تقف الأزمة السورية اليوم على أعتاب عامها الخامس، بعد انتهاء 4 سنوات مرت خلالها بعدة تغييرات وتحولات على الأصعدة كافة الداخلية والإقليمية والدولية، فسوريا اليوم ليست كما كانت 2011 مع بدايات الأزمة، سوريا اليوم أقوى مما عرفنها قبل سنوات. قوة سوريا تتمثل في صمودها، خاصة لو أدركنا حجم المؤامرة التي تعرضت لها خلال السنوات الأربع الماضية، حيث التقت المصالح الدولية مع الإقليمية في هدف واحد هو إسقاط نظام بشار الأسد وتدمير الدولة السورية وحضارتها التاريخية، أمريكا كانت في صدارة تلك الدول ومعها الأذرع الإقليمية متمثلة في السعودية وقطر، بجانب تركيا تحت قيادة العثماني الواهم "رجب أردوغان". اتفقت هذه الدول جميعًا في البداية على ضرورة رحيل "الأسد" في غضون بضعة أشهر، قدرها البعض بنصف العام، فيما خرجت تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية بشكل متتابع لتضع توقعاتها مرة تلو الأخرى، لكن هيهات هيهات لهذه الأماني، فالآن وبعد مرور 4 سنوات مازالت سوريا صامدة تأبى الاستكانة أو الخضوع. ولأجل تنفيذ السيناريو الأمريكي الإقليمي، سعت إسرائيل عبر دعم الجماعات المسلحة طبيًّا ولوجيستيًّا، وقطر من خلال تقديم الدعم المادي، فضلًا عن تركيا التي فتحت حدودها أمام المسلحين القادمين من الغرب؛ بهدف مساندة الجماعات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري بديلًا عن أنظمة تلك الدول التي تورطت في الأزمة السورية خلال السنوات الماضية. خلال الأسابيع القليلة الماضية، اتجهت دول المؤامرة نحو استراتيجية جديدة تقوم على أساس أنه لا تسوية للأزمة السورية بدون الرئيس بشار الأسد، كما أن المعارضة السورية أصبحت تتحدث جهرًا بقبول بقاء الأسد في السلطة لعامين على الأقل، فكل هذه التغييرات الداخلية والخارجية تؤكد أن سوريا انتصرت على كل تلك القوى التي تأمرت عليها قبل عدة سنوات. أبرز هذه التغييرات أن الدول التي نسجت خيوط المؤامرة ضد سوريا أعلنت عن استسلامها وقبولها بالأمر الواقع، وأنه لا يمكن حسم الأزمة عسكريًّا، كما أنها أدركت أن الجيش السوري يمتلك قدرات قتالية عالية، خاصة بعد صموده في حرب العصابات التي يخوضها ضد الجماعات المسلحة في ما يزيد عن 400 بؤرة اشتباك. سوريا اليوم وبعد أن دخلت أزمتها العام الخامس تكتب ملحمة الانتصار والصمود، وتؤكد أن بقاء دمشق مرهون بحضارتها التاريخية التي وإن عبثت بها أيدي الجهل والطغاة، ستظل قائمة شاهدة على عزيمة أبناء الشام التي لم تنكسر رغم كل الشدائد والمؤامرات التي تحاك ضدها. أمريكا التي قادت المؤامرة ضد سوريا خلال السنوات الماضية، تتجه خلال الفترة الراهنة نحو إعادة قنوات الاتصال مع الحكومة السورية، بعدما أيقنت أنه لا بديل عن الحوار مع دمشق وقيادتها السياسية، وهو ما يقتضي بالضرورة الاعتراف بشرعية النظام الحاكم في سوريا، لتصبح واشنطن اليوم أول من ينادي علنًا بالحوار مع نظام الأسد، بعدما كانت تعتبره فاقدًا للشرعية خلال السنوات الماضية. هذه التغييرات التي شهدتها الساحة الدولية فضلًا عن الإقليمية خلال الأسابيع القليلة الماضية، تؤكد نجاح الاستراتيجية السورية وتفوقها على قوى الدمار والاستكبار، رغم ما تمتلكه الأخيرة من نفوذ وأدوات توظفها كما تشاء بمنطقة الشرق الأوسط، لكنها سرعان ما تقهقرت أمام الثبات والصمود السوري. ما حدث في تطورات الأزمة السورية خلال السنوات الماضية، يؤكد أن جذور الحضارة التاريخية باقية بثبات وصمود أبنائها، وأن مخططات الدمار والتخريب لن تجد نفعًا، طالما كانت الاستراتيجية واضحة والخيارات صائبة، فضلًا عن وجود قيادة تدرك حجم عدوها وكيفية مواجهته والتفوق عليه.. سوريا تنتقل من الدمار إلى الإعمار.