يأتي يوم الأرض كل عامٍ أكثر حزناً فلسطينياً. كلما شعر الفلسطينيون بأن فلسطين باتت أقرب تأتي أحداثٌ ومؤثراتٌ "كاملة" تجعل الأمور أكثر تعقيداً، وفوق كل هذا تضعهم أمام بعادٍ عن أحلامهم. فالأرض بالنسبة للفلسطيني هي كل شيء، هي البداية والنهاية، هي كلمة الوصل والفصل، هي أساساً أمه وزوجته، أحلامه وبقية الأمل بأنه قد يكون هناك غدٌ مشرقاً بعض الشيء. لا يفهم كثيرون كيف يرى الفلسطيني الأرض، كيف يعيش بها ومن خلالها؛ فهو خرج من أرضه العام 1948، وأجياله الجديدة بغالبيتها قد ولدت خارج الوطن "المقدس" من هنا فإن تلك العلاقة باتت أقرب إلى العلاقة "الحلم" منها إلى العلاقة مع بلادٍ من أرضٍ ونباتٍ وهواء وسماء. إن العلاقة بين الفلسطيني وأرضه هي علاقة مرتبطةٌ بالخيال والمتخيّل، هي أساساً علاقة عشقٍ مطلقة. لكن وبعيداً عن المطلق "الخيالي"، وكي نغوص أكثر من فكرة "العودة" إلى الأرض نجد أن المشاكل التي تحكم ذلك باتت إلى حدٍ كبير لا تطاق! لا يخفى على أحد أنَّ الوضع السياسي الفلسطيني يبدو قاتماً إلى حدٍّ كبير، فالانقسام يعبّر بشكلٍ واضح عن الحالة الفلسطينية الحالية. تأتي السلطة الفلسطينية والتي تقع في رام الله -ولا تسيطر عليها- أساسيةً في ذلك الانقسام، فهي الطرف الرئيس وصاحبة الخلاف الجذري مع حماس. تمثل السلطة مع رئيسها أبومازن جانباً تاريخياً ومرحلياً من حياة الشعب الفلسطيني، خصوصاً أنها تنهل من "أسطورة" الراحل ياسر عرفات "أبو عمّار" الذي يعتبر رمزاً مؤثراً للشعب الفلسطيني. ومهما قيل أن السلطة ضعيفة ولا تمثّل قوةً في الشارع الفلسطيني فذلك كلامٌ غير صحيح، فهي في النهاية تستغل قوة حركة التحرير الفلسطيني "فتح" كعمود فقري لها والحركة حتى اللحظة تمثّل ما قرابته 50 إلى 60 بالمئة من الشارع الفلسطيني. ما يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة للسلطة هي مواقف رئيسها التي لايمكن فهمها كثيراً، فهو يتنازل بسهولة عن الأرض، يتنازل عن حقوق العائدين الفلسطينيين في المخيمات والشتات، وفوق كل هذا تبدو ملامح "الفساد" الإداري والمالي كبيرة للغاية. تحلم حماس على الضفة الأخرى بإمارة في غزة، ولا شيء أقل من ذلك. هي تقول بأنّها تريد أن تقوم بحوار جدي، وتقول بأنها فعلياً تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن توحد الشعب الفلسطيني من جديد لكن دون أي "لمس" أو "تغيير" لفكرة الإمارة التي تسيطر عليها. تمارس حماس سلوك "الحاكم" الفعلي في غزّة، وتمارس شرطتها دور "القامع" لأي مخالفٍ وأي مختلف، فحتى الحلفاء القريبين منها مثل حركة الجهاد الإسلامي تعرضت للقمع أكثر من مرةٍ من قبل تلك الشرطة. أضف إلى ذلك أنَّ الحركة تعتبر أنَّ أي أحدٍ خارجها هو "عدوٌ" محتمل، من هنا فإن الحياة إلى حدٍ كبير في غزة مرتبطة بفكرة مخيفة: إما أن تكون معنا، أو تعتبر "علينا". تلك المشاكل كان من الممكن احتمالها لو أنّها قامت وحدها، لكن سياسة الحركة الخارجية ومواقفها الملتبسة (وليس آخرها مثالاً موقفها من حرب المملكة السعودية على اليمن) التي لايمكن لحركة مقاومة، كما تسمّي نفسها أخذها. قد يكون من السهل على كثيرين استيعاب موقف السلطة الفلسطينية مما يحدث يمنياً، فهي في النهاية سلطة مرتبطة باتفاقيات وضوابط وحتى إنّها لاتزال تعتمد بشكلٍ كلي على الدعم الخارجي للاستمرار، لكن ماذا عن حماس؟ هل كان من المنطق مثلاً أن تأخذ موقفاً مشابهاً، خصوصاً أن السعودية نفسها كانت قد أدرجتها كمنظمة إرهابية سابقاً؟ ما هو المنطق في الأمر؟ لا منطق واضح البتة. يأتي يوم الأرض حزيناً جداً هذه السنة، انقسامٌ، مشاكلٌ، وفوق كل هذا لا حلول تبدو في الأفق، فالبوصلة العربية غيّرت وجهتها كثيراً هذه المرة. لم تعد فلسطين الواجهة، باتت الوجهة جهاتٍ أخرى، للأسف.