أحمد السيد النجار استثناءٌ لقاعدة من النخبة، هي في بلدنا أصل الداء. يتوسط وحده نوعين من مثقفينا، نوع يتعاطى مع المجتمع والدولة بعقلية أيديولوجية مغلقة، أو طوباوية حالمة، تعكس جهله بالاثنين، المجتمع والدولة، ومصيره دوما الفشل والعزلة، ونوع آخر أصحابه هم الغالبية الغالبة في أيامنا هذه، ماسحي الجوخ، حملة المباخر. المتابع لكتابات النجار ومواقفه وتصريحاته يدرك أنه نموذج غير مسبوق بين كل من ترأسوا إدارة الأهرام، أعرق وأضخم المؤسسات الصحفية بمصر والوطن العربي، لا أحد غيره تبوأ هذا المنصب وامتلك الشجاعة في اتخاذ مسافة بينه وبين النظام. جرت العادة على أن من يرأس الصحف القومية بصفة عامة أن يلتصق بالنظام إلى حد مخجل، خاصة في ظل الأجواء الإرهابية التي نعيشها اليوم، أما النجار فيمارس نقده للسلطة وممارساتها القمعية وقوانينها المعيبة كما كان حاله معها قبل اختياره لهذا المنصب، بنفس اللغة الرصينة والأسلوب المهذب، ينقد ما استحق النقد في رأيه، ليقدم نصيحته إلى من يهمه الأمر، مثنيًا على ما رآه مستأهلاً لثنائه، فلا إفراط ولا تفريط. لم يعلن دعمه للسيسي بمولد الانتخابات، وقد أصبح رئيس مجلس إدارة أهم الصحف القومية، وهي لفتة تدل على نزاهة النجار وصرامة التزامه الأخلاقي، فالنخبة بأكملها تهافتت على تقديم السبت طمعا في الأحد، وعلى رأسها أبرز معارضي نظام مبارك: عبد الحليم قنديل وابراهيم عيسى، والجماهير بايعت في احتفالات صاخبة مدفوعة بحالة صنعتها أجهزة الإعلام للرئيس المرتقب، لذا لم يكن هناك مجال للحرج أو المزايدة في تأييد النجار له، لكنه لم يفعل، والتزم الصمت، كما يليق برجل وإن كان أهلا لكل مطمح، غير أنه لا يبلغها بما ينتقص منه. منذ تولى النجار منصبه كرئيس لمجلس إدارة الأهرام، شرع في فتح ملفات الفساد بالمؤسسة التي طالما نادى بفتح ملفات فسادها في عهد مبارك، ولم يلتفت إليه أحد. قدم الفاسدين بها للمحاكمة، وأوقف نزيف الخسائر، وسدد جزءا كبيرا من ديونها المتراكمة، وحصر الأموال التي للمؤسسة لدى غيرها وعمل على استردادها، ضابطا الأداء داخلها، كل هذا في ظل مجلس إدارة لا يطاوعه، وهجوم لا يتوقف من داخل الأهرام وخارجها. يواجه النجار حربا شعواء بمؤسسة عاشت وتعايشت مع الفساد لعقود طويلة، لذا يشق على الكثيرين بداخلها أن ينزع عنهم المنافع التي أسبغها عليهم ناهبو المال العام ممن ترأسوا المؤسسة عقودا طويلة ليغضوا الطرف عن نهبهم، كذلك فنموذجه الناجح في محاربة الفساد بالمؤسسة يخيف الفاسدين بصفة عامة خارجها. المعادلة غير المتكلفة في علاقة النجار بالسلطة، بحكم شخصيته؛ تثير سخط الجميع كذلك، فلا المعارضين – من شباب الثورة – راضون بها، ولا المؤيدين من المطبلين وماسحي الجوخ يستسيغونها، وقطعا ولا شبكة الفاسدين وأعوانهم وأذنابهم، الذين يثير سخطهم تولي رجل شريف كالنجار رئاسة مؤسسة بحجم الأهرام، وهو من جاهد على مدار سنوات طويلة بمقالاته ودراساته وكتبه الفساد والفاسدين ليدفع ثمن ذلك تهميشا داخل المؤسسة، ومنعا لكتاباته مرات عديدة. اليوم وهو يواجههم من موطن قوة لا يجد البائسون ما يواجهونه به غير صورة من هنا، وخطأ تحريري من هناك، ينسبونه إليه! لا أقف اليوم مع الدكتور النجار على أرضية واحدة، ولا أرغب في أن ينتقل إلى أرضيتي، فما يقوم به بمؤسسة الأهرام أكثر أهمية من لغة خطاب يريد السذج من معارضي النظام أن يُلزموا بها الجميع، أتمنى أن يستمر فيما يفعله، وأن يعضده الشرفاء في معركته ضد الفساد، فالرجل هو الممثل الوحيد ل25 يناير داخل مؤسسات الدولة، ونجاحه يعني أن 25 يناير قادرة لا راغبة فحسب.