كان تحرير سيناء محصلة لأداء عسكري وسياسي رفيع المستوي، فتح الباب أمام مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة، ومسار الصراع العربي الإسرائيلي ،وساعد في هذا التحرير أسماء كثيرة من أفراد المقاومة المدنيين والعسكريين، واغفل دور النساء والأطفال من البدو وأهالي سيناء في هذا التحرير . "البديل" تعرض دور أطفال ونساء أهالي سيناء، بعد مرور 33 عامًا على ذكرى عيد تحرير سيناء، ومثلت المرأة السيناوية والأطفال مصدر خطر على العدو الصهيوني خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة، إذ ضحت السيدات خلال تلك الحرب بأغلى ما يملكون فمنهن من ضحى بروحهن ومنهم بأبنائهن، وبكل عزيز وغالي من أجل رفعة هذا البلد وتحقيقها النصر، وإرجاع لها عزتها و كرامتها . وترصد "البديل" نماذج لبعض البطولات النسائية خلال حرب أكتوبر، فالنساء البدويات لسن مجرد راعيات أغنام مستسلمات، لكنهم سطروا تاريخًا من البطولات يجب أن نذكره دومًا، أمثال "فرحانة وفوزية" . "فرحانة" لم يقتصر دور الحاجة "فرحانة"، شيخة مجاهدات سيناء، على الدعم المعلوماتي للمخابرات الحربية المصرية، بل كان لها دور عملياتي مهم، فكانت بطلة عملية تفجير قطار السلاح والذخيرة الذي كان متجهاً لإمداد قوات العدو على خط السكة الحديد الواصل بين غزةوالعريش آنذاك . وكانت "أتواب" القماش التي تتاجر فيها هي وسيلة إخفاء الخرائط والرسائل السرية بين عملاء المخابرات الحربية في المنطقة الحدودية وبين ضباط الجهاز في مقر قيادته بالقاهرة . وقال "شوقي سلامة" نجلها الأكبر، إن أول عملية تقوم بها والدته هي عملية تفجير قطار في العريش، فقد قامت بزرع قنبلة قبل لحظات من قدوم القطار الذي كان محملاً ببضائع لخدمة جيش الاحتلال وبعض الأسلحة، وعدد من الجنود الإسرائيليين، وفي دقائق معدودة كان القطار متفجراً بالكامل، وتوالت العمليات بعد ذلك وكانت تترقب سيارات الجنود الإسرائيليين التي كانت منتشرة في صحراء سيناء، وقبل قدوم السيارة قامت بإشعال فتيل القنبلة وتركتها بسرعة أمام السيارة التي تحولت في لحظات إلي قطع متناثرة ومحترقة متفرقة . وأضاف "سلامة" ذات يومًا كانت "فرحانة" تحمل عدداً من القنابل مخبأة بطريقة خاصة أحضرتها من القاهرة للتوجه بها إلي العريش لتسليمها للمجاهدين الرجال، وقامت دورية إسرائيلية بتفتيش القارب الذي كانت على متنه مع عدد من زميلاتها، فأحست فرحانة أن تلك اللحظات ستكون الأخيرة في حياتها، فالمؤكد أن الإسرائيليين سيكتشفون القنابل المخبأة لديها وسينسفون رأسها بإحداها، لكن هدوءها ورباطة جأشها جعلا المفتشة الإسرائيلية تفتشها تفتيشاً سطحياً فلم تعثر على القنابل . وكانت قد عقبت الست فرحانة عن هذه الواقعة قائلة "بعد واقعة تفتيشنا من قبل القوات الإسرائيلية في مدخل مدينة العريش، وعدم تمكنهم من العثور على ما أخفيته من قنابل ورسائل للمجاهدين، تعودت على المجازفة، وأصبحت أعصابي قوية جداً، وقمت بتهريب القنابل والرسائل عشرات المرات بعد أن تم تدريبي جيداً من قبل عمليات تدريب" . ولدت فرحانة حسين سلامة زرعي يوم الجمعة الموافق 4 سبتمبر 1925 "15 صفر 1344 هجرياً"، وصعدت روحها إلى بارئها فجر الإثنين الموافق 11 أغسطس 2014 "14 شوال 1435 هجرياً"، عن عمر يناهز 89 سنة ميلادية، وأكثر من تسعين سنة هجرية . فوزية الهشة حكاية جديدة وبطلة جديدة نقشت في كتاب البطولات أسمها بأحرف من ذهب، هي المجاهدة "فوزية محمد أحمد الهشة" إبن عمها الشيخ "محمد الهشة، وهو كان همزة الوصل بينها وبين رجال المخابرات . الحاجة فوزية، كانت تحمل وزوجها رسائل ومفرقعات ويعبرون بها قناة السويس بقوارب بسيطة حتى يصلوا إلى العريشوسيناء، وأوضح أحد أقارب المجاهدة، إنها قامت ذات مرة بتوصيل جهاز اتصالات لأحد الرجال في العريش، وبعد عشر دقائق من خروج هذا الرجل من منزله متوجهاً بالجهاز خارج المنزل اقتحمت القوات الإسرائيلية منزل الرجل، وقامت بتفتيشه ولم تجد شيئاً فقد كان الله معهم في كل خطواتهم فنجاهم من الإسرائيليين في أخطر المواقف وأصعبها . وكشفت فوزية في إحدى تصريحاتها الصحفية، عن إحدي العمليات الفدائية التي قامت بها مع أخيها أحمد الهشة وزوجها سعيد أبوزرعي، فقالت قمنا ذات مرة بزرع عدد من الألغام في طريق الجورة وجاءت سيارة الدورية الإسرائيلية فمرت علي الألغام فانفجرت في الحال، وتحولت في دقائق معدودة إلي حطام . بعدها قامت القوات الإسرائيلية بالقبض علي زوجها وشقيقها واحتجزوهما في إحدي الوحدات العسكرية لمدة شهرين وأذاقوهما أبشع أنواع العذاب حتي تحولوا إلي حطام رجال وقاموا بسلخ جلدهما بالكي بالنيران لكي يعترفا بقيامهما بتفجير سيارة الدورية في منطقة الجورة وأنهما ينتميان لمنظمة سيناء . واضافت "فوزية" زوجي وأخي لم يعترفا حتي أشرفا علي الموت من الضرب والتعذيب فشعرت القوات الإسرائيلية أنها لن تأخذ منهما أي اعترافات وأنهما سيموتان من جراء التعذيب فتم تركهما أمام منازلنا. كانت المرأة السيناوية ترعى الإبل والغنم وتقوم بإخفاء أثار المجاهدين الذين يقومون بعمليات فدائية، كما كانت تستخدم زعف النخيل لمحو أي أثار للمجاهدين والفدائيين بسيناء وتصحب أطفالها معها وذلك لتمويه العدو . كما كانت تعد المرأة السيناوية من أهم وسائل الاتصال بين قيادات الجيش في القاهرة والجنود المرابطين على خط المواجهة وذلك من خلال الصليب الأحمر ، والتي استطعن أن ينقلن الرسائل والمعلومات السرية لجنود الجيش خلال فترة الحرب ، وكن محافظات على دقتها وسريتها خشية وقوعها في يد جواسيس . وكانت المرأة السيناوية توزع الخبز والدقيق على الجنود، وترعى الجرحى ، فضلا عن تركها أطفالها أياماً وليالي ذهبت خلالها للجبهة لتعطي الجنود الطعام . هذا ومن عظمة تلك المرأة والتي تعد حديدية أنها لم يقتصر دورها فقط علي أزاله اثر الفدائيين ونقل المعلومات ومراعاة الجرحى ونقل الطعام، بل إن البدويات ساهمن في توصيل السلاح والقنابل والمتفجرات للجنود المصريين، وأقدم بعضهن على زرع الألغام بأنفسهن في أراضي سيناء . ومن روعة تلك السيدة والتي مثلت أروع مثل لنساء العالم أجمع، أنهن أقمن معسكرًا تدريبياً قبل حرب أكتوبر، تعلمن فيه كيفية أطلاق النار واستخدام الأسلحة المختلفة ثقيلة ومتوسطة، فضلًا عن تعليمهن لكيفية إشعال فتيل القنبلة ، وطريقة زرع الألغام . وبذلك تمثل المرأة المصرية بصفة عامة والمرأة السيناوية بصفة خاصة سبب رئيسي وراء أنتصار حرب أكتوبر، وتحرير سيناء وتحقيق واسترجاع عزة وكرامة هذه البلد العظيمة .