تفترش احد الأرصفة بمنطقة ميدان سرور وسط مدينة دمياط بزيها الريفى المعروف، لا تكاد تقرتب منها إلا وتجدها تنادى عليك، إتفضل يا أستاذ معى خضرة طازة وجميلة، وتظل تعدد لك مزايا بضاعتها التى هى عبارة عن خضرة "فجل وجرجير وشبت وبقدونس وكسبرة وبصل أخضر وليمون". «أم محمد» إنها اشهر إحدى بائعات الخضرة بالمنطقة، تبلغ من العمر 53 عامًا، من قرية المحمدية التابعة لمركز كفر سعد، افترشت الأرض منذ ثمان سنوات، لتبيع الخضره حتى تتمكن من الإنفاق على أبنائها الأربعة بعد وفاة زوجها متأثرا بتليف الكبد عن ما يزيد على تسع سنوات. تقول أم محمد "تزوجت من عامل بسيط وعشنا حياه مستقره هادئة وكان زوجى عامل باليومية، وكان ربنا بيكرمنا والحمد لله ورزقنا بأربع أبناء ولدين وبنتين، (محمد، وخالد، وصباح وسمية)، لكن توفى زوجى منذ تسع سنوات، ولم يكن لنا مصدر دخل ثابت ولا زوجى كان موظف، مررنا بظروف صعبة لأن البيت له احتياجات ومصروفات يومية، أهلى وأهل زوجى ساعدونا على قدر استطاعتهم، ولكنهم بسطاء مثلنا فى النهاية، فتعهدت بأن أكمل رسالة زوجى وهى مواصلة الأبناء لتعليمهم، محمد كان فى أولى ثانوى وخالد فى تالتة إعدادى وصباح كانت فى سنه اولى إعدادى وسمية فى رابعة، الولاد كانوا فاهمين وقالوا هيطلعوا من المدرسة ويشتغلوا علشان يصرفوا على وعلى إخواتهم البنات لكن أنا رفضت، وألهمنى تفكيري إلى تدبير مبلغ لشراء الخضرة وبيعها، لأننى "أمية" ولا فرصة لى للالتحاق بأي وظيفة. وتتابع "ام محمد" حديثها وعيناها تتلألأ، فتذهب يمينًا تارة ويسارًا تارة أخرى وهي تلملم ذكرياتها الشاقة, قائلة "توصلت إلى هذا المكان، واكتسبت بفضل الله محبة الناس وربنا بيكرمنى أخر النهار برزق عيالى، وما شاء الله محمد خلص كلية التجارة السنه قبل الماضية، ويعمل اليوم فى شركة، وخالد فى آخر سنه فى كلية تربية، وصباح وسميه خلصوا دبلومات والحمد لله، بيساعدونى فى البيت باللى يقدروا عليه، وكل واحد عنده شقة بيجهز فيها ،والبنات ربنا يقدرنى على جوازهم . وحول أمنياتها، قالت "أم محمد" نفسى الدولة تاخد بالها من السيدات الأرامل، فعندما توفى زوجى كدنا نفقد الأمل فى الحصول على التأمينات والمعاشات بسبب كثرة الإجراءات، لصرف 200 جنيهًا شهريًا لا يكفون حتى لشراء عيش حاف، وتتسائل "ليه الحكومة لا تقف بجانبنا، وتنفذ مشروعات للأسر التى تفقد عائلها، وتمنحهم قروض لتنفيذ مشروعات تعاونهم على المعيشة لحين الاستقرار وسداد القرض، ويعيشوا عيشه محترمه ،"إحنا فى زمن اللى زوجها بيموت لو مكنش عندها مصلحة كويسة أو لها دخل ثابت تتبهدل"،ومش كله هيتحمل البهدلة، مطالبة الدولة بتوفير وظائف ثابتة لأبنائها ليتمكنوا من المعيشة مثلهم مثل باقى الناس. وتظل أم محمد واحدة من آلاف النساء اللاتى أجبرن على الخروج لسوق العمل بعد فقد الزوج، وذلك بسبب عدم إهتمام الدولة بالمرأة المعيلة التى أصبحت شريحة كبيرة من شرائح المجتمع.