تأسس الأزهر في بداية العهد الفاطمي ومع دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي عاصمته القاهرة، ليصبح اكبر وأهم جامعة إسلامية في العالم، وظل الأزهر هكذا عقودا طويلة حتى أطاح صلاح الدين الأيوبي بالحكم الفاطمي وأعاد مصر لتكون ولاية تابعة للخليفة العباسي في بغداد، وكان قراره بإغلاق الجامع الأزهر ومنع الصلاة فيه، واستمر القرار قرابة ال100 عام كان فيهم الأزهر مغلقا وممنوع التدريس أو الصلاة فيه، حتى تولى حكم مصر الظاهر بيبرس الذي أعاد الصلاة فيه وكذلك التدريس، ثم استحدث العثمانيين رسميًا منصب مشيخة الأزهر الذي اعتبر أهم منصب إسلامي في العالم حتى يومنًا هذا. نسرد هنا 5 قصص تاريخية لا يعرفها الكثيرون ولم تلتفت حتى اليوم وزارة التربية والتعليم لسردها وتعريف أبنائنا ببعض من ومضات هذا الصرح العملاق. «الشبراوي» وحج المسيحيين يعد الشيخ عبد الله الشبراوي، الشافعي الشهير، الإمام السابع في سلسلة مشيخة الأزهر الشريف، وتلميذ الشيخ الخراشي أول شيخ للأزهر الشريف، ومن أشهر مواقفه التي رواها الجبرتي، أن مسيحيي مصر أرادوا الحج إلى القدس، وطلبوا منه السماح لهم بذلك، فأصدر الشيخ فتواه الشهيرة التي كان نصها "أن أهل الذمة لا يمنعون من ديانتهم وزياراتهم، ولهم ما للمسلمين وعليهم ماعليهم"، فسادت الفرحة أجواء الكنائس في مصر، وبدأ الناس الاستعداد للسفر من أجل الحج قاصدين كنيسة القيامة في القدس، وبدأت بعض الأصوات تستنكر فتوى الشيخ وتعتبره متخاذلًا في نصرة الدين الإسلامي، لكن أصر الشيخ على موقفه. الشيخ العروسي.. الفقراء أولاً الشيخ العروسي يعتبر الإمام الحادي عشر فى سلسلة مشايخ الأزهر الشريف، ويحتاج وحده مجلدات لتروي تاريخه النضالي والمشرف وانحيازه للحق والعدل طوال عهده وعلاقته بالسلطة، أهمها ما حدث أثناء فترة مشيخته من ارتفاع للأسعار بشكل كبير حتى ذهب الناس واشتكوا له، فأرسل إلى حسن باشا، والي مصر، وقتها، قائلا: "في زمن العصاة كان الأمراء ينهبون ويأخذون الأشياء من غير ثمن، والحمد لله هذا الأمر ارتفع من مصر بوجودكم، وما عرفنا موجب الغلاء أي شيء"، فرد حسن باشا: "انظر ماذا ترى"، فقرر الشيخ مع آخرين عمل اجتماع طارئ وأحضر الأغا والمحتسب والمعلمين وقرروا عمل تسعيرة ينادى بها في الأسواق واتفقوا على تحديد أسعار اللحم والخبز والسمن. الشيخ الشرقاوي والمقاومة الشعبية تولَّى مشيخة الأزهر بعد الشيخ العروسي سنة 1218ه الموافق 1793م، وفي حياته ألمَّت بمصر أحداثٌ جسام؛ إذ أتت الحملة الفرنسيَّة، وما يُصاحبها من قتل ودسائس ومغامرات ومؤامرات، ولكنَّ الشيخ بحكمته تغلَّب على هذا، وكان في مقدمة زعماء الشعب، وواحدًا من أعضاء مجلس الشورى العشرة الذين تقرَّب بهم نابليون للشعب المصري، فقد عاش الثورة وانتفاضتها، وأبلى بلاءً حسنًا في حفاظه على الأزهر وحمايته. وارتفع إلى زعامة المقاومة الشعبيَّة، وطلب من الحاكم العدلَ بين الناس، ورفع الظلم، وإقامة الشرع، وإبطال المكوس "الضرائب"، ونزل الحاكم على رغبة كتابه، وأمر نابليون أنْ يُؤدِّي للعلماء التحيَّة العسكريَّة إجلالاً واحترامًا لهم، وتأثَّر نابليون أولاً بسلوك علماء الأزهر وعلى رأسهم الشيخ الشرقاوي، وتكرَّر إعجاب نابليون بالإسلام وتعاليم النبي محمد – عليه الصلاة والسلام – وبخاصَّة بعد عودته من الشام أعلن فيه أنَّه يحبُّ الدِّين الإسلامي، ويعظم النبي الأكرم ويحترم القُرآن، ويقرأ منه كلَّ يوم بإتقان، ومراده أنْ يبني مسجدًا عظيمًا بمصر لا نظير له في الأقطار الأخرى، وأنْ يدخل في دِين النبيِّ المختار – صلَّى الله عليه وسلَّم. وكان نابليون كثيرًا ما يُعلن رغبته في اعتناق الإسلام، ويذكر أنَّ في استطاعته حمل جنوده على اعتناق الإسلام بناءً على أمره، ثم طلب من شيوخ الأزهر في إحدى الجلسات أنْ يصدروا فتوى يدعون فيها الشعب المصري أنْ يُقدِّموا له الطاعة والولاء؛ فتصدَّى له الشيخ الشرقاوي طالبًا تنفيذ وعدِه باعتناق الإسلام، وحبَّب إليه هذه الخطوة وزيَّنها في قلبه، وقال له: "إذا اعتنقت الإسلام انضَوَى تحت لوائك مائة ألف جندي عربي، وتستطيع أنْ تفتَحَ بهم الشرق". الشيخ المراغي.. الإصلاح والتجديد كان الشيخ المراغي معنيّا بقضية الإصلاح والتجديد، مترسماً في ذلك خطى أستاذه محمد عبده، واهتم بإصلاح الأزهر والقضاء، لتحقيق العدل والإصلاح بين الناس، وكان يتبع أسلوبا جديدًا مع المتقاضين، حين كان يحاول أن يوفق بينهما دون اللجوء للتقاضي، وكان يرى أن القاضي يستمد أحكامه وقدراته من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، ولا سلطان لأحد عليه سوى الله ثم ضميره حتى يستطيع أن يؤدي رسالته في العدالة بين الناس دون الخوف من أحد، حتى ولو كان الحاكم أو السلطان. وكان الإمام المراغي يرى أن إصلاح القانون إصلاح لنصف القضاء؛ لذلك شكل لجنة برئاسته تكون مهمتها إعداد قانون يكون الركيزة الأساسية للأحوال الشخصية في مصر، ووجه أعضاء اللجنة المكلفة بإعداد القانون بعدم التقيد بمذهب معين، حيث كان القضاة لايحيدون عن مذهب الإمام أبي حنيفة، الذي كان معمولاً به في ذلك الوقت، إلى غيره من المذاهب، لكن الإمام المراغي كان يرى ضرورة الأخذ بغيره من المذاهب إذا كان فيها ما يتفق مع المصلحة العامة للمجتمع. وقال لأعضاء اللجنة: "ضعوا من المواد ما يبدو لكم أنه يوافق الزمان والمكان، فالشريعة الإسلامية فيها من السماحة والتوسعة ما يجعلنا نجد في تفريعاتها وأحكامها في القضايا المدنية والجنائية كل ما يفيدنا وينفعنا في كل وقت". الشيخ عبد المجيد وحرمة الرقص تولى سليم عبد المجيد مشيخة الأزهر في 2 من ذي الحجة 1346ه الموافق 22 مايو 1928م، وقضى الشيخ عبد المجيد سليم في منصب المفتي قرابة عشرين عامًا، كأكبر مدة قضاها عالم من علمائنا في منصب المفتي، وكان تمسكه بالحق ودقته في الفتوى وراء هذه الفترة الطويلة في المنصب. خلال حكم الملك فاروق أصدرت الحكومة قرارا بإنقاص ميزانية الأزهر في الوقت الذي كان الملك يستجم في جزيرة إيطالية "كابري"، ما أغضب الشيخ عبد المجيد سليم، وقال عبارته الشهيرة "تقتير هنا وإسراف هناك"، وأوشى به المحيطون بالملك، واعتبروا قول الشيخ نقدا للملك وسياساته، وطالبوا بعزله حتى ترك المنصب بالفعل في سبتمبر 1951. ثم أعاده الملك مرة أخرى لمنصبه في مشيخة الأزهر في فبراير 1952، لكنه لم يستمر طويلا فاستقال بعد يوليو 1952، تحديدا في سبتمبر، وحاولت الحكومة وقتها إثناءه عن قراره لكنه رفض الاستمرار. سألته إحدى المجلات المعارضة للملك عن مدى شرعية إقامة الحفلات الراقصة في قصور الكبار، وأثناء إقامة الملك فاروق حفلا راقصًا فى قصره بعابدين، واستشعر بعض المفتين الحرج نظرًا لأن الفتوى تغضب الملك، فما كان من الشيخ عبد المجيد إلا أن قال "إن المفتي إذا سئل لابد أن يجيب مادام يعلم الحكم". وأصدر الشيخ فتواه بحرمة الحفلات، ونشرت مجلة المصور الفتوى مؤيدة بالأدلة الشرعية، وحدثت الأزمة بين الملك والمفتي الذي كانت فتواه سببا في إحراج موقفه السياسي، ومن مواقفه أيضا رفضه لمحاولة الملك استبدال أراض له جرداء بأخرى خصبة من أملاك الأوقاف، وطلب منه الفتوى لكن الشيخ أعلن بوضوح أن الاستبدال باطل ولا يجوز.