حرب غاشمة لا تفرق بين حجر وبشر تشنها التنظيمات الإرهابية على التاريخ والحضارة السورية، حرب أقل ما يقال عليها أنها تستهدف التراث والحضارة السورية المدرجة على قائمة التراث العالمي. قال رئيس هيئة الآثار السورية "مأمون عبد الكريم"، إن مقاتلي تنظيم "داعش" نسفوا معلم "قوس النصر" الأثري الشهير الذي يبلغ عمره ألف عام، وقال "عبد الكريم"، "تلقينا معلومات ميدانية مفادها أن قوس النصر دُمر الأحد، وكان تنظيم داعش قد فخخه قبل أسابيع"، مضيفاً "نعرف أن تنظيم داعش فخخ معالم أخرى، إنهم يريدون تدمير المسرح، ونحن نخشى على مجمل المدينة الأثرية". "قوس النصر" يعود إلى عهد الدولة الرومانية، حيث بني بين عامي 193 و211 ميلادي، وهو من الآثار الرئيسية في مدينة تدمر الأثرية بسوريا، كما أنه يعد جوهرة في مجموعة الآثار الرائعة في تدمر، ويطلق عليه أسم "أيقونة تدمر"، ويقع في مدخل شارع الأعمدة في هذه المدينة التاريخية، وهو عبارة عن بوابة ذات ثلاثة مداخل، فوقها قوس مزين بنقوش هندسية ونباتية، ويحيد عن الشارع المستقيم نحو 30 درجة ويأخذ شكل شبه منحرف. "قوس النصر" لم يكن الحلقة الأولى ولا الأخيرة في مسلسل داعش التدميري للأثار السورية، حيث سبقه العديد من الأثار المدرجة على قائمة التراث العالمي ومعظمها في مدينة "تدمر". في 4 سبتمبر الماضي دمر تنظيم "داعش" الإرهابي، 3 مدافن أثرية على شكل أبراج وهي "جمباليك وإلاله بل وكيتوت"، وسبق ذلك تفجيره في 23 أغسطس معبد "بعل شمين" الشهير في المدينة، وهو معبد يقع في الحي الشمالي للمدينة فوق أنقاض معبد أقدم منه، يتألف بناؤه من الحرم وساحتين شمالية وجنوبية تحيط بهما الأروقة، وأمام الحرم عتبة تحمل 6 أعمدة وجبهة مثلثية، ودخلته بعض العناصر المعمارية الإغريقية والرومانية. في الأول من سبتمبر الماضي أظهرت صور الأقمار الصناعية للأمم المتحدة تدمير داعش معبد "بل"، الذي يعتبر جوهر مدينة تدمر الأثرية في سوريا، ووصفت اليونيسكو ذلك حينها بأنه "جريمة لا تغتفر بحق الحضارة"، ليصبح بذلك ثاني معبد يدمره تنظيم "داعش" في غضون أسبوع في المدينة الأثرية. ويعد معبد "بل" في تدمر أبرز معالم هذه المدينة الأثرية الملقبة ب "لؤلؤة الصحراء"، وقد استغرق بناء هذا المعبد، الذي كان يزوره قبل بدء النزاع في البلاد نحو 150 ألف سائح سنويًا، نحو قرن من الزمن إذ بدأ تشييده في عام 32 وانتهى في القرن الثاني. في 2 يوليو الماضي دمر التنظيم الإرهابي تمثال "أسد اللات"، الذي كان موجودا في حديقة متحف مدينة تدمر، وهو قطعة فريدة بارتفاع أكثر من 3 أمتار وتزن قرابة 15 طنًا. لم تقتصر جرائم "داعش" على الحجر فقط بل وصلت إلى البشر أيضًا، حيث أعدم التنظيم المتطرف عالم الآثار "خالد الأسعد" البالغ من العمر 82، وعلقوا جثمانه في ميدان عام في تدمر في أغسطس الماضي، حيث كان يعمل "الأسعد" في مجال الحفريات والبحوث في آثار المدينة، وظل مديرا للآثار لمدة أربعة عقود، ونال عدة أوسمة من بلدان مختلفة، وله حوالي 40 مؤلفًا عن الآثار في تدمر وسوريا والعالم عامة، وأرجعت تقارير إعلامية سبب قتل التنظيم المتطرف ل"الأسعد" إلى رفضه الكشف عن الأماكن التي خبئت فيها بعض من كنوز المدينة. تدمير وقصف الأثار السورية عامة وفي مدينة "تدمر" على وجه التجديد، لم يمنع التنظيم الإرهابي من نهب العديد من الأثار أيضًا التي يمكنهم بيعها والاستفادة من ارباحها في تمويل عملياتهم الإرهابية، حيث حذرت المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو "إيرينا بوكوفا" في وقت سابق من أن تنظيم داعش يقوم بعمليات نهب واسعة النطاق للآثار في سوريا فضلًا عن عمليات الهدم والنسف، وأضافت "بوكوفا" إن صورًا بالأقمار الصناعية أظهرت تدفق قطع أثرية إلى أسواق غير شرعية. سيطر عناصر التنظيم الإرهابي في مايو الماضي على المدينة الأثرية، ومن يومها لا يمر يوم إلا وتزداد جرائمهم ضد الحضارة التاريخية السورية، وفي المقابل تتجدد الاشتباكات يوميًا بين الجيش السوري ومسلحي "داعش" في محيط منطقة تدمر وسط سوريا، حيث تحاول القوات السورية والحكومة إعادة السيطرة على مدينة "تدمر الأثرية" التي تستغيث من أعمال الإرهابيين فيها، في محاولة لإنقاذ ما تبقى فيها من أثار وتاريخ وحضارة سورية لا تزال بعيدة بعض الشيء عن أيدي أعداء الحضارة.