للديمقراطية والديكتاتورية بداية ونهاية واحدة معنى ولفظًا، وبينهم تحكم الشعوب باسم العدالة تارة والحرية تارة أخرى. على تلك الوتيرة عزفت أوركسترا تاريخ العالم الحديث سيمفونية العالم الحر على مسرح الاستعمار والوصاية. فعند البداية تتظاهر كل من الديمقراطية والديكتاتورية بتضاد المبادئ والسياسات وعند نهاية المنعطف تتفق المصالح والاستراتيجيات ليكون كلاهما مجرد وسائل متباينة الأسباب موحدة الغايات، تتبادل الأدوار على المسرح حسب المواقف والظروف. وعلى أعتاب هذا المسرح تزدوج المعايير والوسائل والغايات لتنهار أمامها كل المبادئ والأيدولوجيات المزعومة لتنتج سيمفونية الديموكتاتورية. لتكون الديمقراطية مجرد أداة لاتخاذ القرار كعلم وإجراء لا غاية وشعار، والديكتاتورية النفوذ والوجود كغاية لا إجراء، وإن اختلط على العالم الأمر. ورغم كل محاولات التنظير للديمقراطية إلَّا أنها لم ولن تتجاوز حيز التوصيف لا التدقيق. التوجيه لا القناعة، فهي بليغة باللفظ مجردة بالمعنى. فحجم المعاملات التجارية والتحركات العسكرية لأي دولة كفيل بأن يجعلها ديمقراطية أمام العالم. أما بالبحث عن توصيف دقيق للديكتاتورية سنجدها تسير في نفس التوصيف إلَّا أنها تزيد من حيث جمود الآليات والسياسات بعكس مرونة وتلون الأولى.. أي الديمقراطية. تلك الحالة من التوحد والتزاوج بين الأيديولوجيتين أنتج نظرية حكم جديدة للعالم لتكون الديموكتاتورية ثمرة حريات وحروب العالم. والديموكتاتورية كمصطلح ربما يبدو جديدًا علينا، لكنه قديم الصفة في طبائعنا نحن العرب، فقد كان الواقع العملي لها يتمثل في أنظمة الحكم العشوائية التي انتجت بقصد أو بدون أنماطًا سياسية واقتصادية مشوهة، تتشابه في ملامحها مع الديموكتاتورية التي نحاول توصيفها. ويقول جمال حمدان عن ذلك في كتاب "شخصية مصر": "وسواء كانت مصر أم الدنيا أو أم الديكتاتورية, أو كان حاكم مصر هو أقدم أمراضها كما يذهب البعض, فلا شبهة في أن الديكتاتورية هي النقطة السوداء الشوهاء في شخصية مصر بلا استثناء, وهي منبع كل السلبيات والشوائب المتوغلة في الشخصية المصرية حتي اللحظة, ليس على مستوى المجتمع فحسب ولكن الفرد أيضًا, لا في الداخل فقط، لكن في الخارج كذلك. ولقد تغيرت مصر الحديثة في جميع جوانب حياتها المادية واللامادية بدرجات متفاوتة, إلَّا نظام الحكم الاستبدادي المطلق بالتحديد والفرعونية السياسية وحدها, فهي لاتزال تعيش بين (أو فوق) ظهرنا بكل ثقلها وعتوها، وإن تنكرت في صيغة شكلية ملفقة هي الديمقراطية الشرقية أو بالأحرى الديموكتاتورية. والمؤكد أن مصر المعاصرة لن تتغير جذريًّا ولن تتطور إلى دولة عصرية وشعب حر إلَّا حين تدفن الفرعونية السياسية مع آخر بقايا الحضارة الفرعونية الميتة. ومن وحي ما كتب حمدان يمكننا أن نلقب الديموقراطية الشرقية بال(ديموكتاتورية) والتي هي حقيقة بكل أسف لا تحتاج لدليل. لتكون ديمقراطيات العرب مجرد شعارات منقوصة الدوافع مجهضة بدعم الخارج. مؤجلة باسم الضرورة، أو مستهلكة بالصراع، وليس هذا بموجب جهل الشعوب أو ثوراتهم العاجزة، بقدر ما هو قصور في نظرية وفلسفة الحكم والإدارة فيها، والتي جعلت من الدولة نظامًا ومن الثورة هتافًا. ومن الموروث مستقبلًا ومن الدخيل عليها والمستورد إيديولوجيات تتصارع؛ ليصبح الوصول للحكم غاية في ذاته لا مشروعًا. [email protected]