في تطور جديد للأزمة السورية أعلنت موسكو رسميًا عن التحرك العسكري الروسي في سوريا، متمثلًا في التفويض الذي حصل عليه الرئيس فلاديمير بوتين بالإجماع من المجلس الاتحادي باستخدام القوة العسكرية خارج البلاد، تفويض أكدت موسكو أنه يشمل القوات الجوية فقط وأن التحرك العسكري يرتبط بأمنها القومي ويأتي بعد طلب طلب من دمشق. أبعاد التفويض الروسي تترجمت مع إعلان وزارة الدفاع شن أولى الغارات الجوية ضد مواقع لتنظيم داعش، مضيفة أنه تم تدمير مخازن أسلحة وتجهيزات تابعة لها، فيما أفادت معلومات أن الضربات نفذت بعد الطلب من واشنطن إخلاء المجال، وقال سيرجي إيفانوف رئيس الإدارة الرئاسية الروسي: "نحن نتكلم حصرا عن عمليات للقوات الجوية الروسية وخيار استخدام القوات البرية تم استبعاده، أهم شيء هو أننا نتحدث عن سوريا تحديدا وليس أهدافا وطموحات سياسية دأب شركاؤنا الغربيون على اتهامنا بها". ومهد بوتين مهد لتنفيذ هذه الضربات على الأرض بالقول أن الطريق الصحيح لمحاربة الإرهاب في سوريا يتمثل في ضربات وقائية ضد الارهابيين دون انتظار عودتهم الى بلدانهم. الكثير من الخبراء أكدوا أنّ روسيا عازمة على حماية قاعدتها العسكريّة شبه الوحيدة خارج إطار دول الإتحاد السوفيتي السابق، وأنّها مُصرّة أيضاً على توفير كل الدعم المطلوب لحماية الخط الإستراتيجي الذي فرضه الجيش السوري ميدانياً بعد نحو أربع سنوات من المعارك الشرسة، والذي بات يُعرف بإسم "الدولة السوريّة الساحليّة" والتي تضمّ 25 % من إجمالي مساحة سوريا، مع وجود نحو 75 % من السكّان السوريّين فيها، و80 % من مختلف المصانع والمعامل والمواقع الأساسيّة للدولة. ويرى الخبراء أن روسيا تهدف من ضربتها في سوريا إلى توجيه رسائل حازمة إلى قوى المعارضة السورية بأنّها عازمة على الدفاع عن حليفها بكل الوسائل بما فيها القوّة العسكرية، وكذلك إلى دول العالم الغربي بأنّها لا تقبل بالمشاريع الرامية لفرض أيّ شروط مُسبقة قبيل انطلاق أي محادثات تسوية، مثل تنحّي الرئيس بشار الأسد كشرط مُسبق أو ما شابه، وبموازاة دعم حليفها السوري، لم تتردّد روسيا في رفع دعمها لحليفها الإقليمي الثاني المُتمثّل في إيران. وفي دراسة الأبعاد أيضًا يقول الخبراء إن روسيا تحاول ملاقاة الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبيّة والغربيّة عُموماً، في مسألة تشكيل حلف دَولي لمُحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي خاصة أن واشنطن لم تضم موسكو وحلفائها إلى التحالف الذي تم تشكيله، على الرغم من أن روسيا تعتبر ملف الإرهاب في سوريا خطراً جدّياً يتهدّدها وعليها مواجهته في مهده، لاسيما وأن جهاز الاستخبارات الروسي أحصى وجود نحو 2,000 عنصر يتحدّثون إحدى لغّات دُول الإتحاد السوفيتي السابق، يُقاتلون في كل من سوريا والعراق، وتُشكّل عودتهم إلى دولهم تهديداً مُباشراً وفورياً للمصالح الروسيّة. على صعيد متصل، شككت الولاياتالمتحدة وفرنسا بطبيعة المواقع التي استهدفتها الضربات الجوية الروسية في سوريا، وما إذا كانت تابعة ل تنظيم داعش أم للمعارضة، بينما رأت بريطانيا أن التحركات الروسية لا تتوافق مع التنفيذ الفعال للحرب على تنظيم داعش، وقال وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر إن ما تقوم به روسيا محكوم بالفشل وغير بناء، ورجح ألا تكون الضربات الجوية الروسية قد استهدفت تنظيم داعش خلافا لما أعلنته موسكو. من جهته، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن بلاده عبرت عن قلقها البالغ إذا ضربت روسيا مناطق ليست فيها أهداف لتنظيمي الدولة والقاعدة، ورأى أن "أية ضربات من هذا النوع ستضع علامات استفهام حول نوايا روسيا الحقيقية، وهل هي القتال ضد تنظيم الدولة أم حماية نظام الأسد"، غير أن البيت الأبيض كان أكثر حذرا في تعليقه على الموضوع نفسه، معتبرا أنه من المبكر تحديد المواقع التي استهدفتها الغارات الروسية.