شومان: ضرورة لنشر الوسطية بعد تراجع معاهد القراءات عاشور: تؤدي دولا مهما في القرى.. نصر: الحلول القديمة لن تجدي أثار قرار الأزهر بإعادة تفعيل كتاتيب تحفيظ القرآن، لمواجهة الفكر المتطرف، موجة من التساؤلات حول دور "الكتاب" وقدرته على مواكبة العصر، وحماية النشء من الأفكار الهدامة، ورأى مهتمون بالفكر الديني أن اعتماد "الكتاب" كوسيلة من وسائل مواجهة التطرف يدل على ضعف التخطيط في المؤسسة الأزهرية، بينما اعتبر آخرون أنه يمكن استعادة الدور القديم للكتاتيب، وتقويتها بالدعم والاهتمام. "الكتاتيب" منابر التعليم.. من الفخر قديما الي الإهمال قديما كان الأهالي في مصر يدفعون بأبنائهم وهم صغار السن إلى الكتّاب بكل الوسائل ليحفظوا القرآن، حتى تستقيم ألسنتهم في التعامل مع اللغة العربية. وكان للكتّاب، ولا سيما في القرى، مهابة ومكانة خاصة، بل أحيانا كان ذلك مدعاة للفخر بين العائلات، وقد انتشرت الكتاتيب بشكل كبير في مصر خلال العقود الماضية، وأخرجت روادا وعلماء في مختلف المجالات، كما شرعت في ممارسة الدور التعليمي والتربوي، ومن الشخصيات البارزة التي تعلمت في الكتاتيب: طه حسين، رفاعة الطهطاوي، الشيخ "الشعراوي"، وغيرهم من العلماء والمشاهير. إلا أن دور الكتاتيب أخذ في التراجع مع مرور الوقت بسبب ضعف التمويل الإهمال في ظل الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تمر بها البلاد خلال الفترة الأخيرة، وأصبح دورها مساعدا وليس أساسيا بعد توالي الحكومات التي لم تهتم بها الاهتمام الأمثل في ظل ظهور المدارس ودور الحضانة والمعاهد الأزهرية في عهد "محمد على" التي اعتمد عليها من أجل تحقيق النهضة التعليمية لإنشاء الدولة الحديثة. وفي ظل ما يعانيه التعليم حاليا، سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة، من أوجه قصور عديدة، استعاد الكتّاب دوره، والتفت إلى أهميته الكثير من الآباء، فأصبحوا حريصين على إلحاق أبنائهم به، والطريف أن الكتاتيب في مصر لم تعد مقصورة على التلاميذ المسلمين، فهناك الكثير من المسيحيين يدفعون بأبنائهم للكتّاب في سن صغيرة لتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب قبل أن يلتحقوا بالمدارس الحكومية أو الخاصة. يقول الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، إن قرار عودة الكتاتيب مرة أخرى لخدمة المواطنين في حفظ القرآن الكريم، ومعرفة أحكام الدين الصحيحة وفقا لمنهج الأزهر الشريف الوسطي، مشيرا إلى أن عودة الكتاتيب ضرورة، لنجاحها في نشر الإسلام الوسطي على مدار سنوات عديدة، علي حد تعبيره. ويضيف شومان أنه تبين للأزهر من خلال المتابعة أن معاهد القراءات لا تحقق الغرض منها في نشر تعاليم الدين الصحيح الوسطي وإنما أصبحت مجرد وسيلة كي يحصل الطالب منها علي شهادة في نهاية دراسته، موضحا أنه في كثير من تلك المعاهد لا يحضر الطالب أو المدرس طوال العام سوى بضع مرات قليلة، مما ساهم في فشل تحقيق الغاية من تلك المؤسسات، ولذلك لجأ الأزهر مؤخرا للكتاتيب كونها الأقدر على تحقيق ذلك الهدف المنشود. ويرى الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه خلال العقد الماضي كانت هناك درجة من التدين داخل المجتمع المصري، وكان هناك إقبال على الكتاتيب التي اعتبرت منبرا لتعلم القيم والأخلاق ومبادئ الدين، ولكن مع مرور الوقت ومع غياب الوازع الديني داخل المجتمع المصري ساد مفهوم خاطئ، بأن الكتاتيب يشرف عليها وتدار من قبل الجماعات المتشددة مما جعل هناك حالة تخوف من تلك الأفكار السلبية الأمر الذي أثر على دورها وشكلها العام في المجتمع. ويوضح عاشور أن الكتاتيب ما زالت موجودة وبكثرة داخل القرى بالمحافظات المختلفة، وتقوم بدور مهم وجليل في تعليم مبادئ الدين وحفظ القرآن الكريم، إلا أنها لم تعد تمارس دورها كما كان قديما، وذلك لتغير الثقافة العامة لدى المواطنين عما كانت عليه قديما. ويشدد عضو البحوث الإسلامية على ضرورة تسليط الضوء على الدور التنموي للكتاتيب وذلك من خلال وسائل الإعلام والرقابة من جانب الأزهر، حيث أنها خلال الفترة الماضية غدت "سبوبة" من أجل كسب لقمة العيش، يفتتحها بعض الحافظين للقرآن الكريم من أجل كسب لقمة عيشه، مشيرا إلى وجود اختلاف بين الوقت الحاضر والماضي الذي كان الكتاب خلاله يمارس دوره بشكل أقوى عما هو عليه. يقول الشيخ محمد عبد الله نصر، مؤسس جبهة أزهريون، إن دعوة الأزهر لإعادة إحياء الكاتاتيب مرة أخري دليل واضح علي فشل المؤسسة في تنفيذ المهام المنوطة بها من نشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيح ومواجهة الأفكار المتشددة للجماعات التكفيرية، مشيرا إلى أن الحلول القديمة والرؤى المبطنة بالعودة للماضي تدل علي عدم وجود خطط من جانب الأزهر للتصدي لما يحدث وأنه يتعامل بالقطعة مما يؤدي في النهاية إلى الفشل. ويضيف نصر: لا يجب أن نعول كثيرا علي عودة الكتاتيب وأنها ستسهم في نشر تعاليم الدين الحنيف بين الأطفال والشباب وبالتالي توقف زحف الأفكار الهمجية، فكما تخرج من تلك الكتاتيب شخصيات عريقة أثرت في العالم الإسلامي تخرج منها أيضا من شوه صورة الدين الإسلامي، ولذا فإن المشكلة لا تكمن في عودتها من عدمه وإنما تتمثل في طبيعة ما يدرس ومن يقدم تلك المعلومات للأطفال. ويؤكد مؤسس جبهة أزهريون أن الدولة إذا أرادت حقيقة محاربة الفكر التكفيري فعليها إزاحة أصحاب العقول المظلمة من الساحة وترك الفرصة للمتنورين لاعتلاء المنابر الإعلامية والتواصل مع الجماهير لتوضيح حقيقة تعاليم الدين السمح، والقضاء على الأفكار الرجعية المتشددة التي تنبت داخل شبابنا وأطفالنا لتحولهم في النهاية إلى أعضاء تنظيمات إرهابية تحارب الدولة وتشوه صورة الإسلام.