وصلت المفاوضات النووية بين إيران والدول الغربية إلى مرحلة حاسمة قد يتوصل فيها الطرفان لاتفاق نهائي ينهي سنوات من الحصار الاقتصادي لطهران ويتيح لها التقدم في برنامجها النووي بعد انتزاع شرعية الاعتراف من الدول الغربية بحقها في برنامج نووي للأغراض السلمية مطلع العام الماضي. وشهدت الأسابيع الأخيرة حراك سياسي وإعلامي ودبلوماسي نشط من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، سعياً لتعطيل الاتفاق المرتقب وقلب الطاولة على المتفاوضين وخاصة الطرفين الأميركي والإيراني، بأن يقنع الأول للمرة الرابعة خلال عامين بأن إيران على وشك التوصل لتقنية صناعة القنبلة النووية، وأن يطيح بطموح الثاني في امتلاك برنامج نووي سلمي يعزز مكانته كقوة إقليمية كبيرة اقتصادياً وسياسياً وهو ما يضر في النهاية بمطامع إسرائيل الرامية إلى جعلها الدولة الأقوى في منطقة يسودها التفتت والانقسام. في سبيل ذلك يسافر نتنياهو إلى واشنطن خلال الأيام القادمة ليلقي خطاباً في الكونجرس الأميركي يشرح فيه أسبابه لإيقاف المفاوضات النووية وضرورة سعي الولاياتالمتحدة وحلفاءها في العالم والمنطقة لإنهاء البرنامج النووي الإيراني، بضربة عسكرية ظل يلح عليها في السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما استلزم جهد سياسي ودبلوماسي لالتقاء مصالح إسرائيل في هذا السياق مع مصالح حلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية، الذي طالما وصفها الساسة الإسرائيليين أنها "الدولة الأقرب لإسرائيل في تفهمها ووحدة رؤيتهما تجاه الخطر النووي الإيراني". ومنذ مطلع 2012 شهدت العلاقات بين السعودية وإسرائيل تطوراً غير مسبوق في علاقاتهما، تمهيد لتطبيع رسمي قد تشهده الفترة القريبة القادمة، ذلك بخلاف الآلة الإعلامية الضخمة التي خصصت لتغيير وجهة نظر شعوب الدول الخليجية تجاه إسرائيل، واستطلاعات الرأي التي أوضحت أن المزاج العام مهيأ لتقبل علاقات رسمية مع إسرائيل. ولم يقف الأمر حينها عند هذا الحد، ففي أوائل 2012 حيث ذروة التهديد الإسرائيلي بضرب البرنامج النووي الإيراني، كشفت قناة إن.بي.سي الأميركية عن مخططات إسرائيلية لضرب المنشآت النووية الإيرانية بواسطة ضربة جوية تسمح فيها المملكة السعودية بعبور المقاتلات الإسرائيلية من مجالها الجوي وصولاً للمجال الجوي الإيراني، ولفتت القناة في تقريرها هذا أن عدد من الدول الخليجية بخلاف السعودية، سوف يؤيدون هذه الضربة، وذلك في معرض شرح التباين بين وجهتي النظر الأميركية والإسرائيلية حيال الملف النووي الإيراني، حيث كانت الإدارة الأميركية تسعى حينها لإيقاف البرنامج النووي الإيراني باستخدام سلاح العقوبات الاقتصادية، وتجنب استخدام الحل العسكري. وهو ما قد يفسر استثمار بعض وسائل الإعلام الأميركية والغربية لتسريبات الموساد الأخيرة، التي يعارض فيها مسئولي وخبراء الموساد وجهة نظر نتنياهو الخاصة بقرب توصل إيران إلى تقنية صناعة القنابل النووية. سريعاً إلى الأمام، تتكرر هذه الأيام المساعي الإسرائيلية في ظل مرحلة حاسمة وصلت إليها المفاوضات النووية، وكالسابق تتقاطع كل مصلحة إسرائيل والسعودية. أمس نشرت مجلة "ذا أتلانتك" الأميركية أن نتنياهو عن طريق السفير الإسرائيلي في واشنطن، رون ديرمر، وجه دعوة رسمية إلى عدد من سفراء الدول الخليجية في الولاياتالمتحدة لحضور خطاب نتنياهو أمام الكونجرس، بدعوى أن هذه "الدول السُنية" لها مصالح مشتركة مع إسرائيل ضد إيران "الشيعية"، أهمها اهتمام هذه الدول مع إسرائيل بإيقاف البرنامج النووي الإيراني. وبموازاة هذه الجهود الدبلوماسية المشتركة، كشفت القناة الثانية الإسرائيلية عن جهود عسكرية مشتركة يعاد إحياءها خاصة باستخدام إسرائيل للمجال الجوي السعودي في حالة قررت تل أبيب ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وأن السعودية تربط ذلك الأمر بتحقيق تقدم في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أي قبول إسرائيل بمبادرة الملك عبدالله للسلام التي تبنتها جامعة الدول العربية عام2002. من جديد تجد توجهات نتنياهو في خلق ظهير عربي بصيغة طائفية أرض خصبة، بتقاطع المصلحة الإسرائيلية مع مصلحة بعض الدول العربية، على الرغم من عقيدة إسرائيل التي لا يكل نتنياهو نفسه عن البوح بها، والتي مفادها تعزيز الصراع في المنطقة وتحويله من خلاف سياسي إلى صراع طائفي لا يوجد فيه رابح سوى إسرائيل.