تتبدل العلاقات الدبلوماسية والخارجية مع سوريا من حال إلى حال خاصة خلال الفترة الأخيرة، فبعد تدهور وقطيعة العديد من الدول الإقليمية والغربية مع بدايات الأزمة السورية، تعود العلاقات لتنتعش وتزدهر مرة أخرى وتتسابق وفود الدول الغربية في زيارة دمشق، ويقر الجميع بأن ما حدث في سوريا مؤامرة لم تسلم منها أي من دول منطقة الشرق الأوسط. بعد حرب شعواء قادتها فرنسا في معسكر يسمى ب "أصدقاء سوريا" ومجلس الأمن الدولي وغرف عمليات عمانوتركيا، تتجه المؤشرات كلها إلى تزحزح فرنسا عن هذا الموقف المعادي لسوريا، حيث زار وفد برلماني فرنسي الأسبوع الماضي دمشق للمرة الأولى منذ بداية الأزمة السورية قبل نحو أربع سنوات، وضم الوفد عضوين من مجلس النواب هما "جيرارد بابت" رئيس جمعية الصداقة الفرنسية السورية، و"جاك ميارد" أحد الوجود البارزة في البرلمان الفرنسي، وعضوين من مجلس الشيوخ هما "ايميري دو مونتيسكيو" نائب رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ، و"جان بيار فيال"، إلى جانب وفد جمعيات إغاثة فرنسية. التقى الوفد الفرنسي الرئيس السوري "بشار الأسد"، ووصف الجانبين اللقاء بأنه "اتسم بالصراحة والوضوح"، وتناول اللقاء واقع العلاقات السورية الفرنسية والتطورات والتحديات التي تواجه المنطقتين العربية والأوروبية، لاسيما فيما يتعلق بالإرهاب، وعبر أعضاء الوفد عن "رغبة العديد من البرلمانيين الفرنسيين بزيارة سوريا للإطلاع على الواقع ونقل حقيقة ما يجري في البلاد للشعب الفرنسي، كما شددوا على أهمية التنسيق وتبادل المعلومات بين دمشقوباريس في القضايا ذات الاهتمام المشترك. الوفد البرلماني الفرنسي في دمشق، فتح باب مراجعة العلاقات مع باريس، التي بدأت طبقتها السياسية تتداول في جدوى أهميتها وتتناول أبعادها، بعد أن أكدت فيما قبل على أن الوفد لا يحمل أي رسائل سياسية أو رسمية، لكن صدى رسالة الوفد في دمشق ربما وصلت إلى مسامع قصر الأليزية في باريس فيما بعد، خاصة وأن العلاقات بين دمشقوفرنسا قد شهدت قطيعة، بسبب دعم الحكومة الفرنسية للجماعات المسلحة، وطالبت حينها باريس برحيل الرئيس "بشار الأسد"، وأغلقت السفارة الفرنسية في دمشق متهمة السلطات السورية بالمسئولية عن أعمال القتل والعنف في البلاد، في حين اتهمت سوريافرنسا بلعب دور سلبي يتمثل بدعم المسلحين في الأزمة. في الوقت الذي تقلع فيه طائرة أحد الوفود، تهبط أخرى لتحمل هذه المرة وفد أمريكي برئاسة المدعي السابق "رمزي كلارك" الذي بدأ زيارة إلى دمشق في 26 فبراير الماضي، لأول مرة منذ عام 2011، حيث التقى "كلارك" مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد "بثينة شعبان"، ومجموعة من الوزراء والشخصيات السياسية والدينية، ووصف المدعي الأمريكي زيارته بأنها "زيارة ملهمة"، قائلا "لقد رأينا الصدق والطيبة والثقافة لدى الشعب السوري"، مضيفًا أنهم يقدرون "صمود هذا الشعب وشعوب المنطقة". بدورها أشادت "شعبان" بهذه الخطوة واعتبرت "وصول الوفد الأمريكي هو أمر مهم، لأنه أول وفد أمريكي يزور سوريا منذ بداية الأزمة"، وأضافت أن "ما يقوله "كلارك" بعد هذه الزيارة سيكون مهما أن يسمعه الشعب الأمريكي، وحين سألته من هو المستفيد من هذه الحرب على سوريا ولماذا تقوم الولاياتالمتحدة بدعم هذه الحرب، قال لي نتيجة رغبتها التدميرية كما دمرت العراق وأفغانستان وليبيا وهناك رغبة تدميرية لبلدان هذه المنطقة". على صعيد متصل؛ تشهد العلاقات السورية التركية تدهور غير مسبوق وتصريحات علنية أقل ما يقال عليها أنها "حرب كلامية"، بعد أن وقفت أنقرة بجانب المجموعات المسلحة وبدأت في تدريبهم وتسليحهم علنًا مع بداية الأزمة السورية، لكن بعد أن بدأت تركيا تكتوي بنار الإرهاب التي أشعلتها في الأراضي السورية، ظهرت ملامح تبدل سياساتها نحو دمشق. خلال اليومين الماضيين زاروفد تركي العاصمة دمشق من أجل عقد لقاء مع كبار المسئولين السوريين، حيث ضم الوفد نواباً عن أحزاب معارضة، إضافة إلى رئيس البرلمان التركماني في تركيا، وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، إلى جانب رئيس الحكومة التركية الأسبق "عبد اللطيف شنر"، ورئيس اللجنة الأمنية التركية السورية الأسبق ووزير الدفاع الأسبق وعدد من رجال الأعمال. الزيارة أكدها رئيس حزب الوطن اليساري التركي "دوغو برينجيك"، وقال إن محادثاته مع الرئيس "الأسد" تطرقت إلى إعادة بناء وتطوير العلاقات بين تركياوسوريا، كما انتقد "برينجيك" سياسات نظام "رجب طيب أردوغان" تجاه سوريا، موضحا أن حكومة أردوغان أشعلت النيران في الدولة الجارة، والنتيجة أن لهيب هذه النيران بات على أعتاب أبواب أنقرة الآن. وتأكيدا على أن دمشق أضحت اليوم قبلة الحراك الدبلوماسي، استقبل الرئيس السوري " بشار الأسد" خلال الأيام القلية الماضية رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني رئيس الجمعية البرلمانية الآسيوية "سيد ناير حسين بخاري" والوفد المرافق له بحضور رئيس مجلس الشعب "محمد جهاد اللحام"، وتناول اللقاء القضايا ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها قضية الإرهاب بمختلف مسمياته، كما بحث رئيس الوزراء السوري "وائل الحلقي" مع "بخاري" سبل تفعيل التعاون بين البلدين وتفعيل الاتفاقيات الموقعة وتوقيع أخرى جديدة. كل هذه التغيرات وزيارات الوفود الغربية والإقليمية إلى سوريا تؤكد أنها جاءت بعدما أيقنت بعض الدول أن دعمها للجماعات الإرهابية لن يجدي نفعًا، بل سيضر بمصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يدفعها إلى مراجعة سياستها تجاه سوريا، تلك السياسة التي دفعتها إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق السفارات، لكن قبل التراجع الرسمي، لا بد من حفظ ماء الوجه.