فهمي: المستوردون ضربوا صناعة الملابس الجاهزة النشرتي: "الكويز" خربت الغزل والنسيج "شرفت يا ورد النيل يا حلاوة عليك يا جميل".. كان يتغني بها آلاف الفلاحين بربوع الريف المصري في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، نظرًا للمكاسب التي وفرها القطن أو ما يعرف ب"الذهب الأبيض"، لصاحب المحصول والفلاح أيضًا، ليرتبط المحصول بصناعة ذات بعد قومي، تمثلت في قطاع الغزل والنسيج، وتوسع فيه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليستقطب ذلك القطاع آلاف من الأيدي العاملة، ويدمر بعدها الرئيس الأسبق مبارك تلك الزراعة، تاركًا شركات ومصانع الغزل الحكومية تعاني خسائر فادحة قدرت بمليارات الجنيهات ومخازن متاخمة بمنتجات أكل الزمن عليها وشرب، وتحتاج لمن يتخلص منها ولو عن طريق البيع بأقل من ربع ثمنها وتكلفتها الإنتاجية الحقيقية. وكشفت تقارير رسمية صادرة عن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، بوصول حجم زراعة القطن خلال عام 2014، إلى 375 ألف فدان، مقابل 340 ألف فدان في موسم العام السابق له، بينما وصل حجم تلك الزراعة عام 2003 لنحو 550 ألف فدان، بتراجع حجمه 175 ألف فدان. قرار رئاسي خلال منتصف الشهر الماضي، أضاف الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقرتين جديدتين بموجب قرار جمهوري، بقانون تنظيم تجارة القطن في الداخل برقم 210 لسنة 1994، وتضمنت التعديلات عدم خضوع أقطان الإكثار لأحكام القانون المرافق، ويكون تداولها عن طريق وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي دون غيرها، بالإضافة إلى إصدار قرار سنوي من وزير الزراعة واستصلاح الأراضي بتحديد الأقطان وشروط وإجراءات تداولها. ولم يمض أسبوع على صدور القرار الرئاسي، حتى أصدر الدكتور عادل البلتاجي، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، القرار رقم الوزاري رقم95 لسنة 2015، الخاص بقصر إنتاج تقاوي الإكثار على المزارعين ممن يتم التعاقد معهم خلال الموسم الحالي، وفي المناطق المحددة لكل صنف من أصناف القطن بالمحافظات المختلفة؛ لتعميم زراعة التقاوي المعتمدة لأصناف القطن بمناطق التركيز الموسم الجديد، ليعد القرار الوزاري المذكور صيغة تنفيذية للقانون المنظم لتجارة القطن وتعديلات رئيس الجمهورية عليه. إجراءات زراعية وأعلن البلتاجي، عن إجراء عمليات عاجلة لإحياء زراعة القطن وتشديد الرقابة على حركة نقل تقاوي الإكثار منعًا لخلط السلالات الأخرى، مشيرًا إلى أنه من المقرر تطبيق منظومة للممارسات الجيدة في تلك الزراعة، من حيث البذور المعتمدة من الوزارة، وصولًا إلى استهلاك مياه الري ومواعيد الزراعة. وقال وزير الزراعة: إن وزارته لن تسمح بزراعة القطن بعد نهاية أبريل المقبل؛ لضمان عودة القطن لسابق عهده، لتعرضه لظلم شديد، على حد قوله، خلال السنوات السابقة، مؤكدًا أن المنظومة الجديدة للزراعة تضمن تحقيق أعلى إنتاجية للمحصول وضمان تسويقه بأعلى سعر. وذكر البلتاجي، أنه من المقرر زراعة المساحات المتعاقد عليها وشراء إنتاجها من أقطان الإكثار، وفقًا للعقود والإجراءات والسعر الذي تحدده الإدارة المركزية لإنتاج التقاوي بالوزارة، على أن يكون الحد الأدنى لسعر القنطار المنتج في موسم زراعة القطن الجديد من الأصناف التي تزرع في الوجه البحري 1400 جنيه مقابل 1250 جنيهًا للأصناف المزروعة بالوجه القبلي والصعيد. وتحدد الإدارة المركزية لإنتاج التقاوي، طبقًا للقرار، الجهات والأماكن التي يتم فيها توريد هذه الأقطان وتجميعها، وصرف الثمن المحدد لما تم توريده وحفظ القطن الزهر وبذور تقاوي القطن. وشدد القرار على اختصاص الإدارة المركزية لفحص واعتماد التقاوي والجهات التابعة لها بالإجراءات كافة الفنية والحقلية؛ للتثبت من نقاوة ومطابقة الأصناف المتعاقد عليها لأقطان الإكثار واتخاذ التدابير اللازمة لذلك. ويقوم معهد بحوث القطن بالإشراف الفني على الزراعات في مراحلها كافة؛ للتأكد من مطابقتها للأصناف المطلوبة، بالصلاحيات كافة لدخول أماكن الزراعة والتجميع والحلج وغيرها من مراحل استخراج بدور قطن الإكثار. وتشرف الإدارات والمديريات التابعة للوزارة بالمحافظات على الحقول المزروعة بأقطان الإكثار. إنقاذ الصناعة في السياق نفسه، قال الدكتور أحمد مصطفى، رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج: إنه تقدم لوزير الزراعة بطلب للتعاقد الكامل على محصول قطن الإكثار وزراعة سلالات جيدة المحصول ومنع خلط أنواع أخرى رديئة بالتعاقد مع "الزراعة". وأضاف أنه تم الاتفاق على توريد قنطار قطن من أصناف جيزة 68 ب1400 جنيه وجيزة 96 ب1500 جنيه، موضحًا أن اتفاقية الكويز يخضع للمناطق التي تصدر المنتجات للولايات المتحدة بنسبة تصل ل10.5% من الخامات الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن إنقاذ صناعة الغزل والنسيج، ليس في إنشاء مصانع ولكن في قرارات وقوانين تحارب تهريب صناعة الملابس الجاهزة عبر المناطق الحرة والكويز. وقال: مجلس الوزراء أعطى الشركة القابضة للغزل والنسيج مهلة 6 شهور، انتهت أول فبراير الجاري، لتصريف المخزون الراكد من الأقطان والأقمشة. فشل حكومي وقالت الدكتورة بسنت فهمي، نائب رئيس حزب الدستور والخبيرة المصرفية: أسلوب إدارة الشأن الاقتصادي بما في ذلك قطاعا الزراعة والصناعة كارثي، فالاقتصاد أصبح مرتبطًا كليًّا بالسياسات الخارجية. وأضافت فهمي، أن هناك خطة متعمدة ليست لضرب زراعة القطن وصناعة الغزل والنسيج فقط، ولكن لضرب الاقتصاد القومي في مقتل من خلال الاعتماد على الاستيراد واستمرار تلك السياسة، موضحة أن تلك الخطة كانت واضحة منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك للاعتماد على الخارج، حتى لا تمتلك مصر القرار في الإنتاج. وتابعت: للأسف هناك ما بين 100 حتى 300 رجل أعمال ومستورد يتحكمون في مصير الاقتصاد القومي، بجانب سياسات البنك المركزي في دعم الاستيراد لصالح رجال الأعمال، من خلال سداد أسعار المنتجات المستوردة عنهم بالدولار، مما يساعد على تراجع حجم الاحتياطي النقدي. وأوضحت فهمي أن القطن والغزل والنسيج كانا جزءًا من منظومة التحكم الخارجي على الاقتصاد القومي، وحتى الآن لا تملك الدولة أي أفكار للترويج لمشروعات بقطاع الزراعة وتحديدًا القطن، يمكن عرضها بمؤتمر القمة الاقتصادي المقرر عقده في مارس المقبل، خصوصًا أن زراعة القطن تعد جزءًا من المشروع القومي لاستصلاح وزراعة 4 ملايين فدان. وطالبت بضرورة وجود مصانع تستوعب زراعات متقدمة تسهم في التنمية الاقتصادية؛ سواء الغزل والنسيج وتجهيز الخضروات وحفظها ومصنوعات الثروة السمكية، بدلًا من استيراد كل شيء وتكبيد الاقتصاد خسائر. ربط الزراعة بالصناعة وأشارت فهمي إلى أن نظرة الحكومة حاليًا خاطئة؛ لعدم ربط قطاع الزراعة بالصناعة، وتصريحات وزارة الصناعة والتجارة، بأن القطن المصري ليس عليه طلب ليتم زراعته، مؤشر خطير بأن المحصول خارج اهتمامات الحكومة، فالقطن المصري يعتبر درجة أولى، لكننا لا نريده؛ بسبب ممارسات المستوردين لضرب الصناعة المصرية بغض النظر عن مصلحة الدولة واقتصادها. وذكرت فهمي أن المستوردين يغرقون الأسواق بالملابس المستوردة؛ لضرب صناعة الملابس الجاهزة والإنتاج الزراعي، موضحة أن الفارق بين أقطان طويلة وقصيرة التيلة، يتمثل في أن النوع الأول ملمسه ناعم وجودته أكبر، أما الثاني فيعتبر خشن الملمس؛ لأنه قطن مفتت، وبالتالي هناك ممارسات لزراعة القطن قصير التيلة والاستغناء عن القطن طويل التيلة بشكل متعمد. وطالبت فهمي بوضع خطط وليس أفكار تدرج بالأوراق فقط، بالإضافة لوجود منظومة حديثة للنقل وربط المجتمعات العمرانية والتوسع في الزراعة وربطها بالصناعة؛ لأنها تستقطب عمالة كبيرة تدخل في قطاع الغزل والنسيج. أزمة الفلاحين مع البنك الزراعي واعتبرت فهمي أن إعادة هيكلة بنك الائتمان والتنمية الزراعية، ضرورة لتحوله من بنك يخدم الفلاح إلى أغراض، خصوصًا أن الاستثمار بالقطاع الزراعي طويل المدى، أي يحتاج إلى ما بين 10 إلى 15 سنة، أما البنوك الأخرى التجارية لا تنتظر على تعثر العملاء إلَّا بعد مضي 5 سنوات على الأكثر. وأشارت إلى أنه لا يمكن ملاحقة الفلاحين وسجنهم، لكن ينبغي تهيئة المناخ؛ لتحفيزهم على زراعة القطن، وتبني سياسات إصلاحية للقطاع، بداية من زراعة القطاع وانتهاءً بصناعة الملابس وإنتاجها. ممارسات إسرائيلية في السياق نفسه، قال الدكتور مصطفى النشرتي، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة مصر الدولية: إسرائيل سبب رئيس في تدمير صناعة الغزل والنسيج بمصر، من خلال اتفاقية الكويز، وفرض استخدام أقطان قصيرة التيلة على مصر مقابل زراعتها القطن طويل التيلة في صحراء النقب المحتلة. وأضاف أن القطن المصري لم يعد أحد يشتريه؛ بسبب الممارسات الإسرائيلية التي ينفذها مسؤولون بالدولة المصرية، بداية من تقييد الفلاح وانتهاءً بصناعة الغزل والنسيج، مطالبًا بضرورة توجيه القطن للمحالج؛ لاستخلاص بذرة القطن وعدم تصديرها؛ حماية للسلالات المصرية ومنع تهجينها بأخرى أقل جودة وأكثر رداءة، وكذا الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة بمصانع الغزل والأقمشة، والتوسع في إعادة هيكلة الشركات الحكومية القائمة وزيادتها خلال الفترة المقبلة. وقال النشرتي: أبرمت مصر اتفاقًا للشراكة المصرية الأوربية، يمكن استغلالها في توريد الأقطان والملابس المصرية بأسعار تنافسية لزيادة حجم الصادرات.