تجاهلنا الإشارات فأتت النتائج بما لا تشتهي السفن، وباتت قاب قوسين أو أدنى من الغرق! لم نستقبل بالأمس رسائل حملتها لقاءات السيسي التلفزيونية وأحاديثه الصحفية وتسريباته. فأعاد الرجل إرسالها اليوم سياسات وقرارات. عندها فقط أدركنا حجم المصيبة. اختراع الكفتة، وتسريب المصري اليوم كانا كافيين لإدراك أن السيسي لا يملك أي قيمة، ولا يحمل أي رؤية. لكننا صورنا أنيميا الرؤية بساطة. وفقر البرنامج رشاقة. والسذاجة عفوية. ودردشة المقاهي أحاديث رجل دولة! وروجنا جميعا للسيسي، لا هيكل وحده، باعتباره "رجل الضرورة"! ثم انتظرنا أن يبيض الديك! لدى تولي توني بلير رئاسة الوزراء ببريطانيا كتب صحفي إنجليزي يقول: حين كانت بلدنا شابة قادها الشيوخ. وحين شاخت أصبح يقودها الشبان. أما مصر فهي دوما حاكمها. تدفقت في أوصالها الحيوية عندما حكمها شاب ثلاثيني. وهمدت حركتها وسكنت تماماعندما توالى على حكمها الشيوخ. الرئيس الخمسيني لن يكون استثناءً للقاعدة، بل تثبيتا لها. وما يروجه الإعلام عن التنمية واستعادة الدور والنهضة تهويمات تنافس تهويمات السيسي عن نفسه. على مدار التاريخ كانت النخبة سببا رئيسا في نكبات الأمة. النكبة الأولى في ال48 سالت من قيح النخبة عندما أغفلت السرطان الصهيوني الذي تمدد على مدار عقود في أرض فلسطين. أما الكيان اللقيط فتعهدته بالرعاية منذ وقبل النشأة نخبة إمبراطوريات. رفعته إلى ما ارتفع إليه، وهبطنا نحن بأوطاننا إلى ما هبطنا إليه، لتتوالي النكبة تلو النكبة. قدموا لبلدهم الإخلاص والرؤى والاستراتيجيات.. وقدمنا الرطانة والتقعر والبلاغة الفارغة من أي معنى. لا ينمو التاريخ دائريا ولا يكرر نفسه، هذا في عوالم أخرى. أما في عالمنا فقد دار حتى سقط مغشيا عليه من فرط الإعياء. لتحيا بلداننا خارجه. وننتج اليوم نسخة كربونية لما أنتجه أسلافنا بالأمس! ما حملته الأعوام القليلة الماضية من أحداث ومفاجآت يفوق في كثافته ما جرى على مدار عقود مضت. لكن الغيمة السوداء لم تفرغ بعدُ باقي حمولتها. حمولة ملؤها الدم لا الماء! مصر اليوم خرابة تبرطع فيها الضباع والذئاب! قبر جماعي يعج بالأحياء! لذا لن يكف أن نخلع رؤوسنا ونرفعها اعتذارا. فما جنيناه على الوطن يهتز له عرش الرحمان. لم نجازف بموقف أخلاقي ندفع ثمنه. وكنا أول من حش البرسيم وأعطى العجل. ثم تبوأنا بكل وقاحة كرسي الأستاذية من شباب بُح صوته محذرا ومنبها ومنذرا فلم نسمع له. الذاكرة الرملية للناس قد تخط لنا طريقا معبدا للرجوع. لكن يبقى الضمير، إذا تبقى شيئا منه، حاجزا بيننا والعودة إلى سيرتنا الأولى. سيرة نقار الخشب الذي يقضي عمره كله- ودون وعي – في حفر أعشاش للحدآت والغربان. نقدنا اليوم لما غضضنا الطرف عنه بالأمس بكاء على لبن مسكوب من كوب أوقعناه نحن. الأجدى الاعتراف من ثم الاعتذار والانصراف. وهي دعوة إلى من جنوا جنايتي: ابراهيم عيسى وعبد الحليم قنديل.. أن ينصرفوا معي. انصراف لا يشبه ما فعله الأستاذ الذي تحدث بعد الاستئذان بأكثر مما فعل قبله! انصراف أراه "ضروريا" يقدم كاعتذار – غير كاف أو مجد – عن فتحنا صندوق باندورا الذي انطلقت منه كل الشرور في وجه الوطن! [email protected]