لأول مرة تقع عليه عيناك تشعر برهبة المكان وعبق التاريخ يلقى ظلاله على ثانى مسجد بدمياط وأحد أول خمس مساجد شيدت في إفريقيا مع انتشار الإسلام خارج حدود شبه الجزيرة العربية. إنه مسجد المعينى الذى يقع بالقرب من نهر النيل بأحد أبرز المناطق، حيث شيد على قناطر بجوار شط النهر، والتى يطلق عليها الآن منطقة عمر أفندى. سمي بمسجد المعينى نسبة إلى التاجر الدمياطى محمد بن محمد بن معين الفارسكورى، الذى شيده على نفقته الخاصة تخليدًا لذكرى جده في عهد المماليك، وبالتحديد أثناء حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وكان ذلك في عام 710هجرية – 1310ميلادية، وكانت المنطقة التى شُيِّد بها مسجد المعينى بالحى التجارى بجنوب مدينة دمياط بسوق الأرز. يقول الشيخ محمد النشار أحد الخطباء الذين تولوا العمل في المسجد "يعد المسجد من المساجد النادرة فى الوجه البحرى، خاصة فى تخطيطه وزخارفه وطريقة بنائه، فقد بنى المسجد على الطراز المملوكى، وكان الغرض الأساسى من إنشائه أن يستخدم كمدرسة لتدريس العلوم الشرعية ومذاهب الفقه في ذاك الزمان. ويتكون المسجد من صحن مفتوح ليس له سقف، وأرضيته محلاة بالفسيفساء، ويضم أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة، وكل إيوان منها له سقف مزين بالأخشاب بديعة الزخارف، وخصص كل إيوان ليكون مدرسة خاصة بتدريس مذهب من مذاهب الفقة الأربعة للأئمة: مالك والشافعى وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل". وأضاف أن المسجد يعد حظى بشهرة كبيرة في تدريس العلوم الشرعية، وكان قبلة لطلاب العلم من كافة أرجاء البلاد، وكان يأتيه طلاب علم من الدول العربية. كما كان المسجد قبلة للمتصوفة الذين كانوا يتخذون منه مكانًا للإقامة فيه؛ لإحياء ليالى الذكر وقراءة الأوراد الخاصة بهم، لا سيما وأن المسجد صممت به أماكن خاصة لهم، فظل لسنوات قبلة لهم، ينفق عليهم من الوقف الذى أوقفه محمد بن معين الفارسكورى الذى أنشأ المسجد. وظل المسجد يقوم بدوره كمصلًّى للمسلمين ومدرسة لتدريس الفقة بمذاهبة الأربعة حتى بعد وفاة مؤسسه ابن معين، وكان ينفق عليه من تركته ووقفه لعشرات السنين، ولكن بدأ الإهمال يطال المسجد والمدرسة شيئًا فشيئًا، حتى توقف تمامًا عن العمل واستقبال المصلين وطلاب العلم، وأغلق، وأصبحت ساحته أحد مقالب القمامة لسنوات طوال، ولكن ظل المسجد شامخًا في مكانه بسبب تصميمه الفريد ومتانة جدرانه، حتى بعد أن شيد أهالى المنطقة مسجدًا آخر بجواره، وأطلقوا عليه نفس الاسم، وأقيمت فيه الشعائر لسنوات كثيرة. وفى عام 2007 تم البدء في مشروع ترميم المسجد بالتزامن مع إعادة ترميم مسجد عمرو بن العاص، وبتكلفة قاربت 29 مليون جنيه تم ترميم المسجد وافتتاحه لاستقبال المصلين تحت إشراف وزارة الثقافة في 20 يوليو 2009 الموافق 27 رجب 1430هجرية. وعلى الرغم من الشهرة التى حظي بها مسجد المعينى بدمياط كمدرسة للفقه على المذاهب الأربعة، اقتصر دوره بعد الترميم وإعادة الافتتاح على استقبال المصلين فقط ، وتظل الإيوانات الأربعة التى كانت معدة لاستقبال طلاب العلم خاوية بعد ترميمها.