لم تكتف القوى العالمية بما تعاني منه سوريا طوال خمسة أعوام، من صراعات داخليه بين الجماعات المتناحرة والنظام السوري ومقتل الآلاف وتدمير البلاد وهروب الملايين، فأرادت كل قوة فرض سيطرتها للتأكيد على نفوذها ومصالحها بالشرق الأوسط. بجانب ضربات التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة على مواقع لتنظيم داعش، قادت روسيا أول الضربات الجوية في سوريا أيضا أمس، في مسلسل هزلي لاستعراض القوة العسكرية بينها وبين أمريكا. الضربات التي قادتها روسيا لم تكن على مواقع لتنظيم داعش، بالرغم من تأكيدها على استهداف مواقع التنظيم، أعلنت المعارضة السورية والمرصد السوري لحقوق الإنسان، بجانب الخارجية الأمريكية أن روسيا قصفت مواقع المعارضة والمدنيين. وفي تطور عاجل اليوم، قررت وزارة الدفاع الروسية إشراك سفن الإنزال البحري للرد السريع المنتشرة في مياه المتوسط في العملية الجوية الروسية في سوريا، لحماية المنشآت العسكرية الروسية في طرطوس واللاذقية. ويدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن سوريا أهم وأخطر من أن تُترك ل"عناصر متطرفة" تهيمن عليها وتتحكم في مصيرها ومصير العراق ولبنان والأردن وربما أيضا تركيا، وتعتبر القضية السورية أهم معركة لها في البحر المتوسط لأنه بخروجها من هذه المياه فإنها تكون قد غادرت الشرق الأوسط كله بعد أن خرجت من ليبيا والعراق. ومنذ ضربات أمس، ويهاجم كلا الجانبين تصريحات الآخر، قال مسؤول بإدارة الرئيس باراك أوباما لشبكة أخبار "سي إن إن" إن روسيا "لا تستهدف تنظيم داعش في سوريا". ومن جانبه وصف وزير الخارجية الأمريكية "آشتون كارتر" الضربات ب"صب الزيت على النار"، فيما أعرب "ينس شتولتنبرج" الأمين العام لحلف الناتو عن قلقه من حدوث تضارب بين تحالف الولاياتالمتحدةوروسيا في قصف مواقع داعش. فيما اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تقارير بعض وسائل الإعلام الغربية حول سقوط ضحايا مدنيين بسبب الضربات الروسية في سوريا "هجوما إعلاميا". وقال بوتين خلال اجتماع لمجلس حقوق الإنسان اليوم الخميس، إن دولا أخرى تقصف الأراضي السورية منذ أكثر من عام "دون قرار صادر من مجلس الأمن الدولي أو طلب من السلطات السورية الرسمية بهذا الشأن"، مشيرا إلى أن روسيا تقوم بعمليتها في سوريا على أساس طلب دمشق وتنوي مكافحة التنظيمات الإرهابية تحديدا. وأشار الرئيس الروسي إلى أن موسكو مستعدة للحرب الإعلامية بشأن عمليتها في سوريا، قائلا: "المعلومات الأولى عن سقوط ضحايا مدنيين توفرت حتى قبل إقلاع طائراتنا". كما قال وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أن روسيا لم تبلغ بلاده بالغارات التي شنتها في سوريا، مؤكدا ضرورة حدوث تنسيق لتجنب وقوع اشتباك فوق سوريا، وذلك بعد أن أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن بلاده أبلغت دول التحالف الذي تقوده أمريكا ضد “داعش”. فيما قال مسؤول أمريكي، أن "الغارة الجوية الروسية قرب حمص في سوريا ليس لها أي هدف استراتيجي في محاربة داعش مما يظهر أنهم ليسوا هناك لملاحقة داعش". وتابع أن "الولاياتالمتحدة لا تنوي منع الغارات الروسية، والطائرات الروسية لم تحلق في المناطق التي تقوم فيها القوات الأمريكية بعمليات، فهم ليسوا أغبياء". وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اليوم الخميس، وفي مؤتمر صحفي عقده في نيويورك في ختام محادثات أجراها مع نظيره الأمريكي جون كيري، أنه ستكون هناك قنوات اتصال بين العسكريين الروس والأمريكيين بشأن الضربات الجوية في سوريا. بينما رأى مدير المركز الأوروبي للبحوث الاستراتيجية والأمن، كلود مونيكيه، قرار روسيا إطلاق عملية عسكرية جوية في روسيا، بأنه "يمثل خطوة إيجابية"، وفق ما أورد تلفزيون "روسيا اليوم." واعتبر مونيكيه، أن العملية الروسية سوف تساعد بالدرجة الأولى في ردع عناصر "داعش" وسواهم، وستعوق نشاطهم هنا أو هناك، بما يجعلهم يفكرون في كيفية الدفاع عن أنفسهم، عوضا عن التفكير في الهجوم، وستحول دون تنفيذ عملياتهم في أوروبا. ومن جانبه شكك المستشار العسكري لCNN، المقدم المتقاعد في الجيش الأمريكي، ريك فرانكونا، بصحة خطط موسكو لاستهداف تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سوريا، قائلا إنهم يرغبون بالحفاظ على النظام السوري الذي يضمن لهم بقاء قواعدهم بذلك البلد، في حين حذر خبير روسي بأن الهدف النهائي هو ضمان إسقاط العقوبات الغربية عن روسيا بحلول ديسمبر المقبل. وعن الطريقة التي يجب أن ترد عبرها أمريكا على هذا التطور قال فرانكونا: "الطريقة التي يتصرف بها الروس ودعوتها لنا إلى سحب طائراتنا عبر السفارة بالعراق ليست الطريقة التي يتصرف بها الشركاء، وهناك الآن في سماء سوريا الكثير من القوى وأي خطأ في التقدير سينعكس بالكثير من الخسائر، وسيكون هناك تنافس حتى يتضح معدن كل طرف." من جانبه، قال إيجور سوتيادجين، كبير الباحثين بالشؤون الروسية بمعهد الدراسات الروسية في لندن، إن الهدف الرئيس لبوتين ليس محاربة داعش أو إنقاذ الأسد بل حل مشاكله الخاصة قائلا: "بوتين يجيد الكذب وخداع شعبه، وهدفه ليس إنقاذ الأسد أو محاربة داعش، بل رفع العقوبات المفروضة على روسيا عند حلول موعد تجديدها في ديسمبر المقبل، باعتبار أنه سيقدم نفسه حليفا دوليا بالحرب على داعش ولا يمكن بالتالي لحلفائه العودة لمعاقبته."