتب التاريخ: «لا تعرف منال معنى كلمة غيتو، أو من أين أتت. كل ما تعرفه أن سكان اللد «المدينة المسيجة بالأسلاك» سمعوا الكلمة من الجنود الإسرائيليين، فاعتقدوا أن كلمة «غيتو» تعني حي الفلسطينيين أو حي العرب، كما قرر الفلسطينيون تسمية سكان البلاد الأصليين.. وحده «مأمون» كان يعرف أن «الغيتو» هو اسم أحياء اليهود في أوروبا، قبل أن ترد عليه منال بسؤال ساذج وموجع في آن «يعني إحنا صرنا يهود؟!»حكايات آدم ولآدم دنّون «الشخصية المحورية في الرواية» حكايات وحكايات، فهو ذلك الخمسيني الذي يبيع الفلافل في مطعم يتشارك في ملكيته مع إسرائيلي بمدينة نيويوركالأمريكية، وهو الذي كان قد حصل على اسمه بقرار من مختار «الغيتو» كونه أول مولود فيه، في إحالة رمزية لأول كائن بشري في هذه المعمورة، رغم أن والدته المفترضة منال كانت تنوي تسميته باسم آخر. ولفت خوري في مطلع روايته إلى أنه حصل على «دفاتر آدم» من خلال طالبته الكورية التي كانت تتردد على مطعم الفلافل؛ لفرط إعجابها بصانع الفلافل قبل الفلافل نفسها، حيث يفاجئنا، وعبر فصول الرواية، التي هي أشبه بشريط سينمائي، بالكثير مع كل صفحة وربما مع كل فقرة، حيث يكشف آدم عن فلسطينيته التي كان يحاول أن يخفيها ربما كونه كان يعشق حالة الالتباس التي يعيشها، فإجادته للعبرية بطلاقة وشراكته مع إسرائيلي في ملكية مطعم الفلافل، تلك الأكلة الشعبية في فلسطين وبلاد الشام، التي يحاول الإسرائيلي نسبها إليه، في حالة التباس جديدة أيضًا، جعلت الآخرين يعتقدونه إسرائيليًّا، مع أنه في داخله فلسطيني حتى النخاع، وهذا ما يتكشفت من خلال أوراقه التي سرد من خلالها مجازر اللد، وحياة القلة التي بقيت على قيد الحياة وحُصرت في «الغيتو» بأسلاك شائكة. في فصل «من أين جاء الغيتو؟» استحضر الراوي أيام «اللد» الصعبة، وكيف كانت ليلة الفلسطينيين الأولى داخل السياج الذي فرضته القوات الصهيونية عنوة، ويظهر طاغيًا على غلاف الرواية، التي سبقتها ليالٍ من القتل والذبح. والجديد في رواية «خوري» كشفه من خلال البحث، أنه تم جمع الجثث بعد المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية من قِبَل فرق من أبناء «الغيتو» ودفنها في خنادق جماعية، حيث كان الشبان يعملون طوال النهار على جمع الجثامين وحفر الخنادق في عمل استمر شهرًا كاملًا، عرف فيما بعد ب«شهر الجثث». ومما أبدعه خوري بالكلمات تلك الحكايات المؤلمة التي حدثت في الأسبوع الثالث لعمل الفرق المفجع، حيث أجبروا على جمع ما تبقى من الجثث فوق بعضها بعضًا، بعد أن تفسخت بفعل طول الزمن وحرارة الصيف، حتى أن بعض قادة الفرق سقطوا مغشيًا عليهم من هول المشهد، قبل أن يتم إحراق الجثامين بأيدي الفلسطينيين قسرًا، مما أصاب الجميع في الغيتو بحالة هي أقرب إلى الهستيريا، ولعلها هي الحالة التي تصيب القارئ أيضًا، من دقة تصوير المشهد في الرواية.