فليسمح لي القومي الرائع "ناهض حتر" بهذا الاقتباس (بتصرف) لعنوان مقاله بجريدة الأخبار اللبنانية "عشية النصر .. اشهد يا قلم"، حول الأزمة السورية وملامح الانفراج التي تتكون في الأفق. وليس مقالي هذا معارضا لمقاله، بلحاظ الموقف العام من الأزمة، ولا بلحاظ المنطلقات الفكرية. فأنا أوقن كالأستاذ "ناهض" تماما بانتصار سوريا. وإن كنت أكثر منه تحفظا بلحاظ التوقيت، فقد علمتنا سنوات الأزمة الخمسة ألا نفرط في الأمل حتى لا يفرط بنا اليأس! وألا نتعجل النصر فيعجل لنا بالإحباط! فمقالي ليس ردا على مقاله، ولكنه بمثابة شد الخط لآخره بتبيان ماهية النصر المرجو والمرتقب، أو هو ردٌ بمعنى التحية وردِّ التحية! كيف يتحقق النصر بالصبر؟ لماذا تجمع روسيا أطرافا من المعارضة السورية لا تأثير لها على الأرض؟ ولا تملك دلالا على العصابات المقاتلة في سوريا؟ ولماذا يكرر الرئيس الروسي دعوته لتحالف إقليمي يضم السعودية وتركيا مع الدولة السورية؟ وهو يعرف يقينا ما يواجه مثل هذا التحالف من تعقيدات، تجعله "معجزة" كما وصفه "وليد المعلم"؟ ولماذا يكرر حديثه عن التحالف الإقليمي خلال مؤتمره الصحفي مع الرئيس "السيسي"؟ ولماذا أجاب على سؤاله حول ما تردد عن إرسال قوات روسية لمحاربة داعش بأنه كلام "سابق لأوانه"؟ وأخيرا؛ كيف تغير الموقف السعودي فجأة من الاتفاق النووي مع إيران، بعد لقاء الملك "سلمان" مع "أوباما"؟ حتى خرج وزير الخارجية السعودي يعلن ارتياحه للاتفاق الذي يزيد من الاستقرار في الشرق الأوسط؟ بعد أن استطاعت الإدارة الأمريكية تمرير الاتفاق في الكونجرس؟ تلك الأسئلة يجيب بعضها بعضا ليرسم خريطة الانفراج للأزمة السورية. الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري على الأرض، وتماسك الدولة السورية بعد سنوات من الحرب الكونية عليها، مع ثبات موقف حلفاء سوريا في موسكو وطهران، لأن هؤلاء الحلفاء يدافعون عن أنفسهم في سوريا بالأساس، كل هذا غير المعادلات. بينما أثبتت العصابات التكفيرية أنها لعبة أخطر مما قدره أكثر اللاعبون بها تشاؤما! روسيا اليوم تتيح للأنظمة الراعية للإرهاب في تركيا والخليج العربي فرصة سياسية للاستدارة، مع حفظ بعض من ماء الوجه، بإعطائهم مبررات سياسية للاستدارة هي تغير موقف المعارضة السورية، واستفحال خطر الإرهاب، مع بعض التركيز الإعلامي على حالات إنسانية مثل حالة الطفل الغريق. وقد تم التوافق بين روسيا والولايات المتحدة بهذا الصدد في أغلب تقدير، وبدأت لغة الإدارة الأمريكية في التغير تدريجيا. بعد الاستدارة، ومن ثم قطع الروافد التي ترفد الإرهاب بمقومات الاستمرار من تركيا والسعودية وقطر وغيرهم، سيأت دور الحسم العسكري. وسيكون المعول الأساسي فيه على الجيش السوري كما كان دائما، ولكن هذه المرة سيكون هناك تحالف حقيقي لضرب الإرهاب، وليس لإعادة توجيهه كما يحدث حاليا. لهذا أجاب بوتين بأن التدخل العسكري "سابق لأوانه" ولم يقل أنه مستبعد! لأن التجهيز السياسي له لم يتم بعد. لماذا استخدمت أنا تعبير "الصبر" في عنوان مقالي ولم أستخدم تعبير "النصر" الذي استخدمه الأستاذ "ناهض"؟ يقينا أن كل ذرة بكياني تتعجل النصر كما يتعجله، ولكن طريق النصر هو الصبر الطويل، وألا يعترينا اليأس مع أي انتكاسة ميدانية مهما بلغ حجمها ومهما برح بنا ألمها. لقد صبر السوريون صبرا طويلا مريرا ومجيدا بذات الوقت، وهذا ما يشهد لهم به كل قلم قويم وكل قلب سليم!! ومازال أمامهم صبر طويل، حتى يتحقق النصر! فاشهد لشعب سوريا يا قلم، بأنهم شعبٌ لم ينم، ولم يضع بين لا ونعم! اشهد لهم يا قلم، بالصبر وبالصلابة وبإرادة الحياة، اشهد لهم بالبطولة التي تأبى الانكسار، وبالعزيمة التي تصنع الانتصار! اشهد لهم أنهم بين شعوب العرب نسيج وحدهم! وبأنهم عز عروبتنا وفخرها ودره تاجها! اشهد لهم يا قلم!