رحل محمد إبراهيم، وزير داخلية قمع المعارضين، رحل الوجه الآخر لحبيب العادلى، رحل جلاد المساجين ومهدر كرامة العديد من المواطنين، رحل وزير داخلية مرسى ومنصور والسيسى. فى خطوة مفاجئة، ولم تكن فى حسبان أحد، تم إقالة اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، لكن لن يتوارى كثيرا عن المصريين بعدما عين مستشارا لرئيس الوزراء، فى خطورة أشبه ب«شراء السكوت». فشل الوزير المقال فى تحقيق الأمن للمواطن المصري، بعدما شهد عهده أكبر عدد من التفجيرات التى لم يعرف مرتكبوها حتى الآن، ولم يمنعه ذلك من ملاحقة المعارضين، ففتحت السجون على مصراعيها لكل من يرفع رأسه، وتعالت الأصوات التى تصرخ من تعذيب جلاديه داخل الأقسام والمعتقلات. «إبراهيم».. من ملازم أول بمديرية أمن السويس إلى وزير الداخلية ولد اللواء محمد أحمد إبراهيم مصطفى، بمحافظة السويس في 10 إبريل 1953، وتخرج فى كلية الشرطة عام 1976، وعقب تخرجه بدأ مهام عمله في وزارة الداخلية برتبة ملازم أول بمديرية أمن السويس عام 1980، وظل في مديرية أمن السويس يعمل في مجال البحث الجنائي لفترة طويلة بلغت 14 عاما، حتى تم نقله في عام 1994 للعمل في مديرية أمن الدقهلية. في عام 1995، تم نقله للعمل في إدارة البحث الجنائي بمديرية أمن قنا، واستمر عمله بها لمدة عامين، حتى تم نقله عام 1997 للعمل في مديرية أمن الإسماعيلية بالمباحث الجنائية، وظل يعمل بها لفترة طويلة بلغت 9 سنوات متواصلة حتى تم نقله في عام 2006 للعمل في قطاع التفتيش والرقابة بوزارة الداخلية. ونقل عام 2010 للعمل في مديرية أمن أسيوط، وتم تنصيبه نائبا لمدير أمن أسيوط، وظل في ذلك المنصب لمدة عام واحد فقط، حتى تم ترقيته في 2011 ليتولى منصب مدير أمن أسيوط، ومع بداية تكليف اللواء أحمد جمال الدين بمنصب وزير الداخلية في بداية شهر أغسطس 2012، قرر ترقية اللواء محمد إبراهيم خلال حركة ترقيات بوزارة الداخلية ليتولى أخيرا منصب مساعد أول لوزير الداخلية مديرا لقطاع مصلحة السجون، وظل يعمل به حتى تم تكليفه بتولي وزارة الداخلية في عهد رئاسة محمد مرسي للجمهورية في 5 يناير 2013. وزير داخلية «مرسى» ينقلب عليه فى التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس المعزول محمد مرسي، تم تعين محمد إبراهيم، وزيرا للداخلية فى الحكومة التى شكلها "هشام قنديل"، وعقب شغله المنصب بأقل من 20 يوما، قال:«مهمتنا تحقيق الأمن للشارع مع احترام مبادئ حقوق الإنسان»، وبعدها قامت قوات الشرطة بقمع المتظاهرين الذين كانوا يحيون ذكرى ثورة يناير في 2013، حيث تصدت الشرطة بعنف للمظاهرات التي بدأت في 22 يناير، واستمرت ثلاثة أيام، بينما لم تتدخل الشرطة لوقف اعتداءات الإخوان على عدد من المسيرات المعارضة. وتم اعتقال عدد من المحتجين الذين أكدوا إنهم تعرضوا للتعذيب داخل المعسكرات، مما أدى لموجة ثانية من المظاهرات، وارتفاع مطالب المتظاهرين إلى رحيل مرسي ومحاكمة محمد إبراهيم. وبعيداً عن القاهرة، اشتعلت جبهة جديدة برصاص الداخلية وحجارة المحتجين أمام سجن بورسعيد العمومي في 26 يناير، وذلك بعد حكم المحكمة بإعدام 21 من المتهمين في القضية المعروفة بمذبحة بورسعيد، مع تأجيل محاكمة كل القيادات الشرطية المتهمين في ذات القضية، وتوجه المحتجون لمحيط السجن، ووفقا لشهود العيان ولجان تقصى حقائق من المجلس القومي لحقوق الإنسان ومؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان، فإن المحتجين كانوا سلميين تماما، وأن الأحداث تصاعدت عقب ظهور مسلحين أطلقوا الرصاص على السجن. وأسفر الرصاص العشوائي الذي أطلقته القوات عن سقوط عشرات القتلى، بعضهم لم يكن بين المهاجمين أو المحتجين وبينهم لاعبين كرة من نادي المريخ المجاور للسجن، ومواطنون آخرون تصادف مرورهم في محيط السجن. وبعد سقوط ما يقرب من 46 شهيداً، خرج أهالي بورسعيد لتشييع جثامين الضحايا، إلا أن قوات الأمن المكلفة بتأمين نادي الشرطة، ردت على هتافات المحتجين ورشق الحجارة، بإطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة، كما أطلقت الرصاص على المشيعين ليسقط 7 ضحايا جدد، و130 مصابا، وشهدت الجنازة حالة كر وفر، وانتهت الأحداث بسقوط 57 شهيداً، ومن ثم تم فرض حظر التجول في بورسعيد والإسماعيليةوالسويس. ورداً على ذلك، دعت حركة شباب 6 أبريل للتظاهر أمام منزل وزير الداخلية السابق، محمد إبراهيم، حاملين الملابس الداخلية، وبدأت حالة من الكر والفر بين النشطاء والأمن، وأسفرت عن القبض على ثلاثة أعضاء من حركة شباب 6 أبريل. وفى فبراير 2013، تعامل الوزير بعنف مع المحتجين فيما سمي ب"جمعة الخلاص"، حيث أطلقت قواته قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة على المتظاهرين، وطلقات الخرطوش، لتشهد الاشتباكات حالات سحل للمواطنين، منها ما سجلته كاميرات الفضائيات من سحل وتعرية المواطن حمادة صابر بعد إصابته بخرطوش في ساقه وتدافع عدد من قوات الأمن المركزي نحوه وسحله وتعريته تماما من ملابسه والتعدي عليه بالضرب وسحبه إلى داخل إحدى المدرعات. وبتصاعد موجة الرفض للوزير ورئيسه المعزول محمد مرسي، أمر وزير الداخلية بتعزيز قوات الأمن في محيط مكتب الإرشاد بالمقطم، التى لم تتدخل لمنع شباب الجماعة الذين خرجوا بالجنازير من المقر الرئيسي بالمقطم ليضربوا عددا من النشطاء بينهم فتيات. ومع بداية ظهور حركة تمرد والحشد لتظاهرات 30 يونيو، أعلن وزير الداخلية المقال «عدم الاحتكاك بأي متظاهر»، ليصبح بعدها واحدا من وجوه سلطة ما بعد مرسي، ويحافظ على كرسيه الوزاري الذي تولاه بتكليف من هشام قنديل ومحمد مرسي، ومع عزل الأخير وتكليف المهندس حازم الببلاوي بتشكيل الحكومة الجديدة، ظل محمد إبراهيم وزيراً للداخلية. مقتل 2743 مصريًا واعتقال 510 طلاب فى عهده ومع استمرار محمد إبراهيم فى منصبه كوزير للداخلية، استاء الكثير من النشطاء والسياسيين الذين تعرضوا للملاحقة في عهد مرسي، ومع أول مواجهة أمنية بعد عزل مرسي في يوليو 2013، تعاملت الشرطة بعنف شديد في فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، لتبدأ حرب شوارع يوميه مع أنصار جماعة الإخوان المسلمين الذي جاء فى عهدهم وحما مقراتهم قبل أشهر. من جانبها، رصد عدد من المنظمات الحقوقية مقتل 2743 مواطن منذ عزل مرسي وحتى نهاية نوفمبر، بينهم 2237 في احتجاجات سياسية، و11 صحفيا، و62 وفاة داخل أماكن الاحتجاز، فضلا عن سقوط 15913 مصابا في الفترة من 3 يوليو حتى 3 ديسمبر، واعتقل 510 طالبا جامعيا في الفترة من 3 يوليو وحتى نوفمبر، وتعرض 112 إعلاميا لانتهاكات تراوحت بين الاعتداء بالقتل أو بالعنف أو المنع من التغطية أو الاستيلاء على الأجهزة، حيث قتل 9 إعلاميين، واعتدى بدنيا على 52 إعلاميا في الفترة من 26 يونيو الى 26 أغسطس، واحتجز 27 إعلاميا، وصودرت أجهزة 13 ومنعوا من أداء عملهم. «محمد إبراهيم».. وزير التفجيرات فشل فى تأمين نفسه شهد عهد الوزير المقال قصورا أمنيا واضحا، وفشلت الداخلية في منع التفجيرات المتلاحقة التى استهدفت عددا كبير من المؤسسات والمواطنين، كما أنه فشل فى تأمين موكبه الخاص، بعدما تعرض لمحاولة اغتيال في الخامس من سبتمبر 2013، حيث انفجرت عبوة ناسفة بالقرب من مرور الموكب في شارع مصطفى النحاس بمدينة نصر بالقرب من مقر إقامته، وأسفر الحادث عن إصابة 21 شخصًا، 8 من رجال الشرطة والباقي من المدنيين، وعثر على أشلاء بشرية بمحيط الانفجار. كما تعرض مبنى مديرية أمن الدقهلية، في صباح يوم الثلاثاء، الموافق 24 ديسمبر2013 لهجوم بسيارة مفخخة، أسفر عن 14 قتيلًا وأكثر من 130 مصابا من رجال الشرطة والمواطنين الذين تصادف وجودهم بمنطقة الانفجار، كما أسفر عن انهيار واجهة المبنى الجانبي للمديرية وانهيار جزئي في عدد من المباني القريبة. وعلى نفس الوتيرة المتسارعة من التفجيرات، تعرض مبنى مديرية أمن القاهرة بباب الخلق، لحادث تفجير نجم عن سيارة مفخخة، تركها الجناة أمام الباب الرئيسي للمديرية صباح يوم الخميس 24 يناير 2014، وخلف التفجير وراءه 4 شهداء وأكثر من 76 مصابا. كما استشهد 6 من رجال الشرطة العسكرية بمنطقة مسطرد، بداية طريق "القاهرة – الإسماعيلية" الزراعي؛ نتيجة تفجير إرهابى واستهداف الكمين من قبل مجهولين، وغيرها من التفجيرات التى كان أخرها أمام دار القضاء العالى منذ أيام. مذبحة الدفاع الجوى.. وصمة عار فى جبين «إبراهيم» فى فبراير الماضي، حيث اعتاد الشعب المصري تلقى المصائب، وعلى الرغم من أنه لم يمر سوى 3 أعوام على «مذبحة بورسعيد» التى راح ضحيتها 72 شهيدا من مشجى النادى الأهلى «ألتراس أهلاوى»، تكرر المشهد فى نفس الأيام تقريبا، لكن هذه المرة مع المنافس التقليدى «نادى الزمالك»، الذى قضى 22 مشجعا من «وايت نايتس» حياتهم ثمنا لمباراة كرة قدم. ارتكبت الداخلية مذبحة جديدة بحق مشجعى نادي الزمالك «وايت نايتس»، فعادت الداخلية لتتألق من جديد فى اصطياد ضحاياها، فمع ازدحام المشجعين أمام أبواب استاد الدفاع الجوي من الذين ذهبوا لمشاهدة المباراة وتشجيع فريقهم، ما كانت من رجال الشرطة إلا وأمطرتهم بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع دون سابق إنذار، ما تسبب فى سقوط ما يقرب من 22 شهيداً. «شيماء الصباغ».. شهيدة الورود جاء مقتل الناشطة اليسارية عضو حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، شيماء الصباغ، التى لقيت مصرعها إثر خروجها فى مسيرة سلمية من أجل وضع ورود على النصب التذكارى لشهداء يناير فى ميدان التحرير، قبل ساعات قليلة من الذكرى الرابعة للثورة، ليكشف النقاب عن الفشل الأمنى والأداء المتردى من قبل قوات الأمن فى التعامل مع المتظاهرين السلميين، وعلى رأس هذه المنظومة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، الذى خرج ليبرر ويبرِّئ ذمة جنوده من هذه الواقعة، رغم أن دوره الحقيقى هو الكشف عن الجناة الحقيقيين، حتى إن تورَّط بها ضباط ينتمون إليه، وليس تبرئة ساحته وشرطته من اتهامات القتل. وزير الداخلية للصحفيين: «هحبسكوا كلكم» وفى أحد اللقاءات الإعلامية التى جمعت بين وزير الداخلية المقال وبين الإعلاميين، قال اللواء محمد إبراهيم، ردًا على سؤال أحد الصحفيين في المؤتمر عن منع الإعلاميين أو الضيوف من الظهور على الشاشات وتقديم بلاغات للنائب العام ضدهم: "العلاقة بينا مش كده.. وهناك إعلاميين وصحفيين يتجاوزون في حقي وفي شخصي.. لكن الأمور لم تدار بأن أقدم في كل شخص بلاغ.. وإلا هحبسكوا كلكوا". «السجون والأقسام».. سلخانات وزير الداخلية شهدت أقسام الشرطة في عهد "إبراهيم" العديد من وقائع التعذيب ووفاة المحتجزين، وكذلك اغتصاب فتيات، أبرزها فتاة إمبابة المعاقة ذهنيًا، والاعتداء على فتاة داخل سيارة نجدة. وأدان المرصد المصري للحقوق والحريات عمليات التعذيب الممنهجة التي تحدث داخل أقسام الشرطة وفي مقرات أمن الدولة للمعتقلين السياسيين، وخصوصًا في محافظات الصعيد، في غياب تام عن وسائل الإعلام والمراقبة، والتي وصلت لمستويات غير مسبوقة. وذكرت تقارير حقوقية تعرض العشرات للتعذيب داخل السجون، بينما أضرب عشرات المعتقلين عن الطعام، وخاصة المحبوسين على ذمة اتهامهم بالتظاهر دون تصريح. فيما أطلق ذوو المعتقلين مصطلح "سلخانة" على عدد من أماكن الاحتجاز المعروفة لدى قوات الأمن، وأشهر هذه السلخانات كانت في الإسكندرية "الدور الرابع بمديرية الأمن"، والقاهرة "قسم أول مدينة نصر"، و"قسم المطرية" الذى كان أخر ضحاياه المحامي كريد حمدى ومعه 7 آخرون لقوا مصرعهم بسبب التعذيب.