إنها الأيام الأولى من شهر رمضان .. لا تتعجب إذا وجدت "الريس حمام" ومعه معداته، يفرشها على الرصيف المقابل لمنزلك بمنطقة حي الشهداء في مدينة الإسماعيلية . ويتوافد العشرات في كل ساعة على فرش الريس " محمد حمام ،"والذي أصبح معروفًا في السنوات الأخيرة ليحصلوا على الكنافة والقطايف البلدي، وذلك يوميًا خلال شهر رمضان . قال " حمام " هذه مهنتي منذ عشرين عام بدأت فيها ك "هاوي"، في كل عام أحضر الصواني وأذهب لرئيس الحي واستخرج تصريح بالعمل وإشغال هذا المكان، وأعمل في كل موسم فقط… "وربنا بيراضيني " . وتعتبر " الكنافة والقطايف " تقليدًا مصريًا على مر العصور، ويفضلها الجميع للتناول في رمضان، فيؤكد " حمام " قائلًا "الكنافة دي فاكهة رمضان الناس بتستنى الكنافة البلدي من السنة للسنة، علشان ليها طعمها وخفيتها ومعمولة بالإيد… الناس بتحب الحاجات دي" . ويستطرد حمام، "الناس فعلًا بتستناها من السنة للسنة، والكنافة المكن على الرغم من أنها طول السنة، بس الكنافة البلدي مقدسة بالنسبة للناس" . ووصل سعر الكيلو هذا العام إلى 9 جنيهات مقابل 8 جنيهات للكيلو في العامين الماضي وقبل الماضي، فيما يؤكد حمام " الكنافة ملهاش أي زهوة إلا في رمضان زي الفانوس لا يوجد له أي قيمة إلا في شهر رمضان " . مهنة صانعي الكنافة البلدي معرضة للانقراض وأشار حمام لسبب ذلك قائلاً "مهنة صانع الكنافة مهددة بالانقراض علشان صعوبة المهنة، أنا علشان أطلع 2 كيلو احتاج ساعة وبالمقارنة بالماكينات بتطلع 10 كيلو أو 12″، وأضاف " اللي مخلي الكنافة البلدي مستمرة أن سعر المكن غالي، فالفرن مثلًا وصل ثمنه العام الماضي إلى 4 ألاف جنيه، والمكنة بحوالي 3 ألاف، والمكونات بتبقى غالية وإحنا ساعات يادوب بنطلع عرقنا وربنا بيرضينا" . معظم من يعملون مع حمام هم أهله ومن أبناء الإسماعيلية، إضافة إلى بعض الصنايعية المتخصصين، وتحظى كنافة عم حمام بالشهرة وسط الناس، ويأتي إليه الناس من كل أنحاء مدينة الإسماعيلية ليتذوقوها، بالإضافة إلى بيع القطايف والرقاق والجلاش . ويؤكد عم حمام، أن جميع منتجاته في متناول يد الجميع، فهو لا يلجأ لزيادة الأسعار على الزبائن طلبًا للربح أو لمجاراة أسعار الكنافة "المكن" . " سيد العيسوي " أحد العاملين مع العم حمام، قال: إنه يعمل منذ 20 سنة في هذه المهنة، مؤكدًا الناس تحب رؤية الكنافة البلدي فهو تقليد رمضاني أكثر منه شراء لحلوى" . فيما قال "محمد أحمد" أحد الزبائن: إن شراء الكنافة في رمضان أحد الطقوس الرمضانية، وما يجعله يشتري الكنافة البلدي، هو أنها تتميز بأنها خفيفة عن الكنافة المصنوعة بالماكينة، ويمكن تسويتها بأكثر من طريقة وليس بالطريقة العادية فقط، "تأكل حتى وإن كانت نية بالسكر أو بالسمن والعسل"، وهناك آلاف الوصفات التي تخرج منها . وتضيف "فاطمة عباس"، أنها قد تضطر للوقوف لساعات قبل الحصول على كيلو من الكنافة البلدية اللذيذة، فيما وصل الكيلو هذا العام إلى 9 جنيهات وهو غلاء أصبح معتادًا خلال السنوات الماضية . ويقول محمد علاء: إنه مع أول يوم لرمضان حرص على التوجه لأقرب مكان لبيع الكنافة للحصول عليها، فالأمر ليس له علاقة بالشراء والحصول على الحلوى أنه أشبه بالعادة . تعددت الروايات والطعم لا يقاوم، الجميع يختلف في الروايات عن أصل ظهور الكنافة والقطائف وسر اهتمام المصريين الغريب بها دون عن جميع البلدان العربية . فما بين تقديمها ل "معاوية ابن سفيان" مؤسس الدولة الأموية وصناعتها خصيصًا ل "سليمان بن عبد الملك الأموي"، فإن الرواية الثابتة أنها كما الفانوس تعود لوقت حكم الفاطميين لمصر والمغرب والشام . وبحسب بعض أساتذة التاريخ اتخذت الكنافة والقطائف مكانتها بين أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون٬ ومن لا يأكلها في الأيام العادية٬ لابد أن يتناولها خلال رمضان٬ وتغنى بها شعراء بني أمية، ومن جاء بعدهم ومنهم ابن الرومي الذي عُرف بعشقه للكنافة والقطايف٬ وسجل جانبًا من هذا العشق في أشعاره٬ كما تغنى بها أبو الحسين الجازر أحد عشاق الكنافة والقطايف في الشعر العربي إبان الدولة الأموية . وأصبحت بعد ذلك من العادات المرتبطة بشهر رمضان، وضيف دائم على الموائد في العصور التالية مثل الأيوبي والمملوكي والتركي والحديث والمعاصر حتى يومنا هذا، باعتبارها طعامًا لكل غني وفقير٬ مما أكسبها طابعها الشعبي .