«عدم الاستقرار اجتماعياً، وغياب الرقابة الداخلية، وبعد الشاب عن القيم الدينية، وتنامى الشعور بالإحباط وخيبة الأمل».. أبرز النقاط التي تداولها خبراء علم النفس في إطار تعقيبهم علي العلاقة بين البطالة وانحراف الشباب عن القيم والأخلاق الحميدة، ليغوصوا في نهر الأزمات من فساد أخلاقي وسلوكيات سيئة تؤدي في النهاية إلي التأثير سلباً علي الفرد والمجتمع. يعتبر الانحراف الأخلاقي من أكثر الأمور التي تقلق الأسر والمجتمعات، حيث تتعدد صور الانحراف الأخلاقي لتصل إلى السلوكيات الشاذة والسيئة التي تتنافي مع القيم السائدة مجتمعياً ودينياً. ويري الخبراء أن الانحراف يكمن فى الاعتداء على قوانين المجتمع، ونظمه بسلوك يعبر عن اضطراب الشخصية "اجتماعيا، ونفسيا"، يدفع إلى الفعل اللاسوي، ويقضي بمعاقبة مرتكبه، من خلال إيداعه داخل مؤسسة إعادة التربية، كما أن الانحراف يتضمن أنماطا من السلوك المضاد للمجتمع، ويؤدي إلى الإضرار بالتنظيم الاجتماعي. وطالب خبراء علم النفس الدولة بالتصدى للظاهرة التي تهدد كيان المجتمع وتضر بمصلحة الوطن، موضحين أن الأزمة لها عدة أسباب من أهمها البطالة لما لها من تأثير بالغ الخطورة علي الشباب وأفكاره. ضعف الوازع الديني وغياب القدوة.. أهم أسباب الانحراف يقول محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إن حالة الانفلات الأخلاقي التي يعيشها المجتمع المصري حالياً، ترجع لعدة عوامل، منها ضعف الوازع الديني وغياب القدوة لدي النشء الصاعد من الأجيال الشابة، بالإضافة إلي العامل الرئيسي المتمثل في البطالة، مشيراً إلي أن الفراغ الذي يعيشه الشاب يلقي بهم في غياهب وظلمات طريق الانحراف. ويضيف: «تعد البطالة مجالا خصبا للتفكك الاجتماعي وتدهور القيم، وبسببها قد يفقد الإنسان القدرة على الكلام أو التعبير الصحيح أو المشاركة في التنمية»، مؤكدا أن هناك أساسيات تساعد في حل المشكلة، أهمها أن تحترم الدولة قيم العدالة والحرية والإنسانية، محملا النظام السياسي أزمة البطالة التى ترتب عليها حالة الاحتقان الموجودة في الشارع المصري اليوم. ويوضح "زارع" أن البطالة تربة خصبة يترعرع فيها الفساد وتتفكك بسببها البنية المجتمعية، فيضعف التماسك الأسري وتنتشر الأمراض ويستشري الخلاف والعنف الأسري ويمتد العنف إلى الشارع، مضيفا أن الشباب العاطل يمثل قنبلة قد تنفجر في أي مكان وأي زمان. ولفت إلى أن انتشار حالات التحرش واستخدام الألفاظ البذيئة من قبل الشباب في تعاملاتهم، يعود بالأساس إلي أوقات الفراغ الكبيرة التي يقضيها ويسعي لملأها بتمضية الساعات في التسكع بالشوارع والجلوس علي المقاهي. وأكد رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أن الدولة مسئولة عن التصدي لتلك الأزمة الكبيرة، ومحاولة إيجاد حلول منطقية لتوفير فرص عمل للشباب؛ للحيلولة دون وقوع المزيد منهم في هوة الانحراف الأخلاقي، مطالباً المسئولين بالتحرك وتفعيل الأحاديث الرنانة التي تتحدث دائماً عن اهتمام الدولة بالشباب وتوفير فرص لهم وأنهم مستقبل البلاد. فساد المنظومة التعليمية والدور السلبي للإعلام يدعمان سوء الأخلاق من جانبه، يقول الدكتور جمال فرويز، الاستشاري النفسي: «برغم تفاني الأسرة في تعليم أبنائها، لكن النتيجة في النهاية البطالة، وفي أحسن الأحوال الالتحاق بعمل لا يناسب التخصص، ما يؤدى إلى إحباط وغضب مكتوم يصل إلى الإحساس بالغبن وضياع الوقت والجهد والحلم»، مؤكدا أن الأمر انعكس على الطلاب بمراحل التعليم، فانعدمت رغبتهم في الدراسة والمذاكرة، ولجأوا بدافع من أسرهم إلى الانخراط في الدروس الخصوصية، ما أدى إلى ابتلاع المناهج دون فهمها، إضافة إلي فساد المنظومة التعليمية ككل منذ دخول اليد الأمريكية في تحديد المناهج الدراسية، الأمر الذي أدي بنا في النهاية إلي تلك الحالة المتردية من الفهم والأخلاق والجهل. وتابع: «نتيجة البطالة يلجأ الشباب إلى قتل الوقت على المقاهي أو اللجوء إلي الحياة الخيالية المتمثلة فى مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي قد يؤدي به في النهاية إلي ترك الحياة البشرية والتعامل طوال الوقت مع الآلات»، موضحاً أن وسائل الإعلام أيضاً تلعب دورا خطيرا تجاه الشباب من خلال تصدير الجوانب السلبية فى المجتمع، وتغفل تسليط الأضواء على النماذج المشرفة صاحبة الاختراعات التى تساهم فى تقدم الوطن. ويؤكد الخبير النفسي أن العمل وسيلة للشعور بالذات والقيمة والهوية والانتماء، وغيابه يسبب حالة اهتزاز وتصدّع لدى غالب الشباب، ويجعل البعض تمنى اللحظة التي يترك فيها وطنه، متابعا: «العمل طريق الزواج وبناء أسرة، ومع فَقَدَ الحلم في الزواج والاستقرار لكثرة تكاليفه وانعدام مصادر الكسب، يلجأ بعضهم للزواج العرفي لسد احتياجاتهم والحصول على حقوقهم الطبيعية وحل مشكلتهم، التي عجز المجتمع عن حلها، ولولا احتواء بعض الأسر لأبنائها، لحدثت كوارث لا يحمد عقباها». وأشار إلى أن الحكومة تتعامل مع الأزمة بأسلوب خاطئ وغير علمي، مما يساهم في تفاقمها، مطالبا الجميع بالتوحد لمنع اتساع هوة الانحراف الأخلاقي التي ازدادت خلال الفترة الماضية نتيجة انشغال الأسرة ووزارة التربية والتعليم عن دورهما الأساسي في إخراج نشء من الأجيال الشابة لديه من المقومات الأخلاقية والتعليم ما يمكنه من مساندة نفسه والوطن، كما طالب الدولة بتحمل مسئوليتها في مواجهة التوغل الأمريكي في التعليم والمواد الإعلامية التي يشاهدها الشباب وتساهم في تكوين شخصيته بصورة تدمر أخلاقيات المجتمع.