مشهد تعود عليه كل من يمر على معهد الأورام بمنطقة فم الخليج، من زحام وغياب التنظيم. حتى لو لم تعرف أنك بمحيط معهد الأورام، فمجرد أن ترى العشرات من المرضى بصحبة ذويهم، سيدفعك المشهد للتساؤل: لماذا يفترش كل هؤلاء المرضى الأرض في الشارع وسط هذا الكم من التلوث البيئي والسمعي ودخان السيارات والأتربة والقمامة الموجودة في الشارع؟ وغيرها من الأسئلة التي لم يستطع مسئول أن يجيب عنها. هذا جزء من المشهد فقط من الخارج، ولكن الوضع في الداخل كان أشد إهمالاً، فالمرضى وأغلبهم من الأطفال لم يجدوا مكانًا لتلقي العلاج أو متابعة الجلسات سوى الطرقات والممرات، في ظل تهالك الجدران بالمعهد الذي يمر بحالة ترميم ربما تكون الرابعة أو الخامسة خلال الأربع سنوات الماضية. مرضى يعلقون المحاليل في محيط دورات المياه وبمجرد دخولك إلى عيادات الكشف، ترى العشرات من المرضى يجلسون في الطريق، بعضهم يعلق محلولاً بمحيط دورات المياه التي لا تصلح للاستخدام الآدمي؛ نظرًا لعدم توفر مكان لهم. ويتكرر المشهد في أكثر من حالة من المرضى الذين يجلسون على كرسي أو على درج السلم، ويعلقون المحاليل. تصنف أمراض السرطان والأوارم الخبيثة بأنها الأخطر، ويصاب ما بين 150 و200 ألف مريض سنويًّا في مصر بين طفل ومسن. ورغم أن أمراض السرطان أكثر شيوعًا في أوروبا والولايات المتحدة (حيث تبلغ نسب الحدوث 300- 500 حالة جديدة كل عام لكل 100000 نسمة) مقارنة بالدول النامية في إفريقيا وآسيا (وتبلغ نسب الحدوث من 100- 200 حالة جديدة كل عام لكل 100000نسمة) إلا أن هذه النسب ستنعكس خلال السنوات القادمة، مما يوِضح تفاقم المشكلة في دول العالم النامي ومنها مصر. ونظرًا لقلة الإمكانيات الطبية الموجودة في المستشفيات الحكومية، فإن أصحاب هذا المرض يتعرضون لسلسلة من المعاناة والإهمال، وسط تجاهل المسئولين، حيث تبدأ بعد اكتشاف المرض سلسة طويلة من الإجراءات والانتظار في طابور الروتين المصري. يأتون من المحافظات فجرًا ليقفوا 6 ساعات في طابور انتظار تحكي أم شيماء عن حجم المشقة التي تتعرض لها أثناء رحلة الكشف التي تتكرر أربع مرات في الأسبوع؛ للكشف على ابنتها (12 سنة)، وتبدأ بالخروج فجرًا من قرية "الوصل" إحدى قرى مركز أطفيح بمحافظة الجيزة، والتي تبعد 3 ساعات عن مقر معهد الأورام، بجانب أنها تأتي مبكرًا؛ حتى تستطيع الحجز لابنتها التي تأخذ جلستين. وتابعت أن المعهد بها جهازان أحدهما معطل؛ لذا فهي تنتظر دورها لمدة تتراوح بين 4 و6 ساعات، وهذه الرحلة تتكرر أربع مرات يوميًّا تبدأ من الفجر وتنتهي بين الرابعة والخامسة مساءً. وأكد عم أحمد الذي يأتي من إحدى قرى مدينة شبين الكوم لعلاج ابنه (4 سنوات) في المعهد منذ ما يقرب من سنة ونصف، بعد أن اكتشف مرض "الوحشة"، على حد تعبيره، أن الرعاية الصحية في المعهد بها الكثير من الإهمال وغياب التنظيم، بجانب أنه لا يوجد مكان ينتظرون فيه، فيضطرون إلى الجلوس في الشارع حتى يأتي دورهم في الكشف، ويظلون في الشارع وعلى الرصيف أكثر من 5 ساعات في كل مرة يأتون فيها. 2000 مريض يوميًّا.. والأجهزة معطلة.. والمبنى متهالك أحد الأطباء (فضل عدم ذكر اسمه) قال إن الوضع الصحي في المعهد غير مطابق للمواصفات الصحية، ولكن لا مفر، فالأعداد كبيرة والإمكانيات شبه معدومة، حيث يتردد المئات من المرضى يوميًّا، ويصلون في بعض الأوقات إلى 2000 مريض يوميًّا بين متابعة وكشف، بالإضافة إلى حالات الحوادث التي تأتي بشكل طارئ. وأشار إلى أن المقر القديم للمعهد الذي يمر بحالة ترميم الآن سوف يخفف الكثير من الضغط والحالات التي تفترش الأرض والطرقات لتلقي العلاج إذا تم الانتهاء منه قريبًا. وأضافت طبيبة أخرى تعمل في المعهد أن معهد الأورام له طبيعة خاصة في التعامل، سواء من حيث المرض أو الإمكانيات التي تتوفر في المقر من أدوية أو أجهزة أو حتى حالة المبنى المتهالك الذي يخضع كل فترة للترميم، بعد أن حذرت بعض التقارير الهندسية من أن المبنى آيل للسقوط. وتابعت أن الروتين المصري هو أحد أسباب تدني مستوى الخدمة بالمعهد، وأن تعطل أي جهاز يحتاج إلى قائمة طويلة من الإجراءات القانونية؛ حتى يمكن إصلاح هذه الأجهزة. أما بخصوص المرض فهو من أكبر الأمراض التي تصيب المصريين من حيث العدد، وتدخل مصر ضمن أكثر 100 دولة تصاب بهذا المرض. الباعة الجائلون: "بنرزق من أهالي المرضي.. وبنشوف ناس حالها يصعب على الكافر" "يا بيه بنرزق وناكل عيش". بهذه الجملة بدأ محمد بائع الشاي حديثه، والذي يقف على الرصيف المقابل للمعهد، ويفرش بعض "الحصر والبطاطين" على الأرض؛ حتى يجلس عليها أهالي المرضى والزبائن. وتابع محمد أن عمله يبدأ من بعد الفجر، حيث يبدأ وصول أهالي المرضى، مشيرًا إلى أنه يرى حالات إنسانية صعبة بقوله "بنشوف ناس حالها يصعب على الكافر بتيجي من المحافظات علشان تتعالج هنا في المستشفيات الحكومة؛ لأن تكاليف المرض كبيرة، وما يقدروش عليها". المسئولون: "إحنا في اجتماع.. ومش فاضيين نتكلم" "أنا في اجتماع"، هذا هو رد وزارة التعليم العالي التي رفضت التعليق على مشاكل معهد الأورام، حيث حاولنا التواصل مع أكثر من مسئول بالوزارة، ومن بينهم المستشار عدلي رضا مستشار الوزير، والذي كان رده "أنا في اجتماع، مش فاضي أتكلم"! كما رفض مدير المعهد التحدث معنا؛ بحجة أنه أيضًا في اجتماع، حيث حاولنا التواصل معه أكثر من مرة بخصوص المشاكل التي يعاني منها المرضى في المعهد وتعطل أحد الأجهزة الرئيسية.