تمر ذكرى نصر حرب أكتوبر كل عام دون أن يُذكر اسمه، رغم أن حياته كانت الأكثر إثارة بين القادة العسكريين، فعقب نكسة 67 مباشرة عين مديرًا للمخابرات الحربية، وكان أول قائد عسكري يصدر أوامره بضرب العدو، فلم تسمح وطنيته بأن يرى العدو يجمع أسلحتنا المتروكة في سيناء دون أن يتحرك، فنجح رجاله في تدمير تشوينات الذخيرة. تحل علينا اليوم الذكرى الرابعة والعشرين لوفاة أحد مهندسى النصر والبناء الفريق أول محمد أحمد صادق «قائد الأشباح» الذي أغرق سيناء بالعيون، وكشف كل قدم وطأت سيناء، وأذاق الصهاينة الويلات طوال فترة بقائهم على أرض مصر. وبعيدًا عما نشر في جميع الوسائل الإعلامية عن سيرة وحياة البطل، التقت "البديل" بنجله "أمجد"، لنبدأ نشر سلسلة من حياة البطل لأول مرة، من واقع مذكرات الفريق أول محمد صادق، التى لم يسمح بنشرها كاملة حتى الآن. الجدير بالذكر، أن جريدة الأهرام بدأت في 10 أغسطس 2010 نشر مذكرات الفريق صادق؛ تمهيدًا لجمعها في كتاب، لكنها توقفت بعد نشر الحلقة الأولي، وفي 18 سبتمبر 2011، بدأت مجلة أكتوبر نشر المذكرات أيضا تمهيدًا لجمعها في كتاب وبعد نشر الحلقة العاشرة بتاريخ 18 ديسمبر 2011، توقفت عن النشر. يقول الدكتور أمجد صادق، إن حياة والده تعرضت للتعتيم والتشويه طوال السنوات الماضية، خاصة أن سيرته وبطولاته كانت زاخرة خلال حرب الاستنزاف بعد النكسة، وجميع ما دار بينه وبين القيادات والعمليات العسكرية والمهمات التي جمعته مع القادة، كتبها في مذكرات تمس نقاط القوة والضعف طوال فترات عمله، وتعرض الجانب السلبي والإيجابي وكافة الوقائع. وحصلت "البديل" من نجله على صفحة من مذكرات الفريق أول محمد أحمد صادق، التى توضح توجهه إلى الأردن أثناء توليه رئاسة أركان الجيش المصرى فى وفد برئاسة الرئيس السودانى جعفر نميرى، كمبعوثين من مؤتمر القمة العربية المنعقد فى أيلول الأسود لوقف القتال بين الأردن وفلسطين، وكلف شخصيا من الرئيس عبد الناصر بإحضار الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، المحاصر فى الأردن، ونجح فى المهمة بعد أن ألبس الأخير زى أعضاء الوفد الكويتى، وفاجأ العالم ب"عرفات" فى القاهرة. وننشر بحسب المذكرات نص حديث دار بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر بعد نجاح المهمة: …وصلنا إلى مطار عمان، فطلبت من سائق سيارة عرفات أن يتجه مباشرة إلى الطائرة، ونزل عرفات ومعه السيدة المصرية التى لم تكن تعرفه، وصعد إلى الطائرة وجلس فى مقعده دون أن يحس به أحد، بينما كنت منهمكا فى حديث ضاحك مع أحد ضباط الجيش الأردنى الكبار، كما صافحت حرس الطائرة لأشغلهم عن متابعة الصعود إلى داخلها. وانطلقت الطائرة إلى القاهرة، ونزل منها الرئيس نميرى وبقية أعضاء الوفد، واستقبلنا فى المطار دون أن يشعر أى فرد فى مصر، ومن المطار إلى مكتبى فى رئاسة الأركان ومعى عرفات، وفجأة دق جرس التليفون، كان المتحدث سامى شرف: "حمدا لله بالسلامة، نقدر جهودكم، الرئيس عبدالناصر يسأل عنك وما هى أخبارك"، قلت: "كله تمام"، قال: "ماذا تعنى، ماذا أقول للرئيس؟". قلت: "كله تمام" قال: ماذا تعنى ؟ قلت: "لاشىء، فقط أرجو إبلاغه: المهمة نفذت" قال: أى مهمة؟ قلت: أرجوك إبلاغ الرسالة للسيد الرئيس وبعد دقائق كان عبدالناصر شخصيا على التليفون "يا صادق حمدا لله بالسلامة، ماذا فعلت؟" قلت: "المهمة نفذت يافندم، كله تمام، عرفات موجود معى" قال الرئيس: "موجود فين؟" قلت: "عرفات معى الآن" قال الرئيس: "معك الآن فى القاهرة؟ كيف حصل ذلك؟ كيف خرجت به من عمان من دون أن يعلم أحد؟ وكيف دخلت به القاهرة من دون أن يراك أحد؟" قلت: "يا فندم أبوعمار إلى جوارى الآن يرتدى بذلة الياور المرافق لى" قال الرئيس: "إذن أحضر أنت وهو فوراً.. ؟ نعم الآن وفورا.." وبعد دقائق كان ياسر عرفات وأنا في منزل الرئيس عبدالناصر بالأحضان وبالعناق قابله عبدالناصر والدموع تملأ عينيه.." الحمد لله " ... قالها الرئيس عدة مرات. قلت للرئيس عبدالناصر: "ما العمل الآن يا سيادة الرئيس؟" قال: "ماذا تقترح؟" قلت: "يظل عرفات معنا بصفة سرية لبضعة أيام ثم يطير إلى دمشق ومن هناك يبدأ العمل" هنا قال عبدالناصر: "بل عرفات سيظهر للناس غداً وبصفة رسمية" قلت: "هذا سيؤزم الموقف" قال الرئيس: "يا صادق اذهب الآن لتنام لقد نفذت مهمتك بنجاح.. واترك لى المهمة الآن" وبالفعل تركت عبدالناصر ومعه أبوعمار وعدت إلى مكتبى، وبعد ساعتين دق التليفون وصوت عبد الناصر:" يا صادق افتح الراديو أخبار الساعة الواحدة والنصف مساء ستعلن وصول ياسر عرفات إلى مصر" قاطعته قائلا: "يا ريس أخشى من تأزم الموقف"، وهنا قال عبد الناصر "ظهر غد يكون الملك حسين فى القاهرة وستتحقق المصالحة" فى اليوم التالى كان الملك حسين يتصل بالرئيس عبد الناصر ويبلغه أنه فى طريقه إلى القاهرة لحضور القمة، وفى مساء يوم 27 سبتمبر أعلن من القاهرة التوصل إلى اتفاق شامل بين الحكومة الأردنية والمقاومة الفلسطينية، وبدأ الملوك والرؤساء العرب يغادرون القاهرة إلى عواصم بلادهم، وكنت مع عبد الناصر بالمطار وكانت السعادة تغمره، و كانت آخر كلماته لى: " يا صادق اذهب الآن لتستريح، وبعد ذلك فلتدخل المستشفى لتجرى الجراحة، لماذا لم تقل لى وقتها أنك كنت فى المستشفى عندما طلبت منك السفر فوراً إلى عمان ؟" قلت له يا سيادة الرئيس لم أفعل سوى الواجب، فلتعد سيادتكم الآن للمنزل وتستريح. قال لى: "بالفعل أنا تعبان وسأنام ملء جفونى، الحمد لله، تحققت المعجزة، سأذهب لأنام ولا أريد أي إزعاج من أي واحد منكم، أنت أيضا اذهب لتنام مفهوم وبعدها سنلتقى…". وودعت الرئيس بعد أن أديت له التحية العسكرية وذهبت إلى مكتبى، وبعد ساعات دق جرس التليفون: عليك بالتوجه فوراً إلى منزل الرئيس عبدالناصر. وقتها قلت لنفسي "سبحان الله، الراجل ده مش حايريح نفسه أبدا .." ولم يخطر على بالى أي شىء سوى أنها مهمة جديدة سيكلفنى بها الرئيس عبدالناصر، وفى بيته فى منشية البكرى كانت الفاجعة ... عبدالناصر فى رحاب الله. آثارنا فى هذا الجزء من مذكرات القائد البطل محمد أحمد صادق، ذكر مجمل مهمة تحرير الرئيس الفلسطينى الراحل من الأردن، ونكمل غدا تفاصيل المهمة ونص حوار الفريق مع الرئيس عبد الناصر..