تتجه المملكة العربية السعودية إلى وضع اقتصادي صعب يحتم عليها اتخاذ إجراءات لأول مرة في تاريخها، خاصة بعد أن انهكت الحرب في اليمن وأسعار النفط الاقتصاد السعودي، وهو ما قد يدفعها إلى الاقتراض الأمر الذي أثار قلق صندوق النقد الدولي. أشارت تقارير إلى أن الرياض سحبت حوالي سبعين مليار دولار من احتياطها النقدي نتيجة تكاليف عدوانها على اليمن، وتمويل جماعات متطرفة، وأحزاب وشخصيات ودول، إضافة إلى لعب دور محوري داخل منظمة "أوبيك" لخفض أسعار النفط، ما أدى إلى خلق عجز ضخم في الميزانية. قال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى السعودية "تيم كالن"، "السعودية رفعت حجم انفاقها بشكل حاد في السنوات الأخيرة، في وقت يبرز فارق كبير بين سعر تعادل برميل النفط والسعر الواقعي، ما يعني أن الحكومة السعودية تقع في عجز كبير جدًا في الميزانية يقدر بعشرين بالمائة بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي". العجز الكبير في الميزانية دفع بوزير المالية السعودية "ابراهيم العساف" إلى إعلان طرح صكوك وسندات جديدة لتمويل هذا العجز، كما دفع الرياض إلى طلب قرض من البنك الدولي. الوضع المالي الصعب الذي وصلت له المملكة العائمة على ثروة نفطية أثار قلق صندوق النقد الدولي، وهو ما دفعه إلى دعوة السعودية إلى إجراء تعديلات للحفاظ على المدخرات، إضافة إلى تقوية اطار عمل السياسة المالية، كما طالب بفرض ضرائب جديدة في البلاد، وتقديم إطار عمل شفاف ورسمي على مستوى الشركات العامة، ودعا الصندوق الرياض إلى إجراء تعديلات تصاعدية في أسعار النفط لتلبية الارتفاع في الطلب الداخلي. باتت السعودية أمام واقع رفع الدعم عن أسعار النفط لأول مرة في تاريخها، والمقدر بنحو ثمانين مليار دولًار سنويًا، في انعكاس واضح لحجم الضرر الذي أصاب اقتصادها والمشاكل التي شرحها صندوق النقد الدولي، حيث أشار إلى أن انخفاض أسعار النفط أدى لانخفاض الصادرات وبالتالي الإيرادات ما انعكس في العجز المالي وتراجع فائض الحسابات، كما أورد تقرير للصندوق أن توافد الايداعات على البنوك والمؤسسات الاعتمادية يسجل تراجعًا واضحًا. تقارير صندوق النقد الدولي لم تكن مفاجأة ففي نهاية العام الماضي أقر وزير المالية السعودي بصعوبة الوضع الاقتصادي للمملكة، حيث قال وزير المالية السعودى "إبراهيم العساف"، إن الحكومة لم تحدد بعد الخيار الأمثل لتمويل عجز الموازنة المتوقع فى عام 2015 عند 145 مليار ريال، أي ما يعادل 38.7 مليار دولار، وما إذا كانت ستلجأ للسحب من الاحتياطات الضخمة للمملكة أم للاقتراض فى ظل تدنى أسعار الفائدة. تصريح وزير المالية السعودي جاء في الوقت الذي أقرت فيه الحكومة السعودية ميزانية توسعية لعام 2015، ورفعت الإنفاق لمستوى قياسى، وقالت إنها ستمول عجزًا متوقعصا من الاحتياطيات المالية الضخمة، وهو ما يبدد المخاوف بشأن تأثر اقتصاد أكبر مصدر للنفط فى العالم بهبوط أسعار الخام، ووفقًا للموازنة التى أعلنتها وزارة المالية فقد توقعت الوزارة أن تبلغ النفقات العامة 860 مليار ريال أي ما يعادل 229.3 مليار دولار فى عام 2015، ارتفاعا من 855 مليارًا فى الموازنة الأصلية لعام 2014، والذى شهد أول خفض فى الإنفاق منذ عام 2002. وفي يوليو الماضي نشرت صحيفة الاقتصادية السعودية عن محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي "البنك المركزي" قوله، إن "المملكة أصدرت سندات بقيمة 15 مليار ريال أي 4 مليارات دولار هذا العام، لتمويل عجز الموازنة، وإنها تتوقع زيادة الاقتراض عبر السندات في الأشهر المقبلة، مضيفًا، أن السندات تهدف لسد العجز المتوقع أن يتجاوز التقديرات الأولية التي تبلغ 145 مليار ريال في ظل تزايد الإنفاق الحكومي واستمرار هبوط أسعار النفط، وأنه تم سحب 244 مليار ريال من الاحتياطي العام للدولة منذ بداية العام من أجل سد احتياجات الإنفاق الحكومي.