بدأت شرارة معركة حجارة السجيل، وهي الحرب الثانية مع الكيان الصهيوني، في 14 نوفمبر عام 2012، عندما أقدمت قوات الاحتلال على اغتيال نائب القائد العام لكتائب عز الدين القسام، أو كما كان يطلق عليه رئيس أركان حركة حماس أحمد الجعبري، فجاءت المعركة كرد سريع على هذا الاغتيال الصهيوني، رغم أن غزة لم تكن قد تعافت بعد من الدمار الذي لحق بها في حربها الأولى مع قوات الاحتلال في عام 2008، إلا أن تنامي قوة حماس المطرد كان مبررا كافيا لقيادات الكيان الصهيوني كي تغتال الشهيد الجعبري، فكما قال رئيس أركان حرب الاحتلال في حينه، بني جانتس، إنه "من الخطأ الأساسي القول إنّ الجعبري قد اغتيل في الرابع عشر من نوفمبر 2012، ففي ذلك الوقت نُفذ الاغتيال الماديّ نفسه فقط، لكنّه كان مستهدفًا لنا قبل ذلك بزمن طويل"، ليُعلن الكيان الصهيوني بذلك بداية عدوانه على غزة فيما أسماه بمعركة "عمود السحاب"، ليرد الفلسطينيون بعملية "حجارة السجيل" التي استمرت 8 أيام واستشهد فيها 154 فلسطينيا، وألحقت أضرارا جسيمة بالكيان الصهيوني. التجديد في بنية المقاومة الفلسطينية على مستوى التنظيم وتطوير المنظومة الصاروخية كان واحدا من أبرز العوامل التي مكنتها من الانتصار على قوات الاحتلال، فانتصار المقاومة الفلسطينية خلال هذه المعركة لم يأتِ من فراغ، بل جاء عبر تاريخ طويل من المحاولات المضنية في إيجاد قوة ردع صاروخي تضفي نوعا من توازن القوى في حربها مع الاحتلال الغاشم، فالعدو الصهيوني لم يكن يدرك حين انطلقت أول قذيفة صاروخية من قطاع غزة تجاه الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، أن «موازين الردع» يمكن أن تنقلب لصالح المقاومة الفلسطينية بفعل هذه الصواريخ وانعكاساتها. لم يكن طول الصاروخ يتجاوز في ذلك الحين 70 سم ومداه 3 كيلومترات، لكنه أكسب المقاومة تكتيكا جديدا يضاف إلى جانب العمليات الاستشهادية واقتحام المغتصبات وإطلاق النار، حيث تطور الصراع إلى مستوى آخر، ويرجع الفضل في تصنيع هذه الصواريخ للشهيد القائد في القسام عدنان الغول، الذي دائما ما يكون حاضرا وبقوة في كل حديث يدور حول القوة الصاروخية التي باتت تمتلكها المقاومة الفلسطينية، فهو أحد أكبر مهندسي التصنيع في كتائب عز الدين القسام، وصاحب الفضل في التطور النوعي لصواريخ "القسام"، قبل أن يغتاله الاحتلال في 21 أكتوبر عام 2004 الماضي. انطلق المشروع الصاروخي من صاروخ «قسام1»، ثم تطور على نحو متسارع، فأصبح «قسام 2»، واستخدمته المقاومة لأول مرة في فبراير 2002 بمدى يصل ل9 كيلومترات، وفي عام 2005 أُعلنت المقاومة عن تصنيع صاروخ «قسام 3»، بطول قرابة 3 أمتار بمدى يصل إلى 17 كيلومترا، أي إلى حدود مدينة عسقلان المحتلة، وما هي إلا سنوات قليلة حتى غدت صواريخ القسام محلية الصنع نقطة تحول فارقة في تاريخ الصراع مع الاحتلال، وأصبحت في نسخها المطورة متوسطة المدى وبعيدة المدى يحسب لها الاحتلال ألف حساب، ففي الحروب الثلاث التي شنتها إسرائيل ضد غزة خلال السنوات الماضية، بدأت تظهر صواريخ المقاومة فخر الصناعة القسامية، لتقارع الكيان الصهيوني وتهز أركانه في عمليات الرد، رغم ما يمتلكه الاحتلال من عتاد ومعدات متطورة. تطور نوعي برهنت معركة حجارة السجيل على أن المقاومة الفلسطينية تتمتع بقدرات هائلة تمكنها من الرد على اعتداءات العدو الصهيوني، حيث قصف الفلسطينيون قلب الكيان "تل أبيب"، وهو أول تطور نوعي للصواريخ محلية الصنع التي أصبحت تطال العمق الاستراتيجي للكيان الغاصب، وكان ذلك من خلال صواريخ جديدة لكتائب عز الدين القسام أعلنت عنها حماس خلال الحرب باعتبارها مفاجأة، وكانت المفاجأة صواريخ "إم75″، كأول صاروخ متوسط المدى يصل مداه لأكثر من 75 كيلومترا، وأسمته بهذا الاسم تيمنا بالشهيد القائد إبراهيم المقادمة، وجرى إطلاقه في 14 نوفمبر عام 2012، وقصفت به المقاومة مدينتي تل أبيب والقدسالمحتلة، وأعلنت أنها أطلقت خلال معركة حجارة السجيل 6 صواريخ إم 75، و6 صواريخ "فجر5″ باتجاه هرتسيليا شمال تل أبيب، وباتجاه القدسالمحتلة، و7 صواريخ باتجاه تل أبيب، وصاروخ على بئر السبع. واستطاعت الكتائب القسامية خلال المعركة ضرب مواقع الاحتلال منذ بدء العدوان ب1573 قذيفة صاروخية، واستهدفت طائرات الاحتلال المتواجدة بالمطارات وبوارجه وآلياته، أما سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي، فقالت إنها أطلقت 600 صاروخ، من بينها صواريخ فجر5، وكورنيت بر بحر وC8K لأول مرة، بالإضافة إلى صواريخ غراد وقدس و107 قذائف هاون. وأعلنت ألوية الناصر صلاح الدين، الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية، عن إطلاق ما لا يقل عن 280 صاروخا وقذيفة هاون، بينما قالت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إنها أطلقت 245 صاروخا وعشرات قذائف الهاون، وقالت كتائب المقاومة الوطنية الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إنها أطلقت 150 صاروخا وقذيفة، وتبنت كتائب الأقصى إطلاق 81 صاروخا منها 50 غراد، والباقي أقصى محلي الصنع، و107، وصاروخ سام 7. والجدير ذكره أنه كان هناك تواجد لصواريخ سورية وإيرانية في ساحة الصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني، وكانت المعابر بين مصر وفلسطين والتي يتم إغلاقها حاليا، كلمة السر في وصول هذه الصواريخ ليد المقاومة الفلسطينية. خسائر العدو ارتفعت حصيلة خسائر الاحتلال الصهيوني في المواجهة مع المقاومة الفلسطينية خلال عملية حجارة السجيل، حسب ما أعلنته فصائل المقاومة إلى 19 قتيلا منذ اليوم الأول لانطلاق العملية بينهم 9 جنود، كما أصيب 653 آخرون، بالإضافة إلى تضرر أكثر من 718 مبنى ومصنعا، وتدمير وإحراق نحو 240 سيارة، وتضرر 30 من مرافق ومؤسسات زراعية، فيما أعلن العدو أن عدد قتلاه 6 فقط. ومن الناحية النفسية فقد تم تحطيم الجانب النفسي للمستوطن الصهيوني الذي لم يعتقد ولو لوهلة بأنه سيحتاج إلى الملاجئ المحصنة تحت الأرض، ليختبئ فيها من صواريخ المقاومة التي بدأت في التوافد على مناطقهم التي كانت آمنة، أما على صعيد الخسائر المادية فقدر خبراء اقتصاد صهاينة أنه بعد مرور أسبوع على بدء الحرب ضد غزة، تكبد الاقتصاد الصهيوني خسائر تُقدر ب3 مليارات شيكل، وذلك في وقت كانت تعاني فيه الميزانية الحكومية من عجز متفاقم. الخسائر الاقتصادية تم تقديرها بملياري شيكل تكلفة نفقات الحملة العسكرية على غزة، ونفقات أخرى غير عسكرية تقدر بمليار شيكل، وهي خسائر مباشرة للحرب، يضاف إليها إقرار حكومة العدو بإضافة 750 مليون شيكل لميزانية الدفاع لشراء بطارية جديدة لمنظومة القبة الحديدية، كما كلفت كل هذه الصواريخ التي تم إطلاقها نحو الكيان الصهيوني حكومة الاحتلال نحو 30 مليون دولار، لتشغيل نظام اعتراض القبة الحديدية للصواريخ التي أثبتت فشلها الذريع، أما الخسائر غير المباشرة للحرب كالأضرار بقطاع السياحة وفي شتى المرافق الاقتصادية الأخرى، فهذه حتى الآن غير معروفة على وجه التحديد، لكنها تصل إلى مئات ملايين الشواكل. عوامل الانتصار بناءً على المثل القائل "من فمك أدينك"، فكما أن تقرير الكيان الصهيوني "فينوغراد" الذي اعتبرت فيه أن الحرب على لبنان مثلت إخفاقا كبيرا وخطيرا للاحتلال كان من أكبر الدلائل على انتصار حزب الله في حرب تموز 2006 مع العدو الصهيوني، فاستقالة وزير الدفاع الصهيوني السابق إيهود باراك، كانت من أكبر البراهين على انتصار المقاومة الفلسطينية على قوات الاحتلال خلال معركة حجارة السجيل عام 2012، حيث تمكنت المقاومة من سطر صفحات عز وانتصار جديدة في تاريخ القضية من خلال دورها المتميز بالميدان، وصدت العدوان على قطاع غزة بمعركة "حجارة السجيل" لتهزم عملية "عمود السحاب" الصهيونية، والتي لم تحقق أهدافها مطلقا. عوامل كثيرة تضافرت لتحقيق هذا الانتصار، حيث تداركت المقاومة الفلسطينية الضربة الأولى باغتيال نائب القائد العام لكتائب القسام أحمد الجعبر"، ثم عمدت إلى توحيد صفوفها وتنفيذ رد مشترك على الجريمة والعدوان الصهيوني، وكانت مفاجأتها للعدو من خلال الأسلحة الجديدة المتمثلة في صواريخ بعيدة المدى التي ضربت تل أبيب والقدس لأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، ليس هذا فحسب بل واصلت المقاومة إطلاق الصواريخ بوتيرة متصاعدة طوال أيام العدوان، بالإضافة للكثافة النارية المنسقة في وقت واحد، قابله فشل سلاح الجو الصهيوني في ضرب غالبية منصات الصواريخ ومجموعات المقاومة التي تطلقها، وذلك من خلال الإعداد المسبق والمحكم من قبل المقاومة للمعركة، والتي جعلت العدو يتخبط ولا يجد أهدافا عسكرية فاعلة للمقاومة يمكنه ضربها، كما أن الانعقاد الدائم لقيادة الأجهزة العسكرية للمقاومة الفلسطينية لا سيما "كتائب القسام" على مدار الساعة والقيام بتوجيه المقاتلين. لم يقتصر العمل المقاوم لفصائل المقاومة الفلسطينية على ضرب آليات وحشود الاحتلال الصهيوني في تخوم قطاع غزة، بل تنوع هذه المرة حتى وصل إلى عرقلة سلاحي البحرية والجو التابعين للكيان الصهيوني من خلال ضربهما بالصواريخ الموجهة لأول مرة في تاريخ المقاومة. النصر في المعركة واكبه الإعلام الفلسطيني المقاوم، حيث قدم الجهاز الإعلامي للمقاومة -والإعلاميون الفلسطينيون بشكل عام- عملا بطوليا لا يقل أهمية عن عمل المقاومة العسكرية على الأرض، بل كان رافعة في تسريع النصر من خلال بث صور ومقاطع مصورة لعمليات المقاومة التي دمرت الروح المعنوية لمستوطني الاحتلال وجنوده، ورفعت الروح المعنوية للفلسطينيين. حققت معركة حجارة السجيل التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال ولأول مرة نصرا واضحا ضد الكيان الصهيوني المحتل وقادته الذين اعتقدوا أن فوزهم في الانتخابات سيكون على حساب دماء الشعب الفلسطيني كما كان يحدث في كل انتخابات برلمانية خلال السنوات السابقة، كما أبدعت المقاومة في تقديم مستوى راقٍ وغير مسبوق من الأداء في كافة الميادين أثناء المعركة أربكت خلالها حسابات الاحتلال الصهيوني، وشهد برقّي أدائها العدو قبل الصديق، وبرهنت المقاومة الفلسطينية للعالم أن غزة لن تقبل بعد اليوم أن يعتدى عليها وتظل مكتوفة الأيدي.